عودة "طوعية"... مسار خروج السوريين من تركيا

08 ديسمبر 2021
على سكة العودة بعد الخروج (أوزان كوشي/ فرانس برس)
+ الخط -

يعود سوريون كُثر من تركيا إلى المناطق المحررة شمال غربي سورية، "حيث لم يزل الخطر، لكن ليس كما في وقت خروجنا". ويرى العامل في قطاع البناء محمود عبد الرحمن في حديثه لـ"العربي الجديد" أن استمرار إقامته وعمله في تركيا "بات بلا فائدة بسبب غلاء المعيشة وارتفاع إيجار المنزل، وعدم زيادة دخلي عمّا أنفقه، ما دفعني إلى العودة إلى شمال غربي سورية".
يروي عبد الرحمن أنه سافر خلال عيد الأضحى الماضي لقضاء فترة العطلة بين أهله في ريف مدينة إدلب، ورأى أن الوضع بات معقولاً لجهة الأمان والعمل، وأن منطقته تشهد حركة إعادة ترميم لما هدمته آلة حرب النظام السوري، وتوسيع مشاريع البناء من أجل استيعاب النازحين من شرق إدلب. ويقول: "قارنت بين الغربة عن أهلي ودخلي في تركيا فوجدت أن العودة أفضل، ولم أعد خلال الفترة المحددة، ما ألغى بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) الممنوحة لي لدخول تركيا، والحصول على ميزات طبابة مجانية". 
كذلك عاد إلى المناطق المحررة بعض المعلمين السوريين الذين فصلوا من التعليم في تركيا من دون منحهم أية تعويضات لنهاية الخدمة، "لأن تكاليف المعيشة أقل، ولا أحد يلاحقهم بنظرات عنصرية"، كما يخبر الناشط في قضايا اللاجئين طه غازي "العربي الجديد". 

جدل العودة
يوضح غازي أن "عدد المعلمين الذين فصلوا تنفيذاً لوسيلة ضغط معروفة تعتمدها السلطات التركية للضغط على اللاجئين من أجل العودة إلى سورية، بلغ 11,911، بعضهم يتجاوزون سن الـ50 بينهم أرامل وزوجات شهداء لا يستطيعون ممارسة أعمال تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً. وارتبطت عودتهم المحتمة إلى شمال غربي سورية أيضاً بواقع أن مردود غالبية الأعمال بات لا يؤمن تكاليف المعيشة في تركيا، والتي ارتفعت بنسبة أكثر من 150 في المائة خلال عامين، ما دفع حوالى 50 معلماً إلى سلوك طريق الهجرة السرية، وعودة حوالى 24 آخرين مع أسرهم إلى المناطق المحررة بسورية، فيما لا يزال كُثر ينتظرون الفرج، وإعادة تعيينهم أو توزيعهم على مؤسسات إنسانية أو تعليمية في تركيا".

حال بعض السوريين ليست أفضل في تركيا (علي أتماكة/ الأناضول)
حال بعض السوريين ليست أفضل في تركيا (علي أتماكة/ الأناضول)

لكن غازي يرفض وصف العودة الحالية للسوريين إلى المناطق المحررة بأنها "طوعية". ويبرر ذلك بأن "الوضع شمال غربي سورية لم يزل خطراً، ومهدداً باندلاع حرب في أي لحظة. كما أن ما دفع سوريين كُثراً إلى التفكير في العودة هو التضييق الذي تعرضوا له في الفترة الأخيرة، سواء إدارياً عبر إجراءات إصدار الأوراق والسفر وتحديد مكان الإقامة وتسجيل الأطفال في المدارس، أو الضغوط التي لمسوها مقارنة بالسنوات الأولى لقدومهم إلى البلاد، وكذلك الحملات العنصرية التي تقودها أحزاب معارضة. ويحتم ذلك وصف العودة بأنها قسرية وليس طوعية، وترتبط بضيق الحال والتكريه، خصوصاً بعد البطالة خلال عام كورونا في 2020". 

حالات "غير قانونية"
يقدر مصطفى إبراهيم الذي يملك مكتب خدمات في منطقة أسينيورت الأكثر استقبالاً للسوريين في مدينة إسطنبول، عدد الذين غادروا المنطقة بالمئات. ويقول لـ"العربي الجديد": "رأينا باصات كثيرة تنقل سوريين من ساحة المنطقة. وجميع المغادرين سجلوا أسماءهم في البلدية، وأعطوا مواعيد للوجود في الساحة حيث نقلتهم باصات مع أمتعتهم إلى الحدود مجاناً، مع منح بعضهم أحياناً مبلغاً مالياً مقداره نحو ألف ليرة تركية". 

لكن رئيس تجمع المحامين السوريين بتركيا، غزوان قرنفل، يكشف أن "حالات ترحيل حصلت في شكل غير قانوني، إثر تسجيل الشرطة مخالفات بينها تغيير أماكن الإقامة بلا إعلام دوائر النفوس، أو تحقيقها في شكوى عن حصول إزعاج في الجوار، ومبادرتها في مرحلة تالية إلى إعلام القضاء ومديرية الهجرة بالوقائع، علماً أن دائرة الهجرة تحديداً تملك صلاحية الترحيل بمعزل عن أي إجراء أو قرار قضائي، وكذلك التوقيف لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، والتي قد تشهد إخضاع الموقوف لممارسات تكريه، أو انتزاع توقيع منه للمغادرة". 
وفي شأن حق اللاجئ بالطعن والاحتجاج، يؤكد قرنفل أن "معظم اللاجئين لا يعرفون حقوقهم القانونية، أما من يعرفون فقد لا يملكون المال لتعيين محامين، علماً أن عمليات توقيف كثيرة تنفذ من دون توضيح الأسباب الموجبة للمعتقلين الذين يرحلّون لاحقاً بعد إجبارهم على توقيع تنازل عن حق الحماية المؤقتة".

عودة السوريين من تركيا مرتبطة بتغير معاملتهم (ياسين أكغول/ فرانس برس)
عودة السوريين من تركيا مرتبطة بتغير معاملتهم (ياسين أكغول/ فرانس برس)

 
من هنا يرى سوريون كُثر أن السلطات التركية اتخذت قرارات عدة للتضييق على السوريين، منها فصل معلمين وترك أكثر من 11 ألف عائلة سورية بلا دخل، وإلغاء إعفاء طلاب من أقساط الجامعة، ومعاملتهم مثل الأجانب الذين يدرسون في تركيا، إضافة إلى رفض منح بطاقات حماية مؤقتة لبعضهم، وملاحقة آخرين في مدن إقاماتهم، والتورط في إشكالات معهم في الشارع، والامتناع عن تأجيرهم شققاً في بعض الأحياء، وهو ما حصل في منطقة أسينيورت بأمر من حاكمها.
وفي ظل اختلاف التقارير الخاصة بالعدد الحقيقي للاجئين العائدين إلى سورية طوعاً، علمت "العربي الجديد" من مصدر في دائرة الهجرة التركية أن عدد العائدين حتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بلغ 469.170 سورياً، سلموا بطاقات الحماية المؤقتة الممنوحة لهم إلى الدوائر المعنية، ودخلوا أراضي بلدهم من معبري باب الهوى والسلامة. 

وحدد المصدر عدد السوريين الحالي في تركيا بـ 3,701,584 ملايين مسجلين بوضع الحماية المؤقتة، بينهم 97,658 ألفاً يملكون تصريح إقامة سياحية وإنسانية، في حين لا يزيد عدد المقيمين في مخيمات عن 52 ألفاً. ولا تزال إسطنبول المدينة التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين في البلاد (530,234)، وتأتي بعدها مدينة غازي عنتاب، ثم هاتاي وشانلي أورفة وأضنة. 
ويتحدث سوريون عن أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة اتفق مع الحكومة التركية على تسهيل عودة السوريين طوعاً، وتكليف سفير الائتلاف في تركيا نذير الحكيم بمتابعة الموضوع. لكن الحكيم اكتفى في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد" بالقول إن "العودة طوعية لا تحتاج إلى اتفاق أو تدخل من الائتلاف. وعملي ينحصر في متابعة أمور السوريين في تركيا، والمساعدة قدر الإمكان في حل مشاكلهم".

المساهمون