عيد فلسطين: قلوب تتلاقى رغم الاحتلال والغلاء

09 يوليو 2022
أعاد عيد الأضحى الازدحام إلى أسواق فلسطين (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل أيام من حلول عيد الأضحى، عاد الازدحام إلى أسواق مدينة القدس داخل أسوار بلدتها العتيقة وامتدادها، وانشغل المقدسيون بتحضيرات استقبال العيد، رغم تعمّد الاحتلال الإسرائيلي تنغيص هذه الفرحة عبر اقتحام المسجد الأقصى وتنفيذ حملات اعتقالات ودهم متواصلة للمنازل، وهو حال أهالي الضفة الغربية أيضاً. ولا يخفى أن جميع الفلسطينيين يواجهون تأثيرات الغلاء الفاحش على حياتهم اليومية.
يقول كايد الرجبي من حي بطن الهوى في سلوان جنوب القدس، والذي كان أصيب في مواجهات سابقة مع الاحتلال الاسرائيلي، لـ"العربي الجديد": "أزعجت ممارسات الاحتلال الأهالي، وقلّصت فرحة التسوق بالنسبة إلى الأطفال الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر كل عام، لكن ذلك لم يمنع الأهالي من التوجه إلى البلدة القديمة للقدس، وشراء ملابس وحلويات العيد، خاصة كعك المعمول والمكسرات والشوكولاتة، وهي عادة يمارسها المقدسيون عموماً.
ويؤكد التاجر المقدسي أحمد دنديس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أسواق المدينة المقدسة شهدت ازدحاماً تحدى، في ظاهرة لافتة، الأوضاع الاقتصادية السيئة للناس التي تتسبب في ركود الحركة التجارية، وتتأثر في شكل كبير بملاحقة دوائر الضريبة الإسرائيلية للتجار".
وترافق ذلك مع إطلاق نشطاء شباب مهرجاناً لدعم التسوق بعنوان "يد بيد لدعم بلدنا". ويوضح الناشط نور الشلبي رئيس مؤسسة "أبان" المقدسية أن نحو 500 محل تجاري شاركت في المهرجان الذي استقبل 200 كشك لبيع منتجات، فيما تضمنت فعالياته عروضاً فنية وترفيهية وإبداعية بهدف جذب الناس إلى أسواق المدينة المقدسة، وتعميم الفائدة على التجار وعلى المتسوقين أنفسهم تمهيداً للمساهمة في إنعاش الحركة التجارية.
لكن هذا النشاط الاقتصادي لم يخل من مضايقات جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين أعاقوا حركة تنقل المواطنين وفتشوا الشبان، خاصة في ساحة باب العامود التي تحوّلت إلى سوق بعدما شهدت قبل أيام حملات دهم يومية نفذتها طواقم بلدية الاحتلال لبسطات باعة متجولين جرى الاعتداء عليهم وإتلاف بضائعهم.
ومن لم تسمح حالته المادية بتوجهه إلى المهرجان للتسوق، وجد من قدم له ملابس خاصة بالأطفال وحلوى وفواكه، من خلال مبادرات نفذها متطوعون ومتبرعون. وكشف محمد المهتدي من القدس القديمة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، تجهيز كميات كبيرة من الهدايا لتوزيعها على الأطفال الذين توجهوا مع ذويهم لأداء صلاة العيد في المسجد الأقصى.
وفيما لم تقتصر النشاطات على محلات بيع كعك المعمول والمكسرات، شهدت أكشاك سندويشات الفلافل والكعك المقدسي الشهير الذي تخبزه أفران البلدة القديمة إقبالاً كبيراً، خاصة في حارتي السعدية وباب حطة وحي الواد داخل أسوار المدينة المقدسة، كما اكتظت المحلات بألعاب الأطفال التي تلقى عادة رواجاً كبيراً في صفوف الصغار.
كذلك شهدت محلات بيع اللحوم ومسالخ الأغنام إقبالاً على شراء الأضاحي التي سجلت أسعارها ارتفاعاً كبيراً. ويقول الحاج عيسى قرش الذي يملك ملحمة في بيت حنينا بالقدس المحتلة لـ"العربي الجديد": "إقبال المواطنين على شراء الأضاحي لم يتغير كثيراً، باعتبار أن معظم أهالي الحي من ذوي الدخل الجيد وأبناء بيت حنينا الذين لم يتأثروا بارتفاع الأسعار، في حين من الصعب شراء عامل أو موظف بالكاد يكفيه راتبه أضاحي، فالأولوية لتسديد ديونه". 

وكان المسجد الأقصى استقبل خلال عشرة أيام من ذي الحجة آلاف المصلين والمعتكفين الذين أحيوا المناسبة بالصلوات والأدعية، وقدمت لهم آلاف الوجبات الغذائية التي وفرها متبرعون محليون لدعم ومساندة وتشجيع الرباط الدائم بالأقصى، وإحياء صلاة الفجر فيه كل يوم.
في الضفة الغربية، انتظر غازي برماوي بفارغ الصبر دوره لبلوغ الصراف الآلي لسحب ما تبقى له من راتبه الحكومي بعد خصم قيمة القرض المصرفي، ثم ذهب مع زوجته وأطفاله الأربعة إلى السوق التجاري في مدينة قلقيلية لشراء مستلزمات العيد من ملابس وحلويات.
وحصل برماوي الذي يعمل في القطاع التعليمي منذ نحو 15 عاماً، على نسبة 80 في المائة من راتبه، مثل باقي الموظفين الحكوميين، مع نسبة من المتأخرات بسبب عدم انتظام دفع الرواتب منذ أشهر نتيجة الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد اشتية.

أعاق الاحتلال الإسرائيلي حركة تنقل المواطنين (العربي الجديد)
أعاق الاحتلال الإسرائيلي حركة تنقل المواطنين (العربي الجديد)

يقول برماوي لـ"العربي الجديد": "توقعنا راتباً كاملاً بعد عودة الدعم المالي الأوروبي، وأنا اتقاضى ما قيمته ألف دولار شهرياً، فكيف أدبر أموري في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار الذي طاول كل شيء، والاكتفاء بدفع 80 في المائة من الراتب، وحسم قيمة القرض؟".
يتابع: "حتى الراتب الكامل لا يكفي. سعر القميص أو البنطلون لا يقل عن 15 دولاراً، وكيلو الحلويات يزيد عن 30 دولاراً. الفواكه واللحوم لا تدخل بيتي إلا في المواسم كالأعياد، وقد لا أستطيع شراءها هذه المرة". وبالنسبة إلى سلوى عبد الفتاح من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، فترى أن الظروف الصعبة لا يجب أن تؤثر على فرحة قدوم العيد واجتماع العائلة، وتقول لـ"العربي الجديد": "أنا ربة بيت وزوجي خياط ولدي ابنة تدرس في الجامعة، والباقون في المدارس. بذلت جهوداً لتقليل المصاريف خلال الأشهر الماضية كي نستمتع بإجازة مميزة خلال أيام العيد. وجمعت مع أقارب ثمن عجل كامل، واتفقنا على جلب جزار لذبحه في فناء البيت. سيكون أول أيام العيد طويلاً ومتعباً بحسب ما تفرضه شعائر العيد".

أما مؤيد أبو القاسم، وهو تاجر أحذية، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أن "الحركة التجارية ليست على ما يرام، فأحوال الناس لا تسّر، لكن الآباء والأمهات حريصون على إدخال الفرحة إلى قلوب أبنائهم، ولا يبخلون عليهم بشراء الملابس والأحذية الجديدة. أدعو الجميع للتعامل برحمة. نتواجد في قارب وسط الأمواج، ويجب على كل منا أن يقوم بدوره كي لا نغرق. يكفي ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي من قتل واعتقال وتشريد، يجب أن نظهر أن قلوبنا تتلاقى، ونشعر مع الفقراء ونتجاوز الإساءات، وندعو الله أن يعيد لنا حجاج بيته الحرام سالمين مغفوراً لهم".
وقبل العيد، تنتشر البسطات بشكل كبير في المدن الفلسطينية، وتشهد إقبالاً أكثر من المحلات التجارية لأن أسعار البضائع المعروضة فيها أقل. ويمنح قدوم الفلسطينيين من الداخل المحتل عام 1948 للتبضع الحركة التجارية زخماً أكبر، حيث يتسابق التجار لاستقطابهم وعرض أجود الأنواع لهم، لأن قدرتهم الشرائية مرتفعة مقارنة بأهالي الضفة الغربية.

المساهمون