قانون الأسرة... خوف على حقوق المرأة في مصر

26 فبراير 2021
هل ينصفهما مشروع القانون الجديد؟ (صلاح ملكاوي/ Getty)
+ الخط -

تتأهّب اللجان النوعية في مجلس النواب المصري لمناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة)، فور إحالته إليها في جلسات البرلمان التي ستنعقد الأسبوع المقبل، والذي وافق عليه مجلس الوزراء بصفة نهائية في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، من دون الاكتراث للملاحظات على بعض مواده من الجهات المعنية.
وأثارت مواد قانون الأسرة الجديد مخاوف لدى العديد من المعنيين، لا سيما أن هناك حالة من الغموض بشأن موقف الأزهر منها، والذي سبق وأعد مشروعاً متكاملاً لعرضه على مجلس النواب. إلا أن رئيسه السابق، علي عبد العال، رفض طلباً من اللجنة الدينية في البرلمان بإحالته إلى اللجان المختصة لمناقشته، بذريعة أن "الدستور اختص رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر".
ونصت المادة السابعة من الدستور المصري على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية، والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخه مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
وفي تصريحات سابقة، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إن "الأزهر ليس جهة تشريعية، لكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء"، وهو ما ردت عليه رئيسة المجلس القومي للمرأة، مايا مرسي، بالقول: "هناك تخوّف من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من حقوق المرأة في القانون".
وعمد النظام المصري إلى إرجاء فتح ملف قانون الأحوال الشخصية خلال السنوات الماضية بوصفه تشريعاً شائكاً، على الرغم من تقدم العديد من النواب بمشاريع قوانين لتعديل مواده، بما يكفل إعادة تنظيم النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بدءاً من الخطبة وشروطها، مروراً بالزواج والطلاق والخلع، وصولاً إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها.
من جهتها، طالبت رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، الحقوقية نهاد أبو القمصان، الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتدخل لوقف مناقشة مشروع القانون، وتشكيل لجنة لدراسة التشريعات المماثلة في دول العالم الإسلامي، بهدف الوصول إلى قانون أكثر إنصافاً للمرأة، معتبرة أن مواد القانون الجديد "صادمة"، وتلغي الشخصية القانونية للنساء، من خلال تحويلهن إلى ماكينة لـ "تفريخ الأطفال"، على حد قولها.

تساهمان غي إعالة أسرتيهما (أحمد السيد/ الأناضول)
تساهمان غي إعالة أسرتيهما (أحمد السيد/ الأناضول)

وكتبت على صفحتها على "فيسبوك": "في الوقت الذي تقترح فيه المملكة العربية السعودية، مسودة لقانون تستند فيه إلى رؤى فقهية مستنيرة، تساهم بحق في إنصاف المرأة والأسرة؛ تقدم مصر مسودة تستند إلى أكثر الرؤى تشدداً، ولا تتعامل مع واقع تساهم فيه النساء مالياً وإنسانياً".

المهر
واستند القانون، بحسب أبو القمصان، إلى فرضية قبض المرأة للمهر، وهي فرضية لم تعد قائمة في ظل مساهمة النساء في تأسيس منزل الزوجية، فضلاً عن الإنفاق على أسرهن من دون ضمانات لحقوقهن، مستطردة بأن "القانون المقترح يتعامل مع النساء باعتبارهن ناقصات الأهلية، كما يلغي أي حق للأمهات في مباشرة حياة أبنائهن، ما يجعل المسودة المطروحة مرفوضة شكلاً وموضوعاً".
تابعت أن "مشروع القانون لا يتناسب مع مقتضيات العصر، ويستند إلى أكثر الأفكار الفقهية انغلاقاً، إذ أنه لا يعترف بالأهلية القانونية للنساء، وعدم تمكينهن من عقد الزواج مهما بلغن من السن، أو المكانة العلمية، لاشتراط وجود ولي ذكر لعقد الزواج، ولو أصغر منها سناً، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بحق النساء في اختيار الزوج، ومنعهن من السفر بحجة عدم موافقة الزوج، مهما كان منصب الزوجة أو متطلبات هذا السفر".
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، قال السيسي خلال فعاليات "منتدى أسوان للسلام والتنمية"، إنه لن يوقّع على مشروع قانون الأحوال الشخصية "إذا تبين أنه لا ينصف المرأة"، مضيفاً أن "النساء يتخوفن ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهن. وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة لهذا التشريع".
وتضمّن مشروع القانون أحكاماً لإجراءات الخطوبة من دون أن يترتب عليها ما يترتب على عقد الزواج من تداعيات؛ فإذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة أو مات، فللشريك أو ورثته استرداد المهر في حالة منحه قبل إبرام عقد الزواج، أو قيمته. ولا تعد "الشبكة" من المهر "إلا إذا اتفق على غير ذلك، أو جرى العرف باعتبارها منه".

ونص القانون على أنه "إذا عدل أحد الطرفين عن الخطوبة بغير سبب، فلا حق له استرداد شيء مما أهداه للآخر، وإن كان العدول بسبب الطرف الآخر فله أن يسترد ما أهداه، أو قيمته يوم استرداده".

إخطار الزوجة
كذلك، عاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه (نحو 1270 دولاراً)، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه (نحو 3180 دولاراً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل زوج خالف نص المادة 58 من القانون. ويعاقب بذات العقوبة المأذون المختص، حال عدم التزامه بما أوجبه النص عليه من إخطار الزوجة بالزواج الجديد.
وألزمت المادة سالفة الذكر الزوج بأن "يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجاً عليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة، أو الزوجات اللواتي في عصمته، ومحال إقامتهن. وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجّل مقرون بعلم الوصول".
ومنحت المادة نفسها للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بينهما، ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها. وكذلك، للزوجة الجديدة أن تطلب التطليق، إذا لم تكن تعلم أنه متزوج بسواها، ثم تبين أنه متزوج، فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة".
ويسقط حق الزوجة في طلب التطليق لهذا السبب بمضي سنة من تاريخ علمها بالزواج بأخرى، أو رضائها بذلك صراحة أو ضمناً، ويتجدد حقها في طلب التطليق كلما تزوج بأخرى.

الحضانة
وقدم المشروع حضانة الأب إلى المرتبة الرابعة، بدلاً من الترتيب السادس عشر في القانون القائم؛ وذلك بعد الأم، ووالدة الأم، ووالدة الأب. وعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه (نحو 3180 دولاراً)، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه (نحو 12720 دولاراً)، لكل من زوج أو شارك في زواج طفل لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره وقت الزواج، فضلاً عن الحكم على المأذون أو الموثق بالعزل، وعدم سقوط الجريمة بمضي المدة.
كما نص على توقيع غرامة لا تقل عن ألف جنيه (نحو 63 دولاراً)، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه (نحو 318 دولاراً)، لكل حاضن حال دون تمكين صاحب الحق في الرؤية أو الاستضافة من استعمال حقه، من دون عذر تقبله المحكمة، والحبس مع الشغل مدة لا تقل عن ستة أشهر، لكل مستضيف امتنع عمداً عن تسليم الصغير أو الصغيرة للحاضن بعد انتهاء مدة الاستضافة، بقصد حرمان الحاضن من الحضانة.
ويعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (نحو 636 دولاراً)، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه (نحو 3180 دولاراً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين "كل وصي أو قيّم أو وكيل امتنع بغير عذر تقبله المحكمة عن تسليم أموال القاصر أو المحجور عليه أو الغائب أو أوراقه، لمن حل محله في الوصاية أو القوامة أو الوكالة".
وفي مواجهة ظاهرة السفر بالأطفال إلى الخارج، نص القانون على "عدم جواز تغيير اسم المحضون أو سفره خارج البلاد بمفرده، أو برفقة الحاضن، إلا بناءً على موافقة موثقة من غير الحاضن من الوالدين". وحدد انتهاء الحق في الحضانة ببلوغ الصغير سن 15 عاماً، وبعدها يخير من قبل القاضي في البقاء مع الحاضن من دون أجر حضانته (إذا كان الحاضن من النساء) حتى يبلغ سن الرشد أو حتى زواج الصغيرة.

تنتظر الزبائن (زياد أحمد/ Getty)
تنتظر قدوم الزبائن (زياد أحمد/ Getty)

نفقة مؤقتة
وفرض التشريع نفقة مؤقتة للزوجة أو المطلقة أو الحاضنة، وصغارها، على المكلف بالإنفاق في حال استحقاق النفقة، وتوافر شروطها خلال 25 يوماً على الأكثر من تاريخ تقديم الطلب. ويكون الأمر واجب النفاذ فوراً إلى أن يُحكم لها بالنفقة من محكمة الأسرة المختصة، ولا يجوز التظلم من هذا الأمر.
ونظّم الاستضافة بعدد ساعات لا يقل عن 8 ساعات، ولا يزيد على 12 ساعة كل أسبوع، ما بين الساعة الثامنة صباحاً والعاشرة مساءً، وفي هذه الحالة لا يجوز الجمع بين الرؤية والاستضافة خلال الأسبوع نفسه المتضمن الاستضافة. ويجوز أن تشمل الاستضافة مبيت الصغير بحد أقصى يومين كل شهر، كما يجوز أن تشمل الاستضافة مبيت الصغير لمدة لا تجاوز سبعة أيام متصلة كل عام.

الرؤية إلكترونياً
ووفقاً للقانون، يجوز طلب الحكم بالرؤية إلكترونياً، ويجوز لمن صدر له حكم بالرؤية المباشرة طلب استبدالها بالرؤية الإلكترونية. ويصدر قرار من وزير العدل بتحديد مراكز الرؤية الإلكترونية، ووسائلها، وتنظيمها.
وبحسب المذكرة الإيضاحية للقانون، فإنه ضيق دائرة الطلاق بما يتفق مع أصول الدين، وقواعده، ويوافق أقوال الأئمة، وأهل الفقه، إذ استحدث شروطاً لإيقاع الطلاق من ناحية الزوج، بأن يكون الزوج عاقلاً مختاراً واعياً ما يقول، قاصداً النطق بلفظ الطلاق، عالماً بمعناه، وأن يكون الطلاق منجزاً، ولم يقصد به اليمين، أو الحمل على فعل شيء أو تركه، وعدم وقوع الطلاق بألفاظ الكناية، إلا إذا نوى المتكلم بها الطلاق، ولا تثبت النية في هذه الحالة إلا بإقرار المطلق.
ولا يقع الطلاق المقترن بعدد لفظاً أو إشارة إلا واحداً، وكذلك المتتابع أو المتعدد في مجلس واحد، ويرتب الطلاق الشفوي أثره قانوناً في حال إقرار الطرفين به أمام جهة رسمية.

سريان القانون
وتسري أحكام القانون على جميع المصريين، وفي المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتّحدي الطائفة والملة، الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتى تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول من عام 1955. ويُعمل به، فيما لم يرد به نص خاص في هذا المشروع، بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة.
وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة). في حين شكلت وزارة العدل لجنة خصيصاً لإعداد تشريع منظم للأحوال الشخصية، والوصية، والميراث، وإجراءات التقاضي.
ويخاطب التشريع الجديد ما لا يقل عن 15 مليون مصري، وفقاً للإحصائيات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي)، والتي تشير إلى وجود أكثر من مليون قضية أحوال شخصية لم يُفصل فيها بعد أمام المحاكم المصرية، في وقت بلغت فيه نسبة الطلاق نحو 24 في المائة من إجمالي حالات الزواج خلال عام 2018.

المساهمون