يخشى علماء ومتخصّصون في مجال الصحة انتشار فيروس إنفلونزا الطيور بشكل كبير وأكثر خطورة على البشر، ليُضاف إلى فيروس كورونا الجديد الذي عاد إلى التفشّي بقوة في موجته الثانية، وخصوصاً في دول أوروبا. وفي جولة على الدول التي تشهد تفشياً لفيروس إنفلونزا الطيور، يظهر أن عدداً من البلدان الأوروبية تعد الأكثر ضرراً.
في هولندا، تعمل السلطات على احتواء تفشي الإنفلونزا في مزارع شمال البلاد، بعد اكتشاف فيروس H5N8 في مزرعتين. يشار إلى أنها من سلالة من فيروس الإنفلونزا "أ" (يسمى أحياناً فيروس إنفلونزا الطيور). وأعلنت عن إعدام 200 ألف دجاجة في مزرعة في قرية بويفليجك، شرق البلاد. وفي مزرعة أخرى لتربية الدجاج، أعدم أكثر من 30 ألف طائر، بعدما تأكد أطباء بيطريون أن السلالة التي أصابت الطيور كانت من النوع نفسه. وتعدّ هولندا أكبر مصدر في أوروبا للحوم البيضاء والبيض.
وتعود مراسلة "بي بي سي" من لاهاي، آنا هوليجان، إلى عام 2003، حين أعدم الهولنديّون أكثر من 30 مليون دجاجة وبطة وطيور أخرى نتيجة تفشّي إنفلونزا الطيور. ولم تنحصر موجة إنفلونزا الطيور في هولندا فحسب. ففي ألمانيا، اكتشفت هذه السلالة في مزرعة دواجن صغيرة في نوردفريزلاند (ولاية شليزفيغ هولشتاين).
وقالت قناة "إن دي آر" الألمانية إن أكثر من ألف طائر بري نافق، معظمها من الأوز والبط، عُثر عليها في ساحل نوردفريزلاند، يُرجّح أنها كانت مصابة بإنفلونزا الطيور. وكان أسوأ تفش لإنفلونزا الطيور في ألمانيا عام 2016 -2017، حين أعدم أكثر من 900 ألف طائر.
ولا يشكل فيروس H5N8 خطراً على البشر. لكن الكلفة الاقتصادية يمكن أن تكون كبيرة. وتنقل قناة "بي بي سي" عن خبراء في مجال الصحة، قولهم إنه على الرغم من أن الفيروس يعد أقل خطراً على البشر بالمقارنة مع أنواع أخرى من الإنفلونزا، إلا أنه يجب على الناس تجنب لمس الطيور المريضة أو النافقة، وعدم تناول الدجاج والبيض إلا بعد طهيها جيّداً، إذ أن ذلك يؤدي إلى قتل الفيروس.
وفي بريطانيا، وتحديداً في الأول من نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، أمرت السلطات بإعدام أكثر من 13 ألف طائر في مزرعة دواجن في مدينة فرودشام في مقاطعة تشيشير شمال غرب البلاد. وأعلن الأطباء عن اكتشاف فيروس H5N8 لدى الطيور المهاجرة من روسيا، ما أدى إلى إعدام هذه الطيور في منطقة كوستروما غرب روسيا أواخر الشهر الماضي لاحتواء تفشي الفيروس. في هذا الإطار، قالت كريستين ميدلميس، كبيرة الأطباء البيطريين في بريطانيا: "نبحث بشكل عاجل عن أي دليل على انتشار الفيروس في المزرعة للسيطرة عليه". أما ريتشارد غريفيث، الرئيس التنفيذي لمجلس الدواجن البريطاني، فأشار إلى أن ما شهدته بريطانيا الأسبوع الماضي شكّل حافزاً للتدخل السريع، واتخاذ إجراءات فورية للحد من مخاطر انتشاره، بما في ذلك إعدام الدواجن المتبقية والطيور الموجودة في المزرعة.
إلى ذلك، وفي ندوة ترأسها ماير بورنيت، رئيس مجموعة صحة الدواجن والرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة، والتي خُصّصت لتعزيز الوعي بالذكاء الاصطناعي والمخاطر التي يشكلها على الطيور البرية المحلية، قال دانيال باركر، أحد المستشارين البيطريين: "من الأفضل الإبلاغ عن أي إصابة حتى نتمكّن من القضاء على الفيروس، قبل أن ينتشر ويصبح وباء".
ولا يعد الوضع في فرنسا أفضل حالاً. فقد أعلنت الحكومة وضع جزء من البلاد في حالة تأهب قصوى لمواجهة فيروس إنفلونزا الطيور بعد الإبلاغ عن حالات إصابة في أوروبا الغربية الشهر الماضي. ونشرت في الجريدة الرسمية إنّ نحو نصف مناطق فرنسا ستُصنّف على أنها عالية الخطورة، على أن تكون بقية البلاد في حالة تأهب متوسطة.
والتأهّب العالي في مزارع الدواجن يعني إبقاءها في الداخل أو وضع شباك لمنع ملامسة الطيور البرية للحد من انتشار المرض. وبحسب موقع "Les echoes" الفرنسي، فإنه على الرغم من أن الإنلفونزا لم تظهر بشكل كبير في البلاد، إلا أن الإجراءات الاحترازية باتت ضرورية، وخصوصاً أن الفيروس أدى بعد عامي 2016 و2017، إلى كارثة اقتصادية كبيرة، وأجبر المزارعين على ذبح الملايين منها من أجل القضاء على الفيروس، ما كلف العاملين في هذا القطاع مئات الملايين من الدولارات.
وفي حال الخطر "العالي"، يُعمد إلى اتخاذ تدابير حماية مكثّفة لمنع أي اتصال بين مزارع الدواجن التجارية والأفنية الخلفية للطيور البرية. بالإضافة إلى ذلك، يُحظر وضع الدواجن الحية في الأسواق، وصيد الطيور. ومنذ تفشي الفيروس في روسيا وكازاخستان هذا الصيف، انتشر غرباً ووصل مؤخراً إلى هولندا، لينتشر بشكل سريع.
وما يقلق العلماء هو احتمال تطوّر الفيروس لينتشر بسهولة بين البشر، على غرار جائحة الإنفلونزا الأكثر شهرة، الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، والتي قتلت ملايين الطيور. وتتشابه أعراض H5N8 لدى البشر مع أنواع أخرى من الإنفلونزا، وهي ارتفاع درجة الحرارة، السعال، الصداع، القشعريرة، آلام في العضلات، وسيلان الأنف أو انسداده والعطس. ويمكن أن تظهر هذه العوارض فجأة.
ويمكن للأطباء وصف الأدوية المضادة للفيروسات للمساعدة في منع حدوث مضاعفات. كذلك، من الممكن أن تساعد مسكنات الألم مثل الباراسيتامول في علاج هذه الأعراض. وكما هو الحال في أنواع الإنفلونزا الأخرى، يمكن تقليل خطر الإصابة بالعدوى من خلال غسل اليدين بانتظام واستخدام المناديل في حال السعال أو العطس، والابتعاد عن الأشخاص الذين يعانون من هذه الأعراض.