فيضانات الصومال... مدن عائمة تشرّد الآلاف

11 نوفمبر 2023
لا قدرة للصوماليين على تحمّل الفيضانات (حسن علي علمي/ فرانس برس)
+ الخط -

اجتاحت فيضانات الأمطار الموسمية التي تُعرف محلياً باسم "دير" أقاليم عدة في الصومال، وخلّفت خسائر مادية وبشرية، بحسب ما أفادت به الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث والشؤون الإنسانية.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، نقلاً عن تقارير لمفوضية الشؤون الإنسانية التابعة للمنظمة الدولية: "يتوقع أن تجلب ظاهرة النينو إلى الصومال مزيداً من الأمطار والفيضانات خلال ديسمبر / كانون الأول المقبل، ما قد يلحق أضراراً بنحو 1.2 مليون شخص في مناطق تطل على ضفاف الأنهار".
ورفعت مياه الأمطار منسوب مياه نهري شبيلى وجوبا، ما تسبب في فيضانات عارمة في المناطق القريبة وأجبر نحو نصف مليون شخص على النزوح من منازلهم إلى مناطق مرتفعة خوفاً على حياتهم.
وترافق ذلك مع مطالبة الحكومة الصومالية المواطنين بأخذ كل التدابير اللازمة لتفادي حدوث خسائر بشرية ومادية. وأوضحت أن الفيضانات حوّلت مدناً وقرى وبلدات في ولايتي جوبالاند وجلمدغ وأجزاء من ولاية جنوب غربي الصومال إلى برك مياه عائمة، وقطعت الطرقات، ما يعقّد وصول إمدادات إلى السكان المحاصرين بالمياه في هذه المناطق.
ويقول يوسف آدم الذي قضى ليلته مع أسرته في منزل حاصرته المياه من كل الجهات في مدينة عيل واق لـ"العربي الجديد": "لم تسنح لنا فرصة الهروب فحاصرتنا مياه الفيضانات. وفي الصباح، قدِم قارب صغير وأخرجنا إلى ضواحي المدينة".
يُضيف يوسف، وهو أب لخمسة أطفال: "أحوالنا مزرية، ولا نملك شيئاً نسد به رمق أطفالنا، ونطالب الهيئات الإنسانية بمساعدتنا".
أيضاً تقول صفية نور علمي، وهي أم لأربعة أولاد، لـ "العربي الجديد": "فاجأتنا مياه الفيضانات خلال الليل، ودفعتنا إلى الهروب من دون أن نأخذ أي من ممتلكاتنا إلى مكان يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، ولا يمكن العيش فيه في ظل عدم توفر المياه والغذاء، وعدم قدرة الخيام على حمايتنا من الحرّ نهاراً والبرد ليلاً".
ويقول إبراهيم جوليد، محافظ مدينة عيل واق بإقليم جدو، لـ"العربي الجديد": "لم نستطع تحمّل كارثة الفيضانات التي ضربت المدينة، لأن قدرتها لم تكفِ للتعامل معها خصوصاً بعدما أصبحت المدينة بركة ماء. ولجأ عدد كبير من السكان إلى ضواحي المدينة حيث واجهوا معاناة من نوع آخر بسبب عدم توفير المنطقة أبسط مقومات الحياة".
وتتحدث الحكومة الصومالية عن أن أكثر من 85 ألف شخص تضرروا نتيجة الأمطار الغزيرة، التي أحدثت فيضانات عارمة في ولايات جوبالاند وجلمدغ وجنوب غربي الصومال.
وأعلنت الأمم المتحدة أنها تعمل مع شركائها في المجال الإنساني والحكومة الصومالية لوضع خطط للاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ، علماً أن صندوق الصومال الإنساني خصص 15 مليون دولار للعمل المبكر في حال حصول فيضانات.

خسائر مادية وبشرية

تقول الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث والشؤون الإنسانية في الصومال إن "الأمطار والفيضانات أدت إلى مقتل 29 شخصاً بينهم أطفال". وتخبر فهمة صالح، وهي أم لـ7 أولاد وتقيم في مخيم قورطبي بمدينة دولو في إقليم جدو، "العربي الجديد"، بأن مياه الفيضانات جرفت عشرات المنازل في مخيم قورطبي، بعدما أحاطت بكل جهات المخيّم الذي تعيش فيه أكثر من مائة أسرة.
من جهته، يقول مدير مركز عمليات الطوارئ في ولاية جوبالاند المحلية عبد الله شافعي لـ"العربي الجديد": "اعتبر إقليم جدو بولاية جوبالاند الأكثر تضرراً جراء الفيضانات التي تشهدها الصومال منذ نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتوفي 9 أشخاص بينهم أطفال في مدن عيل واق وبارطيري وبورطوبي".

مناطق الصومال برك عائمة (أبو بكر محمد محي الدين/ الأناضول)
مناطق الصومال برك عائمة (أبو بكر محمد محيي الدين/ الأناضول)

وفي شأن الخسائر المادية، يقول شافعي لـ"العربي الجديد": "ألحقت الفيضانات خسائر مادية كبيرة بمدن لوق وعيل واق وباطيري وبورطوبي حيث دمرت نحو 70 في المائة من المنازل، وتسببت في نزوح 85 في المائة من سكان إقليم جدو الذي يسكنه 508 آلاف شخص. ودمّرت الفيضانات أيضاً آلاف الهكتارات الزراعية في مدينتي بارطيري وبورطوبي اللتين تقعان على ضفاف نهر جوبا، ما قد يتسبب في أزمة غذائية بالبلاد".

مساعدات من الجو

ويحاول مسؤولو ولاية جوبالاند المحلية، بالتعاون مع الحكومة الصومالية، إيصال مساعدات إنسانية للسكان المحاصرين عبر إسقاطها من الجو. ويقول شافعي: "قطعت مياه الفيضانات كل الطرقات البرية التي تؤدي إلى مدن بارطيري وبورطوبي وعيل واق في إقليم جدو، ما يجعل إيصال المساعدات براً أمراً مستحيلاً في ظل استمرار هطول الأمطار".
يضيف: "يعتبر خيار إسقاط طائرات ومروحيات مساعدات لسكان هذه المدن الأكثر ترجيحاً بعد عدم تلقيهم أي مساعدات إنسانية منذ نحو 10 أيام".
وتقول مريمة عمر، وهي من سكان مدينة لوق لـ"العربي الجديد": "هربنا من منازلنا قبل 8 أيام، ووصلنا إلى هذه المنطقة خوفاً على حياتنا، لكننا نواجه معاناة أخرى إذ لا مأوى ولا مياه نظيفة صالحة للشرب".
وفي وقت تستخدم الحكومة الصومالية قوارب صغيرة لإيصال مساعدات إنسانية إلى مناطق منكوبة بالفيضانات في إقليم جدو بولاية جوبالاند، ترى الأمم المتحدة أن التعاون مع هذه الأزمة قد يتطلب موارد إضافية. وتشير إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية للصومال للعام الحالي لم تتلقَ إلا 37 في المائة من التمويل المطلوب.

تحذيرات حكومية

وتقول الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث والشؤون الإنسانية في الصومال إن ولايات محلية عدة شهدت مطلع الأسبوع الجاري أمطاراً غزيرة نتجت عنها فيضانات عارمة أغرقت مناطق شاسعة جنوب البلاد ووسطها.
وتحدد الوكالة المدن الأكثر تضرراً بالفيضانات المدمرة بجربهاري وبارطيري وعيل واق ولوق وبورطوبي وبورهكبة  وبردالي وقنسحطيري، إلى جانب أجزاء من إقليم مدغ في ولايات جوبالاند وجنوب غربي الصومال، وولاية جملدغ.
وتؤكد الوكالة استمرار الجهود الإنسانية، وأيضاً عمل الحكومة الصومالية بكل الوسائل التي تملكها لإيصال المساعدات العاجلة للمتضررين من مياه الفيضانات جنوبي البلاد ووسطها.
من جهته، يتوقع نائب رئيس الوزراء الصومالي، صالح أحمد جامع، أن تزداد الخسائر في حال استمرت الأمطار وارتفع منسوب مياه الأنهار. ودعا الهيئات الحكومية والتجار إلى تقديم مساعدات عاجلة كي لا يتفاقم الوضع المعيشي للنازحين، وتصبح حالتهم أكثر سوءاً.
يُذكر أن "نسبة الأمطار التي هطلت هذا الموسم الذي يستمر حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل أكبر بكثير من نسبة هطول الأمطار في المواسم الماضية، ما يُنذر بحدوث أزمة إنسانية في حال عدم اتخاذ الشعب أو الحكومة التدابير اللازمة".
وتجدد الوكالة الوطنية لإدارة الكوارث تحذيراتها من تبعات ظاهرة "النينو" المناخية التي تتوقع أن ترفع نسبة هطول الأمطار. وهي تدعو المواطنين إلى الابتعاد عن الأحواض وضفاف الأنهار إلى مناطق مرتفعة لتفادي سقوط خسائر بشرية جراء الأمطار.

المساهمون