وسط موجة من الحرّ الشديد، يحلّ عيد الأضحى في الضفة الغربية المحتلة، في حين أنّ الأوضاع المعيشية والسياسية والصحية لا تقلّ وطأة. ويرى الفلسطينيون أنّهم يعيشون واحدة من أسوأ الظروف في السنوات العشر الأخيرة. وهذا ما سجّلته "العربي الجديد" في جولة استطلعت فيها آراء الناس عشيّة العيد الكبير.
أمام بسطته الصغيرة التي أقامها في قلب مدينة رام الله، وسط الضفة، وقف الشاب محمد زيد غير مبالٍ بإقبال الناس على شراء بعض الجوارب الجديدة للعيد. يقول بلهجة ساخرة: "أتى الناس ليشتروا أم لم يأتوا، الله يسهّل عليهم... ماذا أصنع لهم؟ وهل هناك عيد أصلاً؟". يؤكد أنّ حركة الشراء كانت ضعيفة، مشيراً إلى أنّها "في غرفة الإنعاش".
وقبل أن يكمل الشاب الذي ملّ حال البلد، كلامه، قاطعته ناديا قريع، لتبتاع من بسطته بعض الجوارب. وأخبرت المرأة التي تعمل في مهنة التدريس وتعيل أطفالها الثلاثة بعد وفاة زوجها، "العربي الجديد": "اشترينا ملابس العيد للأطفال، لكنّ البهجة غير واضحة إذ إنّ الأوضاع في العالم كله مكركبة (غير سويّة)". وأشارت إلى أنّ "لا استعدادات خاصة، إنّما يكتفي أطفالي بأداء صلاة العيد صباحاً. وهنا ينتهي الأمر"، مضيفة أنّ "الراتب الذي استلمته قبل أيام لم يتبقَّ منه شيء". وتابعت أنّ "هذا العيد قد يكون الأسوأ مقارنة بالأعياد الماضية من كل النواحي، بما فيها الاقتصادية والسياسية".
من جهته، كان المُسنّ إبراهيم حسونة يشتكي لإحدى قريباته حاله بعد وعكة صحية ألمّت به أخيراً، لكنّه على الرغم من ذلك بدا متفائلاً. وقال: "أبنائي الثمانية سوف يجتمعون على مأدبة الطعام في العيد، لكن ما يفرحني أكثر هو وجود أحفادي وبهجتهم".
بدورها، بدت إيمان فروانة متفائلة، وتشير إلى أنّها على عجلة لأنّها تريد استكمال شراء ملابس العيد لابنتها شهد البالغة من العمر 14 عاماً. قالت: "العيد هدية من الله تأتينا مرّتَين في العام، وهو فرصة جيدة لنَفرح ونُفرح أطفالنا". أضافت: "سوف نضحّي أنا وأهلي وأهل زوجي وسوف نلتزم بالتقاليد الدينية لعيد الأضحى. كذلك سوف نقصد الملاهي مع الأولاد ومتنزه في بيرزيت (شمال رام الله). بدّنا نغيّر جوّ".
أمّا خليل الملاح وهو صاحب محل صغير لملابس الأطفال وسط رام الله، فقال إنّ "الحال مستورة بالنسبة إليّ... الحمد لله"، على الرغم من إشارته إلى أنّ "الإقبال على الشراء ضعيف جداً... وكان الله بعون الناس". وأوضح الملاح أنّ "هذا العيد وكذلك الذي سبقه حلّا وسط ظروف استثنائية يعيشها الفلسطينيون عموماً". وأكّد بأسى أنّ "لا خيار لنا نحن الفلسطينيين هنا".
في محلّه الخاص بالملابس الرجالية، أكّد كريم عرار أنّ "الأوضاع متعبة وتؤثّر على الشراء"، لكنّه أشار إلى أمر آخر وهو "العيديّة" موضحاً أنّها مرهقة لرجال العائلة. هو يقدّم العيديّة إلى 12 امرأة في العائلة، وهنّ أخواته ووالدته وبنات عمّه وبنات خاله وبنات أخواته. وأوضح أنّ "جيل اليوم لا يتفهّم الظروف ويصرّ على العيديّة".
بخلاف كثيرين، بدا وجه عصام محارب مشرقاً في محلّه الخاص لبيع الذهب والمجوهرات، على الرغم من مناهزته السبعين من عمره والظروف شديدة الوطأة على الفلسطينيين خلال هذا العيد. هو كان قد قصد محل صديقه عرار لشراء بنطال جديد، إذ ينوي الزواج للمرّة الثانية و"تغيير حياتي" كما قال ضاحكاً. وعندما يرى ضعف ميزانية زبائنه المقبلين على الزواج، يمازحهم قائلاً: "إن لم تتمكنوا من الشراء، إطّلقوا"، ثمّ تصدح قهقهته في السوق.
في المقابل، يقول الشاب مصطفى العمواسي الذي يساعد إخوته في محلّ تجاري يملكونه: "الحمد لله الإقبال جيد. فتح المحل أفضل من إغلاقه، ونحن نعرف ما عشناه في زمن الإغلاق مع انتشار فيروس كورونا الجديد. ومهما كانت الظروف يبقى الفتح أفضل من إغلاق أبواب المحل. ونحاول تقديم أسعار مشجعة للناس حتى لو كان الربح قليلاً، بالإضافة إلى جلب بضاعة جاذبة وفق موديلات السنة". يضيف العمواسي أنّه على الرغم من الأوضاع المعيشية السيئة، فإنّ "النساء أقبلنَ بشكل كبير على شراء مساحيق التجميل قُبيل العيد"، مشيراً إلى شابات يتشاورنَ حول لون طلاء الأظافر الأنسب وإلى امرأة تختار منديل رأس يتناسق مع عباءتها.
وعند سؤال بائع في محل للعطارة عن حجم المبيعات يجيب: "كما ترون. لا يوجد زبائن. عروض السوبرماركت الكبيرة ذبحتنا. لم يعد يقصدنا أحد كما في السابق لشراء مستلزمات المعمول في العيد". يُذكر أنّ محال العطارة لم تعد مقصداً للناس قبيل الأعياد لشراء مستلزمات حلوياتها بالإضافة إلى المكسرات، في حين انتشرت في الشوارع بسطات المكسّرات المؤقتة أو الموسمية، قبل العيد.