قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إنّ المسلمين يواجهون في أحيان كثيرة تعصّباً وتحيّزاً ضدّهم على خلفية معتقداتهم. وجاءت تصريحات غوتيريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خلال فعالية رفيعة المستوى عُقدت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام أو الإسلاموفوبيا الذي يصادف في 15 مارس/ آذار من كلّ عام، علماً أنّ الجمعية العامة كانت قد تبنّت بالإجماع قراراً في هذا الإطار في عام 2022 الماضي.
وهذه المرّة الأولى التي تحيي الجمعية العامة اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا منذ تبنّيها القرار الهادف إلى تشجيع التسامح والسلام بين الأمم واحترام حقوق الإنسان كما تنوّع الأديان والمعتقدات، بالإضافة إلى التوعية بالموضوع.
وأفاد غوتيريس بأنّ "مسلمي العالم الذين يبلغ عددهم زهاء ملياري نسمة، يشكّلون تجسيداً للإنسانية بكلّ تنوّعها الرائع، إذ يتحدّرون من كلّ بقاع الأرض؛ من بينهم العرب والأفارقة والأوروبيون والأميركيون والآسيويون". وأضاف أنّهم على الرغم من تنوّعهم، يواجهون "في كثير من الأحيان تعصّباً وتحيّزاً لا لسبب إلا عقيدتهم"، مشيراً إلى أنّ "هذه الكراهية تجاه المسلمين تتّخذ أشكالاً عديدة". وعن تلك الكراهية، قال غوتيريس إنّ "ثمّة تمييزاً بنيوياً ومؤسساتياً يتجلّى في الاستبعاد الاجتماعي كما الاقتصادي، وكذلك في سياسات الهجرة التمييزية وإجراءات المراقبة والتنميط غير المبرّرة". وأكّد أنّ ذلك يكشف عن نفسه في وصم "بالجملة" لمجتمعات بأكملها، فيما تحدّث عن دور الإعلام والتقارير المنحازة وعن تبنّي قادة سياسيّين خطابات معادية للمسلمين.
وتوقّف غوتيريس كذلك عند ما هو أبعد من الإسلاموفوبيا البنيوية، مبيّناً أنّ مسلمين كثيرين يتعرّضون كأفراد لـ"الهجوم وخطاب الكراهية لأسباب مختلفة، من بينها التعصّب". ولفت الانتباه إلى أنّ الإحصاءات الرسمية، في أحيان كثيرة، لا تشمل تلك الأعمال، لكنّها في نهاية المطاف تنال من كرامة هؤلاء الأفراد ومن "إنسانيتنا المشتركة".
وربط الأمين العام للأمم المتحدة ما بين كراهية الإسلام والتمييز ضدّ النساء، وشرح أنّ "ثمّة صلات لا تخفى على أحد تربط ما بين كراهية الإسلام والتفرقة الجندرية ضدّ المسلمات، وتأتي بسبب انتمائهنّ الجندري والإثني وعقيدتهنّ". كذلك أكّد أنّ الكراهية المتنامية ضدّ المسلمين ليست منعزلة عن الكراهية التي تُمارَس ضدّ مجتمعات أخرى، موضحاً أنّ تلك الكراهية تُعَدّ جزءاً لا يتجزّأ من عودة "القومية الإثنية إلى الظهور وأيديولوجيات النازيين الجدد الذين يفتخرون بتفوّق العرق الأبيض، والعنف الذي يستهدف الشرائح السكانية الأضعف، بمن فيهم المسلمون واليهود وبعض مجتمعات الأقلية المسيحية وغير ذلك".
وشدّد غوتيريس على ضرورة أن تتّخذ الحكومات سياسات تحترم حقوق الإنسان بصورة كاملة وتحمي الهويات الدينية والثقافية، لا سيّما الأقليات. وتحدّث في هذا الإطار عن خطة الأمم المتحدة لحماية المواقع الدينية وتوصياتها "الملموسة لدعم الحكومات، فيكون باستطاعة كلّ إنسان التمتّع بحقه في ممارسة شعائره الدينية بأمان". وتوقّف عند وجوب الاعتراف بالتنوّع "لا كتهديد بل كمصدر ثراء".
في السياق نفسه، رأى غوتيريس أنّه لا بدّ من التصدّي للكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، مشيراً إلى إطلاق الأمم المتحدة استراتيجية وخطة عمل في محاولة لتوفير "إطار لما نقدّمه من دعم للدول الأعضاء في مواجهة هذه الآفة، مع الحرص في الوقت ذاته على احترام حرية التعبير والرأي". وتناول عمل الأمم المتحدة على "وضع مدوّنة لقواعد السلوك بهدف تعزيز النزاهة في الإعلام، فيكون باستطاعة الناس الاختيار على أساس الحقيقة لا الخيال، وعلى أساس العلم لا الجهل".
📍Commemoration of the International Day to Combat #Islamophobia takes place today, March 10, at the @UN General Assembly Hall. As a 48th @OIC_OIC Chair & Foreign Minister Pakistan @BBhuttoZardari and @UN_PGA, Csaba Kőrösi is co-convening the Event.🇵🇰🇺🇳
— Permanent Mission of Pakistan to UN, NY (@PakistanUN_NY) March 10, 2023
🔗https://t.co/l3wwAkAk08
من جهته، شدّد وزير الخارجية الباكستاني بيلاوال بوتو زراداري، خلال الفعالية، على "رسالة التسامح التي يتضمّنها الإسلام"، وتوقّف عند التحدّي الذي تمثّله كراهية الإسلام أو الإسلاموفوبيا. وترأس باكستان مجلس وزراء خارجية "منظمة التعاون الإسلامي" في دورتها الحالية، وهي المنظمة التي دعت إلى عقد هذا الاجتماع.
وقال زراداري إنّه "منذ مأساة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول (2001)، وصلت كراهية الإسلام إلى مستويات وبائية، كذلك رُوّج لكراهية الإسلام وتأجيجها ولسرديات تربط المجتمعات الإسلامية ودينها بالعنف. ولا يقتصر ذلك على المتطرّفين، إنّما للأسف يجد له مكاناً في الأوساط الأكاديمية والإعلام وبين صناع القرار".
ورأى زراداري أنّه لا يجب أن تُربَط ممارسة حرية التعبير بالانتقاص من الآخر والسخرية منه ونشر الأفكار التمييزية، متحدّثاً عن صورة نمطية حول المسلمين، إذ إنّهم يُربَطون كثيراً بـ"الإرهاب". بالنسبة إليه، إنّ الممارسات التي تأتي في إطار الإسلاموفوبيا تزيد من مشاعر الظلم التي يشعر بها مسلمون كثيرون.
وحثّ وزير الخارجية الباكستاني الأمين العام للأمم المتحدة على "وضع خطة عمل بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي لوقف كراهية الإسلام، والتي يمكن أن تشمل تعيين مبعوث خاص في الأمم المتحدة لمكافحة كراهية الإسلام واعتماد تدابير دولية لحماية الأماكن المقدّسة، بما في ذلك آلاف المساجد، واعتماد قوانين على الأصعدة الدولية والمحلية لتجريم كراهية الإسلام وحرق القرآن والاعتداء على المسلمين، وتقديم تعويضات ملائمة لهؤلاء الذين يتعرّضون للأعمال المعادية للإسلام، إلى جانب إنشاء آليات وطنية ودولية لمحاسبة المسؤولين عن الأعمال المعادية للإسلام". وفي هذا الإطار، أكّد غوتيريس نيّته دراسة المقترحات التي قدّمها المسؤول الباكستاني.