منعت مدرّسة ألمانية في "كلية شميدت للبنات" في القدس المحتلة، طالباتها من رسم خريطة فلسطين، قبل أيام، ما تسبّب بحالة غضب عارمة في أوساط الطالبات وأولياء أمورهنّ الذين وصفوا تصرف المدرّسة الألمانية بالانحياز للاحتلال الإسرائيلي وتبني روايته فيما يتعلّق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أكّد وقوع هذه الحادثة رئيس اتحاد أولياء أمور الطالبات في كلية شميدت، زياد الشمالي، وذلك بعد تواصله مع المدرسة والوقوف على ملابسات ما حدث، بينما حاول "العربي الجديد" الوصول إلى إدارة المدرسة للتعقيب على الحادثة، لكنه لم يتمكن من ذلك.
وقال الشمالي لـ"العربي الحديد": "دخلت معلّمة التاريخ في الكلية، فرأت أنّ الطالبات قد رسمن علم وخريطة فلسطين إلى جانب خريطة ألمانيا معلّقة بالخلف، فسألتهن المعلمة بابتسامة، (أين إسرائيل على الخريطة؟)، فردّت إحدى الطالبات "عن أي خريطة تتحدثين؟ خريطة ألمانيا أم خريطة فلسطين؟"، فأشارت المعلمة بيدها إلى خريطة فلسطين، فأجابت الطالبة "لا يوجد إسرائيل في خريطة فلسطين". وعلى الفور قالت المعلمة إنّ هذا الكلام غير صحيح، وإنّ إسرائيل موجودة بالفعل، وهذه حقيقة، ثم عبّرت المعلمة عن استيائها من الطالبات، وقالت لهنّ: (إنهنّ لم يتعلمن شيئاً من الصف السابع وحتى الآن)".
ثم بعد ذلك، فُتح نقاش بين الطالبات ومعلمتهنّ، حيث تحدثن عن فلسطين و(إسرائيل) وعن القتل والإبادة التي يتعرضنّ لها، وعن أطفال غزة والشهداء، وهنا قالت المعلمة: "إنّ حركة حماس هي منظمة إرهابية، وهي تتخذ من الأطفال دروعاً بشرية، وإنّ إسرائيل كانت تدافع عن الشعب الفلسطيني عندما كانت تردّ بالصواريخ على قطاع غزة، الأمر الذي استفزّ الطالبات وسألن معلمتهن: (ما مصدر معلوماتك؟)، فأجابت أنّها تعتمد على المصادر الإسرائيلية والأخبار الألمانية والإنكليزية"، وفق الشمالي.
وأكّد الشمالي أنّ المعلمة الألمانية أثارت موضوع الحقيقة والحلم، وقالت للطالبات: "على أرض الواقع إسرائيل موجودة، وإنّ الخريطة الفلسطينية التي رسمتها الطالبات هي حلمهنّ، وأنه بجب عليهنّ التمييز ببن الحقيقة والخيال!".
عندئذ احتدم النقاش بين المعلمة وطالباتها، فتحدثت إحدى الطالبات عن عمّها الشهيد، وأخرى عن هدم بيوت أربع عائلات وتشريدها في الشارع، وبعض الطالبات أجهشن بالبكاء تأثراً، وتصاعد الموقف بعد قول المعلمة بأنّ فلسطين هي بلاد الشام (الأردن، سورية، لبنان والعراق)، أمّا ما رسمته الطالبات إنما هو خريطة إسرائيل، فثارت الفتيات رافضات لما تقوله، وهنا نعتت المعلمة الطالبات بصغر العقل، وأنهنّ يرفضن التعلّم، وأنها يئست منهنّ وسوف تنقل المسألة لمعلمة اللغة الألمانية (وهي المديرة ايفا) لتحاول أن توضح لهنّ الأمور.
وللتعبير عن مشاعرهن بعد ما حدث، نظّمت الطالبات وقفة في ساحة الكلية رفعن خلالها رسماً لعلم فلسطين، وكُتب عليه "أبو عبيدة في القلب"، في إشارة للناطق باسم كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس".
وفي تعليقه على ما حدث، قال الشمالي: "هناك استياء من قبل معظم أولياء الأمور الذين تواصلت معهم، وما قامت به المعلمة أمر غير مقبول وغير مهني من عدّة نواح، فهي استفزت مشاعر الطالبات بحديثها المنحاز تماماً لإسرائيل، وتبنيها لوجهة النظر الإسرائيلية، وضربت بعرض الحائط الجوانب النفسية الصعبة التي تمرّ بها الطالبات جراء ما يحدث على الأرض من مشاحنات يومية ومشهد جنود وشرطة الاحتلال كل يوم على باب المدرسة، ومن وجوه المستوطنين المسلّحين الذين يجوبون الحواري والشوارع، والذين يثيرون الرعب في نفوس الجميع".
وتابع الشمالي: "فضلاً عن صور الأطفال الشهداء وباقي الشهداء وعائلاتهم التي دمرت تماماً، والهدم والدمار الذي لحق بقطاع غزة، في حين أنّ هدفها لم يكن (استفزازياً تعليمياً)، بل جاء دفاعاً عن وجهة النظر الإسرائيلية، ولم تستطع كظم غضبها من قيام الطالبات برسم خريطة فلسطين ولم تتحكم بمشاعرها، وصبّت جام غضبها على الطالبات، اللواتي شعرن بالعجز لعدم قدرتهن عن الدفاع عن اعتقاداتهنّ، بينما قامت هي بتعنيفهنّ نفسياً من خلال الضغط عليهن لتبني الرواية الإسرائيلية".
واعتبر الشمالي ما حدث بأنه خطير، علماً أنّ هذه المعلمة تقوم بتدريس أهم مادة وهي التاريخ، ولا يجب أن تحاول إقناع أو تغيير آراء الطالبات حول ما يعتقدن به ويدافعن عنه، خاصة أنها كانت تحاول جاهدة إقناعهنّ بالرواية الإسرائيلية.
يُذكر أنّ مدرسة شميدت بالقدس تأسست عام 1886 لخدمة الطالبات الفلسطينيات، أي قبل 62 عاماً من قيام دولة الاحتلال، بعد نكبة فلسطين وتهجير أهلها.