يشارك الفلسطينيون المقيمون في الجزائر بكثافة في الأنشطة والفعاليات التضامنية مع الشعب والمقاومة في فلسطين، لا سيّما في مدينة القدس المحتلة وقطاع غزة المحاصر. فالبعد لم يحل دون متابعتهم الأحداث والمستجدات الحاصلة في فلسطين، يحدوهم أمل كبير. وتفاؤل هؤلاء اليوم قد يكون مستلهَماً من تجربة التحرير الجزائرية بعد 130 عاماً من الاحتلال الفرنسي، من أجل استعادة الحق والأرض وتحرير الإنسان ودحر الاحتلال. ولا تحيد أنظار الفلسطينيين في الجزائر هذه الأيام عن متابعة أخبار فلسطين والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وبالنسبة إلى هؤلاء المقيمين في بلد المليون ونصف المليون شهيد، فإنّ الأمور تأتي مضاعفة لجهة الاهتمام والألم والترقّب والتواصل مع الأهل والعشيرة والقلق عليهم والدعاء للمقاومة بالنصر.
حسناء أبو دقّة طالبة فلسطينية تبلغ من العمر 24 عاماً وتعيش مع عدد من أفراد عائلتها في مدينة البليدة الواقعة شمالي الجزائر. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "البعيد عن أهله وأقاربه وعشيرته يشعر دائماً بطريقة مضاعفة بكل ما يحصل هناك، على بعد آلاف الكيلومترات. والبعيد دائماً يحزن أكثر وبعمق، ويفرح بالدموع إذا أتت أخبار تدخل السرور على قلبه. والبعيد يحنّ دائماً إلى أرضه وأهله، ويتمنّى أن يكون معهم في مثل هذه الظروف العصيبة ولو تحت القصف". وتخبر حسناء أنّها تترقّب ما سوف يكون، وتتابع الأخبار، وتتواصَل عبر موقع "فيسبوك" مع عائلتها وأصدقائها هناك للاطلاع على المستجدات، مقرّةً أنّ "ذلك صار أولى أولوياتي اليومية. فنحن متأثّرون بما نشاهده من صور العدوان على فلسطين عبر شاشات التلفزة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقلوبنا مقسومة، فيما لا نستطيع إلا الإكثار من الدعاء والبقاء على تواصل مع ناسنا في غزة متى سنحت الفرصة وكان اتصال الإنترنت متاحاً".
وحسناء التي تتابع دراستها في كلية العلوم الاقتصادية في الجزائر، ولدت في هذه البلاد وتردّد أنّها "جزائرية المولد والقلب وفلسطينية الروح". بالنسبة إليها، "لا يمكن قطع وصال ارتباطي بفلسطين مهما فعلت أعتى الجيوش". وتشير إلى أنّها تستيقظ في كل صباح على صوت أحد أفراد عائلتها في مدينة غزة المحاصرة، مضيفة أنها في الأيام السابقة لم تكن تتوقع رداً من أحد على اتصالاتها ورسائلها، "خصوصاً أنّنا في كلّ يوم كنا نشاهد ونسمع أخباراً عن الشهداء وعن القصف الذي لا يرحم طفلاً ولا عجوزاً". وبغصّة تتابع: "أتألم وأتابع الأخبار وأذرف أحياناً الدموع وجعاً واستهجاناً لما يجري على أرضنا. لكن في المقابل، هذه هي المقاومة ولا يمكن التفريط بالأرض والعرض".
كثيرة هي العائلات الفلسطينية التي تعيش في الجزائر منذ أعوام طويلة، ولا يتردّد أفرادها بالتصريح بأنّ الجزائر بلدهم الثاني تماماً كما هي الحال مع بلدان أخرى احتضنت الفلسطينيين الذي تهجّروا من وطنهم. لكنّ الجزائر تبقى ذات مكانة متمايزة في قلب كل فلسطيني، نظراً إلى أنّها رمز للكفاح واسترداد الحق مهما كان.
نزار أبو دراز واحد من هؤلاء الفلسطينيين، علماً أنّه وُلد وترعرع في مدينة البويرة شمالي البلاد. والشاب الذي يبلغ من العمر 19 عاماً، يتابع دراسته الجامعية في كلية الحقوق في البويرة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الجزائر بلد الثوّار، وقد تعلّمنا منكم الصبر والمقاومة". يضيف أنّ "الفلسطينيين في كل مكان تربّوا على قصص الثورة الجزائرية، وصارت الجزائر جزءاً من حياتنا". ويشير نزار إلى أنّه "إلى جانب زملاء فلسطينيين وآخرين جزائريين نتابع ما يحصل في الأرض المغتصبة، بقلق وتوجس أحياناً. فالوضع المأساوي وسقوط الشهداء الأبرياء صارا يحدثان خدوشاً في القلب". ولا يخفي نزار أنّه يتابع بدقّة ما تأتي به المقاومة الفلسطينية من انتصارات، فيما ينتظر أخبار الأهل في فلسطين. ويشدد على أنّ "التضحية في سبيل الوطن واجب على الجميع، علماً أنّ الشهادة حياة"، موضحاً أنّ "لا حياة لمن لا يدافع عن أرضه".
وتحت شعار "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، شارك نزار في وقفات تضامنية مع فلسطين في حرم جامعة البويرة إلى جانب عشرات من الطلاب الجزائريين، فيما عمد إلى شرح القضية الفلسطينية من خلال معرض للصور ومحاضرات لدعم الشعب الفلسطيني في محنته الحالية. يُذكر أنّه منذ بدء العدوان الأخير على قطاع غزة، خرج عشرات من الفلسطينيين في الولايات الجزائرية المختلفة في مسيرات، وشاركوا في ندوات ومحاضرات حول القدس وفلسطين، وهذه اللقاءات تزوّدهم بشحنة متجددة لمواصلة المقاومة بالقلم والكلمة وبالصوت وبالعِلم والتاريخ وتوثيق الأحداث كذلك.
في سياق متصل، يقول الفلسطيني حسن حمودة لـ"العربي الجديد": "نحن لا نختلف عن الفلسطينيين في الوطن على الرغم من الصعاب التي يواجهونها هناك. فنحن هنا نترقّب يومياً الأخبار ومآلات وتداعيات ما يحصل وقلوبنا معهم. فإمّا النصر وإمّا الشهادة". يضيف حمودة "أنا ممتنّ للجزائريين الذين التفوا حول القضية الفلسطينية التي تمثّل بالنسبة إليهم قضية الشعب كلّه. هم يتضامنون معنا ويحاولون البحث في السبل التي تمكّنهم من توصيل المساعدات إلى الفلسطينيين في الوطن، والإبقاء على العلم الفلسطيني مرفرفاً دوماً إلى جانب العلم الجزائري".