عام 2018، تحوّل شارع نيكولسكايا المخصص للمشاة وسط موسكو إلى مركز لتجمّع المشجعين الأجانب من عشرات الدول الذين حضروا إلى روسيا لتشجيع منتخباتهم خلال المونديال الكروي. ووسط مشجعين ارتدوا أزياء منتخباتهم الوطنية، وأدوا الرقصات الشعبية لدولهم، وتحدثوا بمختلف اللغات، تحوّل شارع نيكولسكايا حينها إلى رمز لانفتاح روسيا على العالم، وقدرتها على استضافة الحدث الرياضي الدولي الأهم، ما كرّس موقعها المميز في العالم.
وبعد مرور أربع سنوات وأشهر عدة، يبدو الوضع مختلفاً في شوارع موسكو، وسط غياب تام للسياح من الدول الغربية على ضوء حظر حركة الطيران مع روسيا، بسبب الحرب التي تشنها البلاد منذ فبراير/ شباط الماضي على أوكرانيا، ويكاد شارع نيكولسكايا أن يكون خالياً من المظاهر السياحية، باستثناء بضعة مطاعم حلال تفتح أبوابها أمام زوار قادمين من دول عربية وإسلامية.
لكن اللافت أن عدداً من المغتربين من دول غربية قرروا البقاء في موسكو رغم الوضع الجيوسياسي المتوتر. وهم يؤكدون أن الأزمة السياسية بين روسيا والغرب لم تعرضهم لأي مظاهر تمييز.
تقول مُدرسة فرنسية في مدرسة للغات بموسكو، فضلت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد": "لم يتغيّر أي شيء بالنسبة لي، وأعتزم البقاء في روسيا. يعاملني الناس وإدارة المدرسة بطريقة طيبة، ولا أواجه عقبات في أي مجال، حتى على صعيد إجراءات تمديد التأشيرة وتسجيل الأجانب، كما يحصل زوجي على تأشيرة زيارة بسهولة، وليس هناك نقص في أي سلع أساسية".
أيضا، يؤكد الكاتب المتخصص في الشؤون الاجتماعية المحامي الأميركي المنشق، ترافيس لي بيلي، عدم تعرضه لأي تمييز، معرباً عن قناعته بأن "الأشخاص العاديين، سواء في روسيا أو الولايات المتحدة، يتمنون أن يسود السلام في العالم".
ويقول لـ"العربي الجديد": "تسير حياتي بشكل جيد. يعلم عدد من الشخصيات المؤثرة أنني أحب روسيا، وما يسميه علماء الفكرة الروسية. السلام بين الأمم وارد في حال قال أشخاص عاديون، لا سيما الأميركيين منهم، لا للحرب. أميركا بلد شاب وجزيرة معزولة عن باقي العالم. من النادر أن يسافر ويقيم والأميركيون في الخارج، لذا لا يسهل إقناعهم بدعم سياسات تتعارض مع مصالحهم الاقتصادية".
ويشيد بيلي بمستوى الثقافة في روسيا مقارنة بالولايات المتحدة، ويقول: "ورقة روسيا الرابحة هي الذكاء البشري، بينما تعتمد أميركا على الدعاية التي تسبق فيها بـ20 سنة أي دولة أخرى، خصوصاً روسيا. بارك الله الرئيس فلاديمير بوتين وروسيا الاتحادية في هذا الزمن الذي من المثير للاهتمام أن أعيش فيه".
وعلى صعيد السياحة الأجنبية الوافدة، تشهد روسيا تراجعاً كبيراً في عدد القادمين، وسط وقف حركة الطيران مع جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، وتوقف منظومتي الدفع العالميتين "فيزا" و"ماستركارد"، عن العمل في روسيا. لكن حتى هذه الإجراءات غير المسبوقة لم توقف بالكامل حركة السياحة الأوروبية إلى روسيا.
تشكيك في الأرقام
وتشير إحصاءات هيئة حرس الحدود التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي إلى دخول أكثر من 10 ملايين أجنبي إلى روسيا خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول الماضيين، لكن نحو 147 ألفاً منهم فقط وصلوا إلى البلاد بهدف السياحة تحديداً، مقابل حوالي 4.3 ملايين خلال الفترة نفسها من عام 2019، والتي سبقت تفشي جائحة كورونا، وفرض قيود على السفر حول العالم.
وتصدرت ألمانيا قائمة الدول المصدّرة للسياح إلى روسيا هذا العام بـ 18.300، وبعدها إيران (11.900) وتركيا (10200) وكوبا (10.100)، بينما لم تتجاوز الدول الأخرى عتبة الـ10 آلاف. أما الإمارات فكانت الأولى عربياً بحوالي 3600 سائح. لكن شركات سياحية روسية تشكك في دقة هذه الأرقام الزهيدة، وأبلغت مدير عام شركة "تاري تور"، مارينا ليفتشينكو، صحيفة "راتا نيوز" الإلكترونية الروسية: "تدفق مجموعات السياح في أدنى مستوى، وعلى الأرجح يجري الحديث عن حجوزات مستقلة ترتبط بالدرجة الأولى بتنفيذ زيارات عائلية وأعمال. وقد سجل أفراد حرس الحدود أهداف السفر بناءً على ما قاله القادمون أنفسهم، بينما لم نستقبل أحداً من الدول الثلاث الرائدة، ودخلت بضع مجموعات من الدول العربية وفيتنام، ولم يزد عدد أفراد كل واحدة عن عشرة".
ولعل هذا الوضع المتردي لقطاع السياحة الوافدة هو ما دفع السلطات الروسية إلى النظر في كيفية تحفيز الأجانب على زيارة روسيا. وقد وجه الرئيس بوتين الحكومة والجهات المعنية في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بإعداد مقترحات بشأن السماح بسفر الأجانب إلى روسيا لأهداف السياحة والأعمال والتعليم من دون تأشيرة، ومن دون التقيد بمبدأ المعاملة بالمثل.