قرارات إخلاء جديدة لمناطق غزة "الآمنة"... تهجير متواصل

17 اغسطس 2024
النزوح لا يتوقف في خانيونس (دعاء الباز/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **نزوح متكرر وإخلاءات مستمرة:** يواجه سكان قطاع غزة نزوحاً متكرراً نتيجة قرارات الإخلاء من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أثر على أكثر من 200 ألف نسمة منذ أغسطس/آب.

- **قصص معاناة وصمود:** تعكس قصص النازحين مثل حليمة السيد وابنها إسلام، وعبد الله أبو وردة، وإبراهيم فياض، حجم المعاناة والصمود في مواجهة الظروف الصعبة.

- **تدمير البنية التحتية وزيادة المعاناة:** تسببت قرارات الإخلاء والقصف الإسرائيلي في تدمير البنية التحتية، مما يزيد من معاناة السكان الذين يواجهون نقصاً في المياه والطعام.

ينزح الآلاف من أهالي قطاع غزة مجدداً من مناطق أجبرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام فقط على الانتقال إليها، وفق قرارات إخلاء جديدة لمناطق في مدينتي خانيونس ودير البلح.

أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح الجمعة، أمراً بإخلاء مناطق جديدة في مدينة خانيونس، بعضها داخل ما يطلق عليه "المنطقة الإنسانية"، بزعم إطلاق قذائف من تلك المناطق، ما يعني إخلاء مناطق تجمع "آمنة" في أحياء بمدينة دير البلح ومنطقة المواصي، إضافة إلى مناطق الجلاء ومدينة حمد ومنطقة جلال في خانيونس.
وهذه المرة السادسة على التوالي خلال الأيام الأخيرة التي يطالب فيها جيش الاحتلال بإخلاء مناطق في مدينة خانيونس، ما دفع سكان المنطقة إلى التنقل اليومي، وكلما انتقلوا من منطقة إلى أخرى لاحقهم الاحتلال ليطلب منهم الإخلاء. وبعد أن كانت مدينة خانيونس أكثر مدن قطاع غزة إيواءً للنازحين، أصبح السكان والنازحون يتنقلون داخلها من منطقة إلى أخرى.
وأُخليَ عدد من المناطق عدة مرات منذ بداية شهر أغسطس/آب، من بينها مناطق في مدينة حمد، وشمال مدينة أصداء من ناحية شارع قطر، وصولاً إلى منطقة المطاحن ومنطقة أبو هولي ومنطقة بوابة كيسوفيم شرقاً، وتقدر مصادر محلية أن تلك المنطقة تضم أكثر من 200 ألف نسمة، وكانت توجد فيها مئات الخيام، فيما يزعم الاحتلال أنها توسعت لتنضم إلى المنطقة الإنسانية، رغم أنه عاد ليلاحق الجميع.
نزح سكان تلك المناطق والنازحون إليها محملين بالفرش والخيام، وحاولوا التجمع حول عدد من مدارس المناطق البعيدة عن النقاط الحمراء، على أمل السماح لهم بالمكوث فيها مؤقتاً حتى انتهاء العملية العسكرية للاحتلال.

قرار الإخلاء السادس منذ بداية الشهر لمناطق في مدينة خانيونس

نزحت حليمة السيد (60 سنة) مع 10 من أفراد أسرتها، ووضعوا خيمتهم إلى جوار حائط أحد تلك المدارس، وهي تأمل أن تكون إقامتها في الخيمة البسيطة هذه المرة هي الأخيرة، في ظل كونها الوحيدة بين أفراد العائلة التي تحتفظ بالأمل في أن تسفر المفاوضات الجارية عن اتفاق يوقف العدوان، رغم سير المفاوضات بشكل بطيء تحت ضغوط الجهات الراعية.
تقول السيد لـ"العربي الجديد": "أنا جدة فلسطينية، ويجب أن أواصل بثّ الأمل في نفوس أحفادي. ولدت وعشت حياتي كلها على ذكرى النكبة، وحياة المخيمات، وتربيت على القصص والحكايات التراثية، وقد ورثنا جميعاً حكايات النزوح واللجوء، وعدم الخضوع لأي أوامر غير أمر الله. تعرضنا لما لم يتعرض له آباؤنا وأجدادنا من قبلنا، حتى جيل النكبة لم يتعرض لما نعيشه اليوم، وقد كنت أسمع قصص النكبة من والدتي ووالدي، ورغم ذلك نواصل إحياء الأمل حتى لا تنتهي هويتنا، أو تموت قضيتنا". 
تضيف: "كلنا محبطون، وقد نزحنا بشكلٍ متكرر، وأصبحت أضع الشال التراثي على رأسي طوال الوقت، إذ يمكن أن أخرج في أي لحظة، وفي بعض المرات كنت غير قادرة على مواصلة التحرك، لكنني أواصل ممسكة بأيدي أحفادي، وأكرر عليهم أنهم أقوياء، وأقوى من عدوكم، فأنتم تمشون على الأرض، بينما العدو الجبان في الطائرات والدبابات. لقد تعرضنا للإذلال، لكننا لن نستسلم حتى لو نزحنا ألف مرة".
على مقربة منها، يبدو ابنها إسلام (30 سنة) أكثر إحباطاً من والدته، لكنه يستمع إلى ما تقوله والدته بصبر، فهو قد تزوج قبل شهر واحد من بدء العدوان الإسرائيلي، ودمر الاحتلال منزله في مخيم المغازي، ولم يعش شيئاً من الحياة الزوجية، وسُرِّح من عمله كما سُرِّح كثير من العمال في منطقة سوق المغازي. 

رحلة جديدة لنازحين صغار (دعاء الباز/الأناضول)
رحلة جديدة لنازحين صغار (دعاء الباز/الأناضول)

يقول إسلام السيد لـ"العربي الجديد": "لا أتمنى شيئاً سوى أن ينتهي هذا الكابوس. نزحنا عدة مرات، وفي كل مرة نمشي وسط جثامين وحرائق ودمار، والطائرات تحوم فوقنا. تعبت كثيراً، وأصبحت أفكر في الهجرة، ولو مشياً على الأقدام، لقد دمر الاحتلال الإسرائيلي أثاث الغرفة الذي اشتريته بالتقسيط، ودمر منزلنا، وخسرنا حتى الذهب الذي أحضرته لزوجتي تحت الركام. خانيونس أصبحت كابوساً بالنسبة إلينا، ونعيش حياة أصعب من حياة السجون". 
والسبت، طلب جيش الاحتلال من السكان والنازحين إخلاء مخيم المغازي، ومناطق حارة صلاح الدين والأمل التي عاد عدد من العائلات إليها بعد نزوحهم إلى مناطق أخرى في دير البلح وخانيونس.
ووفق قرار الإخلاء الأخير بمدينة دير البلح، ستخرج 10 آبار مياه عن الخدمة، إضافة إلى خزاني مياه رئيسيين، ليواصل الاحتلال الضغط على العائلات بالعطش والجوع والنزوح في أنٍ واحد. 

كانت خانيونس أكثر مدن قطاع غزة إيواء للنازحين منذ بدء العدوان

ودمر قصف الاحتلال، يوم الجمعة، خمسة أبراج دفعة واحدة في مدينة حمد، التي أُنشئت بتمويل قطري في غرب شمال مدينة خانيونس، ويهدف الاحتلال إلى إجبار العائلات على عدم العودة إلى المدينة من جديد، بعد أن كانت تعود في مرات سابقة إليه بعد انسحاب جيش الاحتلال من محيطها. ويزعم الاحتلال وجود أهداف عسكرية في المدينة، رغم تأكيدات غالبية النازحين عدم صحة ذلك، وأنهم كانوا في المنطقة شبه المدمرة لعدم وجود مساحات للإيواء في منطقة المواصي.
نزحت عائلو أبو وردة خلال الأسبوع الأخير ثلاث مرات، وتنقل أفرادها من منطقه إلى أخرى مع تكرار التهديدات الإسرائيلية، وهم حالياً يبيتون في العراء بمنطقة غربي مدينة خانيونس، ولا يعرفون إلى أين يتجهون مجدداً، ففي كل مرة يتجهون إلى منطقة، يستيقظون في اليوم التالي للبحث عن مكان آخر، ثم يتفاجأون بأن المنطقة التي اختاروها معرضة للتهجير هي الأخرى.

بقايا الممتلكات الشخصية رفيقة النزوح (دعاء الباز/الأناضول)
بقايا الممتلكات الشخصية رفيقة النزوح (دعاء الباز/الأناضول)

كان عبد الله أبو وردة (43 سنة)، يعيش في بلدة جباليا، لكنه نزح قرابة 15 مرة منذ بداية العدوان، واستشهد عدد كبير من أفراد عائلته، وعدد أخر منهم مفقودون، بمن فيهم شقيقه وأبناؤه وزوجته، لكن النزوح أصبح متواتراً في الفترة الأخيرة، ما يجعله يعيش أزمة كبيرة، ولا يبالي بما يتحدث عنه الناس، فعندما يسمع لفظ إخلاء لا يناقش، ويحمل أكياس الأغراض والفرش، ويتوجه مع الناس إلى أي مكان متاح. 
يقول أبو وردة لـ"العربي الجديد": "إن لم نمت خلال الحرب سنموت بعدها. ننتظر الموت في كل وقت وفي كل مكان، فالطائرات والقذائف والقناصة لا تفرق بين أحد، وحتى لو عدنا إلى مناطقنا يمكن أن تقتلنا المتفجرات التي وضعت في منازلنا، أو القنابل والقذائف غير المنفجرة، وإن لم يحدث أي من ذلك، ستقتلنا الأمراض بعد الحرب، فقد استنشقنا كميات من الغبار وبقايا المتفجرات، وعشنا على الطعام الفاسد والمياه الملوثة، لذا أردد دوماً أننا ذاهبون إلى الموت، وبالتالي أصبحت لا أبالي بتكرار النزوح". 
يضيف: "في نزوحنا الأخير، كان ابني الأصغر سلام (5 سنوات) يسأل: كم مرة سننزح؟ ويتحدث كما لو أنه عجوز، وهذا زاد إحباطي، فطفلي الذي كان يحاول حفظ الأغاني من قناة (طيور الجنة) قبل العدوان، أصبح يعرف حياة النزوح، ويستطيع معرفة أنواع الطائرات والصواريخ. لا أخشى من الموت، لكني أريد أن يعيش أبنائي حياة أفضل".
بدوره، اتبع إبراهيم فياض (62 سنة) طريقة جديدة في النزوح، إذّ وزع أبناءه في عدة مناطق حتى يقلل من خسائر النزوح المتكرر، فجعل أربعاً من بناته يُقمن مع عمتهنّ في إحدى مدارس مدينة دير البلح، بينما هو والذكور موجودون في منطقة المواصي، وقد تنقلوا مرتين من المناطق المهددة أخيراً، وهم يبيتون حالياً في العراء منذ ثلاثة أيام. 

يعتقد فياض أنه بهذه الطريقة ستتقلص خسائره في حال حصول مجزرة أو قصف إسرائيلي، ولن تستشهد العائلة كلها مرة واحدة، كما حصل في عدد من المجازر، وهو يريد أن يبقى عدد من الأفراد الذين يحملون اسم العائلة بعد أن مسح الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من العائلات من السجل المدني. 
يقول فياض لـ"العربي الجديد": "ما زلت واقفاً على قدمي، ولم يكسرني المرض أو النزوح، وحتى لو أصبت سأقاوم، لكن الأزمات تفاقمت في الفترة الأخيرة، والنزوح المتكرر جعلني أتذكر أنني أب، ومهمتي الحفاظ على حياة أبنائي، لذا أجعلهم يبقون في مناطق متفرقة، فقد خسرت العائلة في أثناء مجزرة إسرائيلية على شمال القطاع 10 أفراد مرة واحدة، من بينهم أطفال ونساء ومسنون".
يضيف: "تعبنا من النزوح المتكرر، لكننا لم ننهزم، ليس حباً بأي حزب أو فصيل سياسي، بقدر حب فلسطين، والحفاظ على بقائها. الاحتلال يخلق حججاً واهية لكسرنا، وهناك مناطق كنت أقيم فيها لم نسمع إطلاق أي شيء منها، لكن صدرت قرارات بإخلائها، إنها طريقة لمحاولة هزيمتنا، لكنهم لن يفلحوا".

المساهمون