فسيفساء تركيا... اكتشافات يعود عمرها إلى 2000 عام

17 نوفمبر 2022
متحف فسيفساء "زيوغما" في غازي عنتاب الأكبر عالمياً (أدسيزجونيباكان/الأناضول)
+ الخط -

قبل شهرين، قررت تركيا فتح الباب أمام الزوار لاستعراض مجموعة الفسيفساء المكتشفة في منطقة "بالاطلار" بولاية "سينوب"، وبات السياح قادرين على زيارة المنطقة الأثرية المكتشفة قبل 13 عاماً، رغم عدم الانتهاء الكامل من ترميمها. وجاء القرار كمحاولة ترويج لمجموعة الفسيفساء التي يقدر عمرها بنحو 1600 عام، قبل أن يتم نقلها بعد انتهاء الترميم إلى الركن المخصص لها في متحف الولاية.
لكنّ اكتشافات فسيفسائية جديدة في ولاية أدي مان (جنوب)، غطت على مجموعة "بالاطلار"، إذ ضمت فسيفساء أقدم بأكثر من قرنين على أقل تقدير، وأعلنت تركيا عثور علماء آثار على الفسيفساء التي يقدر عمرها بأكثر من 1800 عام في مدينة "بيري" الأثرية بولاية أدي مان، وذلك ضمن أعمال التنقيب المستمرة منذ عشرين عاماً.
وقال عضو هيئة التدريس بجامعة أدي مان، قهرمان ياغيز، في تصريحات، إن "مدينة بيري الأثرية التي احتضنت مملكة كوماجيني في الفترة من 163 قبل الميلاد إلى 72 ميلادية، زاخرة بالآثار، وكان آخر مكتشفاتها لوحة فسيفساء بمساحة 12 متراً مربعاً".
ويقول والي أدي مان، محمود جوخدار: "يقدر أن الأرضية الفسيفسائية المكتشفة أنجزت بين عامي 200 و300 ميلادية في العصر الروماني، وهي تضم قطعا سوداء وبيضاء وزرقاء اللون، والرسم الشبكي المنقوش على الأرضية الفسيفسائية مميز".
بدوره، يقول الباحث التركي المتخصص بالآثار، حسين آق دول، لـ"العربي الجديد"، إن "اكتشافات بلاطلار تعد كنزاً تاريخياً يعود إلى الحقبة الهلينستية والرومانية، وليست مجموعة فسيفساء فقط، بل تضم بقايا كنائس وأضرحة، ومساكن وحمامات، لكن مجموعة الفسيفساء كانت الأبرز نظراً لتأريخها لتلك الحقبة الزمنية، لذا أرادت وزارة الثقافة والسياحة تسويق تلك الآثار من خلال عرضها أمام السياح قبل الانتهاء من عملية الترميم والتجميع".

ويضيف المتخصص التركي أن "الاكتشافات الأخيرة في ولاية أدي مان، حولت اكتشافات سينوب إلى خبر قديم، إذ إن عمرها يقترب من 2000 عام، ومساحتها أكبر من لوحات فسيفساء بلاطلار"، مشيراً إلى أن بلاده تعتمد أسلوب فتح باب الزيارات لاكتشافاتها من الفسيفساء قبل نهاية الترميم منذ خمسة أعوام، وبدأ ذلك بافتتاح مدينة "كيبيرا" الأثرية في ولاية بوردور أمام الزوار، وهي تضم لوحة الفسيفساء التي تصور "ميدوسا"، إحدى أشهر شخصيات الميثولوجيا الإغريقية.
وحول جدارية الفسيفساء التركية الشهيرة بمقر حلف الناتو في بروكسل، يوضح آق دل، أنها من تصميم التركي بدري رحمي أيوب أوغلو، والذي يعتبر من أهم الفنانين المعاصرين في مجاله، وصاحب لوحة إسطنبول الشهيرة التي بيعت قبل أعوام بنحو 700 ألف دولار، ولوحة الفسيفساء قدمت من الدولة التركية في عام 1962، وحين تم نقل مقر الحلف من باريس إلى بروكسل، في عام 1966، تم نقل الجدارية.

وأشار إلى أن البعض يحاول إقامة مقارنة بين جدارية الفسيفساء التركية في حلف الناتو، ولوحة "غيرنيكا" للفنان الإسباني بابلو بيكاسو في مقر الأمم المتحدة، بينما الجدارية طولها 50 متراً ووزنها أكثر من 10 أطنان، في حين أن لوحة بيكاسو طولها 3.5 أمتار وعرضها 7.8 أمتار.
وتتفاوت أعمار وأحجام لوحات الفسيفساء في تركيا، ويقول المتخصص دينيز أقصوي، من جامعة استينيا في إسطنبول، إن "عمر لوحة الفجل إلى جانب إنسان يحمل عنقود عنب ويحمل طائر الحجل، والمكتشفة في ولاية قديرلي (جنوب)، يعود إلى نحو 2000 عام، وهناك مكتشفات فسيفساء عدة تتراوح أعمارها بين 1800 و2000 عام، ويوجد أرضيات فسيفساء مكتشفة لها قيمة مستمدة من الموضوع، أو الحجم، أو نوعية الحجارة، وبعض هذه العوامل يتفوق على عامل الزمن، فمثلاً هناك أرضية فسيفسائية مكتشفة في ولاية هاطاي، يعود تاريخها إلى القرن السادس الميلادي، لكن موضوعها مهم ولافت، إذ تصوّر الجنة من خلال طيور الطاووس، وكتب عليها شكر من أحد العبيد للرب بعد نيل حريته".

يتكرر العثور على اكتشافات فسيفساء (سيم جينكو/الأناضول)
يتكرر العثور على اكتشافات فسيفساء (سيم جينكو/الأناضول)

ويضيف: "تجمع أرضية الفسيفساء في جامع الفاتح بولاية طرابزون، بين القدم والمساحة الكبيرة والأهمية، فهي تعود لنحو 1600 عام، ومساحتها أكثر من 100 متر مربع، وتم اكتشاف اللوحة خلال ترميم الجامع الذي كان في الأصل كنيسة تحولت إلى مسجد في عام 1461 ميلادية بعد سيطرة السلطان محمد الفاتح على الولاية".
وحول أكبر لوحة وأكبر متحف فسيفساء بالعالم، يوضح أقصوي لـ"العربي الجديد"، أن لوحة "الوجود المشترك" الموجودة في ولاية هاطاي، دخلت حديثاً موسوعة غينس للأرقام القياسية كأكبر لوحة فسيفساء في العالم، وهي على شكل دائرة قطرها 45 متراً ومساحتها نحو 1600 متر، ووزنها 40 طناً، وشارك نحو 300 فنان ومتخصص في رسمها وبنائها. أما أكبر متحف فسيفساء في العالم، فهو "زيوغما" في ولاية غازي عنتاب، ومساحته 30 ألف متر مربع، ويضم لوحة "الغجرية"، وتمثال "مارس" إله الحرب في الميثولوجيا الرومانية، إلى جانب لوحات عديدة، من بينها 12 لوحة فسيفساء أعيدت من الولايات المتحدة إلى تركيا.

ويعود اسم "زيوغما" إلى المدينة التي بناها أحد قادة الاسكندر الأكبر قرابة 300 قبل الميلاد، قبل أن تغزوها الإمبراطورية الرومانية في عام 64 قبل الميلاد، وتشتهر المدينة أيضاً بثروتها من الفسيفساء اليونانية القديمة، واللوحات الجدارية، والتحف.
ويلفت دينيز أقصوي، إلى وجود متاحف أخرى ومواقع أثرية ودينية تضم لوحات فسيفساء نادرة، ومنها ما يحويه متحف الفسيفساء بإسطنبول، ولوحة الفسيفساء التي توثق حياة يوحنا المعمدان في متحف تشورا بمنطقة ألايدرنا كابيه، والذي كان في الأصل كنيسة بيزنطية.
ولا يمكن عند الحديث عن الفسيفساء التركية تجاهل إسهامات الفنان السوري، عبد الله سطوف، والذي أضاف إلى هذا الفن بعد لجوئه إلى تركيا، إذ وثق محاولة الإنقلاب الفاشلة في عام 2016، بلوحة مؤلفة من 300 ألف قطعة حجرية ملونة جمعت صوراً لـ17 شخصية تركية وقفت في وجه الانقلابيين، وسبقها بلوحة فسيفساء ضمت 36 سلطاناً مع شعار الدولة العثمانية بمساحة 400 متر مربع، واستخدم فيها مليون ونصف المليون قطعة حجر، إضافة إلى لوحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولوحات أخرى لبعض شخصيات مسلسل "أرطغرل"، كلوحة لبطله الفنان أنغين ألتان، وأخرى للفنان جنكيز جوشكون.

المساهمون