تتسابق العائلات الفلسطينية المسيحية لإنجاز التحضيرات اللازمة للاحتفال بعيد الميلاد، وإن كان العيد يترافق مع التصعيد الإسرائيلي وارتقاء شهداء، ما جعله حزيناً.
في القدس المحتلة، حضرت زينة الميلاد وغاب المحتفلون عنها. وبعض من احتفل بقي رهن الحبس المنزلي الذي فرضته سلطات الاحتلال على بعض الفتية، في وقت تعيش البلاد أجواء حزينة على أرواح الشهداء.
وعلى الرغم من هذه الأجواء الحزينة، أضاء مسيحيو القدس بمشاركة ممثلي الكنائس المسيحية وأبناء حارة النصارى في البلدة القديمة بالقدس المحتلة شجرة الميلاد في باب الجديد بالبلدة القديمة. لكن تغيّب مئات المواطنين المسيحيين المقدسيين عن الاحتفال بإضاءة شجرة الميلاد في باب الجديد كما هو معتاد كل عام، وتزيين الأزقة والحارات للاحتفاء بعيد الميلاد بسبب الإجراءات المتخذة من قبل الاحتلال وتقييده حركة تنقل المواطنين.
أما أسواق البلدة القديمة في القدس فقد غصت بزينة الميلاد، وتسابقت قلة قليلة من المحتفلين لشراء ما يلزمهم من زينة العيد المتوفرة في سوق خان الزيت، والدباغة، وحارة النصارى، ومحال باب الخليل، وباب الجديد، على وقع تراتيل تمجد السيد المسيح.
ويشير مختار حارة النصارى باسم سعيد في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى "طغيان أجواء العيد بين الأطفال وفرحتهم به في مختلف أحياء القدس القديمة رغماً عن الاحتلال الإسرائيلي وممارساته بحق السكان"، ويقول إنّ "ممارسة طقوس العيد تحمل دلالات هامة على تمسك المقدسيين بمدينتهم، واجتماع العائلات على مائدة واحدة. كما أن تزاورهم ينشر رسالة إخوة ومحبة، ويؤكد أنّ القدس ليست مثل بقية مدن العالم التي تحيي أعياد الميلاد، فهنا نلتقي جميعاً مسلمين ومسيحيين كأخوة وأبناء شعب واحد، وتجمعنا المحبة والاحترام المتبادل".
في محله المتواضع في عقبة البطيخ حيث التقيناه، لم يخف المختار سعيد استياءه وغضبه من ممارسات الاحتلال وتضييقه على أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية، وخصوصاً مع قرار الاحتلال بمنع دخول المئات من المسيحيين الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة للقدس والضفة الغربية للاحتفال بالميلاد.
من جهته، يقول غابي سعادة الذي كان يسابق الزمن مع زوجته وأطفاله الخمسة لإتمام كل التحضيرات: "هذا أقدس أعيادنا، وننتظره على أحر من الجمر. نشتري الملابس الجديدة والحلويات والزينة ونتبادل الهدايا، والأهم شجرة الميلاد". يتابع في حديثه لـ "العربي الجديد،": "هذا عيد ديني، ولكنه أيضاً عيد وطني بالنسبة لنا. نحتفل بميلاد سيدنا المسيح عيسى عليه السلام. فهو نبي الله الذي ولد في فلسطين، ونحن نفخر بهذا بين سائر الطوائف المنتشرة في العالم".
ويوضح أن "الفرحة تعم الجميع. يبدأ اليوم بصلاة العيد والاستماع إلى الموعظة وتأدية التراتيل. ثم نجول على الأقارب من أجل صلة الأرحام، قبل أن نعود إلى البيت لتناول طعام الغداء، ومساء نواصل الزيارات والسهرات". ويؤكد أن "المسيحيين هم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني ويعيشون في ظل الاحتلال ويعانون تماماً كغيرهم، لكنهم أيضاً لا يسمحون له بالتأثير على حياتهم، ويرون في الاحتفالات الدينية جزءاً من المعركة ضده". يضيف: "نشعر بمعاناة ذوي الشهداء. لذلك، كثيراً ما تقتصر احتفالاتنا على الطقوس والشعائر الدينية، وكثيراً ما نلغي المظاهر الاحتفالية تضامناً مع بقية أبناء شعبنا".
وكانت رابطة الطلبة المسيحيين في جامعة النجاح بمدينة نابلس قد قررت إلغاء الاحتفال بإضاءة شجرة الميلاد في باحة الجامعة قبل أيام "إكراماً لروح شهيد الحركة الأسيرة ناصر أبو حميد، ومن منطلق الروح الوطنية الواحدة"، بحسب بيان أصدرته.
من جهته، يرى الناشط خليل كوع أن الأعياد والمناسبات الدينية توحد الشعب الفلسطيني. ويقول لـ "العربي الجديد": "نستقبل المهنئين بالعيد من المسلمين والطائفة السامرية التي تقطن على قمة جبل جرزيم، كما نذهب إليهم في مناسباتهم المختلفة".
وعن الاستعدادات للعيد، يشير إلى أنه عضو في تجمع الشبان المسيحيين في نابلس، حيث ينفذون أنشطة ترفيهية لإدخال البهجة والسرور إلى قلوب المحتفلين. ويقول: "ارتدينا زي بابا نويل وحملنا معنا الهدايا وطرقنا أبواب العائلات وقدمناها للأطفال الذين فرحوا بها جداً، ما يجعلنا نشعر بالسعادة البالغة، وهو ما يذكرنا بطفولتنا، فلم نكن ننام بانتظار بابا نويل وهداياه المميزة".
ويشير إلى أن أجواء مدينة نابلس، وخصوصاً حي رفيديا، حيث تتركز العائلات المسيحية، مميزة. الزينة والأضواء الملونة تملأ الشوارع ونوافذ المباني السكنية، وكذلك نتنافس في تزيين شجرة الميلاد وإظهارها بأبهى حلة". أما رنا إبراهيم، وهي أم لثلاثة أبناء، فتخطط لاحتفال مميز بالعيد. وتقول "اشترينا شجرة الميلاد والزينة والثياب الجديدة وسأعمل على إعداد أنواع عدة من الحلويات".
وتحضر رنا مع عائلتها في كل المظاهر الاحتفالية بالعيد. وتقول: "ابنتي عضو في فرقة الكشافة التي تخرج في الأعياد إلى شوارع المدينة، وتشارك في قرع الطبول وحمل المشاعل والرايات الملونة، ويتجمهر حولهم المارة ويتلقطون الصور التذكارية".
ولا تنكر أن الأسعار هذا العام مرتفعة، فالشجرة متوسطة الطول يصل سعرها إلى نحو 150 دولاراً، وهو مبلغ ليس بالقليل بالنسبة للعائلة ذات الدخل البسيط أو حتى المتوسط. رغم ذلك، لا معنى للعيد من دون شجرة الميلاد". تتابع: "زيّنّاها بالكرات الملونة والإنارة اللافتة، وعلقنا عليها مجسمات صغيرة للطفل يسوع".
وتتمنى في هذه المناسبة أن "يعم الخير والسعادة على الجميع في مختلف أنحاء العالم، وأن يحل السلام على بلادنا، وأن تطبع الابتسامة على وجه كل إنسان مهموم أو حزين".