في الليلة الظلماء يتقلّص التلوّث الضوئي المضرّ بالتنوّع الحيوي

04 أكتوبر 2022
الحيوانات الليلية مهدّدة بالتلوّث الضوئي أو الإنارة الصناعية (Getty)
+ الخط -

 

يجد عشّاق السماء المظلمة المرصّعة بالنجوم - في أزمة الطاقة الراهنة - فرصة سانحة للتحذير من خطر التلوّث الضوئي على التنوّع الحيوي، لافتين إلى أنّ ثمّة ميلاً إلى التقليل من شأنه، ويدعون إلى الاعتدال في استخدام الإنارة.

تحت عنوان "مانيفستو الظلام: الإنارة الصناعية وتهديد الإيقاع الأصلي"، وضع عالم الأحياء السويدي يوهان إكلوف مؤلّفاً يُعَدّ "إعلان مبادئ ضدّ التلوّث الضوئي" تُرجم إلى ثماني لغات ويصدر تباعاً. وشاء الناشط البيئي "توعية الضمائر" بأهمية الظلام الطبيعي الآخذ في التدهور، الأمر الذي ينعكس سلباً على الحيوانات الليلية التي تشكّل ثلث الفقاريات ونحو ثلثَي اللافقاريات. وقد أراد إكلوف لمؤلّفه أن يُحدث صدمة في هذا الشأن، داعياً فيه الناس إلى تجاوز خوفهم الغريزي من الليل.

وقال إكلوف لوكالة فرانس برس إنّ "المطلوب الشعور بالليل أكثر، بغية الحفاظ عليه بشكل أفضل". وهو لاحظ في مؤلّفه أنّ الإنارة الصناعية في العالم "تمثّل عُشر إجمالي استهلاك الطاقة، إلا أنّ جزءاً ضئيلاً فحسب من هذا الضوء مفيد للناس". ولمسَ إكلوف المتخصّص في الخفافيش ضرر هذه الإنارة عندما تبيّن له أنّ ثدييات الغروب الشهيرة هذه تبتعد تدريجاً عن الكنائس ذات الواجهات المضيئة. ويترافق ذلك مع إدراجها في القائمة الحمراء للأنواع المهدّدة بالانقراض في السويد.

وأشار إكلوف إلى أنّه قرّر "دراسة المخاطر التي تواجهها الحيوانات الأخرى" من جرّاء التلوّث الضوئي، فتبيّن له "مدى تأثيره على كلّ شيء". وفي مؤلّفه "فلنتجرأ ونجرّب الليل"، يعاين إكلوف حال الخنافس والضفادع والقنافذ والطيور وغيرها، إذ إنّ كلّ هذه الكائنات اعتادت منذ ملايين السنين الاسترشاد بالنجوم والقمر، لكنّ الإضاءة الشديدة جداً ضللتها وأربكتها.

السياحة الفلكية

ولا تقتصر النتائج على ما حصل للفراشة التي اجتذبها وهج مصباح الشارع فنفقت من شدّة الإرهاق فجراً، بل هي أكثر اتّساعاً وعمقاً، إذ يؤثّر التلوّث الضوئي على جوانب أخرى كالتلقيح والصيد والتكاثر ووضع البيض والهجرة، وبالتالي يشكّل خطراً على المنظومة البيئية برمّتها، "حتى في المحيطات"، بحسب ما بيّن إكلوف.

وأكّد إكلوف أنّه من الثابت أنّ التلوّث الضوئي يشكّل، إلى جانب فقدان الموائل ومبيدات الآفات، أحد العوامل المؤدية إلى تدهور التنوّع الحيوي، لكنّ آثاره ما زالت صعبة القياس وثمّة "تقليلاً من أهمية الخطر". غير أنه أبدى ارتياحه إلى أنّ الأبحاث في هذا الشأن تشهد ازدهاراً بعدما كانت قليلة قبل ثلاث سنوات.

في سياق متصل، لاحظت مديرة الحفظ في جمعية "إنترناشونال دارك سكاي" البيئية غير الحكومة الناشطة في مجال الدعوة إلى حماية سماء الليل المظلمة وتعزيز الإنارة المسؤولة، آشلي ويلسون، أنّ ثمّة "وعياً" متزايداً بالظاهرة، مستدلّة على ذلك بأنّ ثمّة إقبالاً متزايداً على شهادات "محميّات السماء المرصّعة بالنجوم" التي تصدرها في مختلف أنحاء العالم.

وقد تجاوز عدد المحميات المعتمدة من الجمعية حتى الآن نحو 200، أي بزيادة نحو 100 في ستّ سنوات، وتفتخر ويلسون بمتنزّه تبلغ مساحته 160 ألف كيلومتر مربع تأمل في توسيعه في آسيا وأفريقيا. وقالت ويلسون "نقطة انطلاقنا هي السياحة الفلكية. ومن خلال مراقبة القبّة السماوية، ندرك أنّ التلوّث الضوئي يمثّل مشكلة متنامية". ويتزايد هذا التلوّث بنسبة اثنَين في المائة سنوياً على صعيد عالمي منذ عام 2017، وقد أشارت ويلسون إلى أنّ "99 في المائة من السكان في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لا يعيشون تحت سماء مرصّعة بالنجوم".

طرفا الليل

من هذا المنطلق، وُلد تعطّش متزايد إلى "الابتعاد عن الوهج الضوئي للمدن التي لا يظهر في سمائها المصفرّة من جرّاء الإنارة، سوى عدد قليل من النجوم المتألقة"، بحسب قول سيباستيان فوكلير من "دارك سكاي لاب" مؤسسة الدراسات الفرنسية التي تُعِدّ خرائط عن التلوّث الضوئي.

ولم يكن هذا الموضوع الذي ظهر في ستينيات القرن العشرين يشكّل مصدر قلق إلا لعلماء الفلك، وذلك لمدّة طويلة، بحسب فوكلير، عالِم الفيزياء الفلكية الذي كان وراء إنشاء محمية "بيك دو ميدي" الفرنسية. وذكّر فوكلير بأنّ "القلق في شأن التنوّع الحيوي لم يبدأ إلا في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين"، إلا أنّ أزمة الطاقة اليوم هي بمثابة مدخل مناسب لإثارة المسألة بفاعلية.

وأوضح فوكلير الذي يناضل للاستغناء عن الأضواء الزائدة وأضواء الشوارع ذات التوجّه السيّئ، ومصابيح "ليد" شديدة الوهج، "صرنا نلقى آذاناً صاغية عندما ندعو إلى الاعتدال الضوئي". ومن الإيجابيات أنّ واحدة من كلّ ثلاث بلديات فرنسية يزيد عدد سكانها عن 100 نسمة تطفئ الأنوار في منتصف الليل. لكنّ هذا غير كاف بحسب فوكلير، "لأنّ التأثير الفعلي على الحياة البرية يكون في طرفَي الليل"، أي عند الغروب والفجر، إذ يكون النشاط الحيواني حينها في ذروته.

وفي هذا الإطار، فإنّ أيّ مبادرة تُعَدّ ذات فائدة، بحسب ويلسون التي عبّرت عن ترحيبها بالتغييرات الأخيرة التي طاولت الإضاءة العامة في باريس. وقالت: "ما دمنا تمكنّا من إطفاء الأنوار لتوفير الطاقة، ففي إمكاننا القيام بذلك من أجل التنوّع الحيوي أيضاً".

(فرانس برس)

المساهمون