فتحي عوض... عميد اللاجئين الفلسطينيين في تونس

02 ابريل 2021
"في النهاية صرت لاجئاً في بلد صار بلدي الذي لم أختره" (العربي الجديد)
+ الخط -

 

قبل نحو 50 عاماً، وصل فتحي إبراهيم عوض إلى تونس طالباً للعلم في كلية الشريعة وأصول الدين. حينها كان في التاسعة عشرة ويتّقد شباباً، ولم يكن يتخيّل ولو للحظة أنّ رحلته تلك ستمتدّ لخمسة عقود فيصير عميد اللاجئين الفلسطينيين في بلد لم يختره. وكان عوض الذي ولد في مايو/ أيار من عام 1951 في منطقة جبل النار بمدينة نابلس في فلسطين، قد تلقّى تعليمه الابتدائي وكذلك الثانوي في مدارس وكالة إغاثة وتشغيل الفلسطينيين (أونروا) في عمّان عاصمة الأردن، قبل أن ينتقل إلى تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1972 بدفع من حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

ويوضح عوض لـ"العربي الجديد" أنّه لم يختر الانتقال إلى تونس، بل اضطرّ إلى ذلك بسبب حكم إعدام أصدرته في حقّه السلطات الأردنية بعد مشاركته في أحداث أيلول الأسود في عام 1970. يضيف أنّ خلال تلك الأحداث، "استشهد شقيقي رجب سلطان (اسمه الحركي) الذي كان يقود القوة المحمولة وكان عمره حينها 21 عاماً، فيما تمكّنت أنا من النجاة على الرغم من أنّني كنت معه على خطّ القتال". وهكذا كانت نجاته من موت محقق "نقطة التحوّل الكبرى في حياتي". ويتابع عوض أنّه "بعدما أصدرت السلطات الأردنية حكماً بالإعدام في حقي، لم أعد قادراً على متابعة تعليمي في الأردن، فاخترت تونس، وقد سهّلت لي منظمة فتح التي كنت أنتمي إلى جناحها المسلّح السفر والانتساب إلى كلية الشريعة وأصول الدين في العاصمة".

في خريف عام 1972، استكمل عوض إجراءات تسجيله في الكلية وأمّن لنفسه سكناً في الحيّ الجامعي بمدينة أريانة. وبحسب ما يشير إليه، كان حينها ينوي الحصول على شهادة الأستاذية في اختصاص أصول الدين والعودة إلى نابلس والاستقرار فيها. لكنّ الأمور لم تجرِ بحسب مخطّطات عوض، فهو لم يتمكّن من العودة إلى بلاده لتعذّر دخوله إلى الأراضي الفلسطينية عبر الأردن حيث هو مطلوب. وهكذا منحته السلطات التونسية صفة لاجئ، ما زال يحملها حتى اليوم.

ويخبر عوض أنّه "بعد تأكدي من استحالة العودة إلى بلادي، حاولت الاندماج في المجتمع التونسي وقد ساعدني في ذلك كوني أستاذ تعليم ثانوي في مادة التربية الإسلامية في محافظة باجة، شمال غربي البلاد. هناك بدأت حياتي المهنية". ويلفت إلى أنّ "باجة المدينة الزراعية التي تُعرف بخضرتها كانت قريبة في تضاريسها وطبيعتها من مدينة نابلس مسقط رأسي. بالتالي، فإنّ الانتقال من العاصمة إلى هناك خفّف عليّ وطأة تجربة اللجوء". وفي محافظة باجة، تعرّف عوض إلى زوجته، أمّ أيمن، التي تقاسمه حياته منذ عام 1977، وقد أنجبا معاً ثلاثة أبناء هم آية ونادية وأيمن، طبيبتان ومهندس. فأصبحت له عائلة جديدة بعدما أجبره اللجوء على ترك أهله في فلسطين.

يؤكد عوض أنّ "السنوات مرّت سريعاً وتعوّدت على حياتي الجديدة. ونسجت في المجتمع التونسي علاقات مهنية وصداقات، غير أنّ فلسطين تبقى بوصلتي الأولى والأخيرة". هو بقي على تواصل مع عائلته هناك وكذلك مع قياديين من حركة فتح، علماً أنّ أبرز قياديّيها كانوا يعيشون في تونس في ثمانينيات القرن الماضي. لكنّه يوضح أنّه لم يسعَ يوماً إلى أن يكون قيادياً في الحركة على الرغم من قربه من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قائلاً: "بدأت حياتي مقاتلاً من أجل بلدي وسعيت إلى الحفاظ على صفة المقاتل. وفي النهاية، صرت لاجئاً في بلد صار بلدي الذي لم أختره".

الصورة
فتحي عوض لاجئ فلسطيني في تونس 2 (العربي الجديد)
"بدأتُ حياتي مقاتلاً من أجل بلدي" (العربي الجديد)

في لجوئه الطويل، ما زال عوض مصراً على معايشة الواقع الفلسطيني، فيتابع يومياً كلّ أخبار بلده فيما يحافظ على بعض العادات الفلسطينية في بيته، مع العلم أنّه تحوّل إلى طبّاخ ماهر يحضّر كلّ الأطباق النابلسية ومنها الملفوف وورق الدوالي والمحاشي والفلافل. وعلى الرغم من أنّ عوض فقد كثيراً من لهجته الفلسطينية وباتت اللهجة التونسية طاغية على كلامه، فإنّه يحاول الحفاظ على هويته رافضاً التقدّم بأيّ طلب إلى السلطات التونسية للحصول على الجنسية قائلاً: "ولدت فلسطينياً وسأموت فلسطينياً".

ولأنّه حصل على بطاقة لاجئ في تونس في عام 1972، فهو يُعَدّ أقدم الحاصلين على هذه الصفة في البلاد. ويؤكد أنّ "هذه الصفة لا تزعجني، بل هي تسهّل عليّ مسائل إدارية كثيرة وحتى التعامل مع السلطات التونسية". يُذكر أنّه بعد 29 عاماً من اللجوء، تمكّن عميد اللاجئين في تونس من العودة إلى بلاده فلسطين حيث تمكّن بعد تسوية وضعه القانوني من زيارة أهله في عام 1999، لكنّه وجد أنّ كلّ شيء قد تغيّر. فالموت غيّب والدَيه ولم يبقَ من نابلس القديمة التي حمل صورتها قبل 49 عاما إلا القليل. ويقول: "حتى بيتنا تغيّر. لم أعرفه ولم أعرف شوارع بلدتي ولا سكّانها الجدد"، لكنّه تمكّن من لقاء من تبقّى من أشقائه قبل أن يعود إلى تونس ويواصل مسيرة اللجوء الطويلة ويحلم بحقّ العودة. ويشير إلى أنّ أصعب ما في تجربة اللجوء هو فقدان الأهل والسند، حتى بعدما أصبحت لديه عائلة وأبناء وأحفاد.

تجدر الإشارة إلى أنّ عوض يستعدّ لإصدار كتاب هو عبارة عن مجموعة شعرية تضمّ قصائد اختزل فيها تجربة حياته، لافتاً إلى أنّه سيكون "مهدى لكلّ أرواح الشهداء التونسيين، وعلى رأسهم القائد الشهيد أبو عمّار وشهداء الثورة التونسية شكري بلعيد ومحمد براهمي".

المساهمون