عصابات الضواحي... عنف يهدد بالتمييز ضد المهاجرين في السويد

04 ديسمبر 2021
باتت العصابات تهديداً للأمن بضواحي السويد (فدريك بيرسون/ فرانس برس)
+ الخط -

 

أكدت رئيسة الحكومة السويدية، ماغدالينا أندرسون، انتهاج بلادها سياسة أكثر صرامة لمكافحة انتشار "التمييز العنصري"، بالتزامن مع التشدد في مكافحة العصابات التي باتت مصدر قلق كبير.

يثير الواقع الأمني في السويد مخاوف كبيرة لدى السياسيين، حتى إن قواعد الحزب الاجتماعي الديمقراطي المعروف بمواقفه المنحازة إلى الأقليات باتت تتخذ مواقف أكثر تشدداً، فيما اتسعت ظاهرة استغلال اليمين المتشدد المتمثل بحزب "ديمقراطيو السويد" لمشكلات المهاجرين كسبب للتحريض عليهم، لتشمل معظم أحزاب يمين الوسط، وبعض من يسار الوسط، التي باتت تخشى من مخاطر تفاقم العنف في المجتمع. ويتكرر في المجتمع السويدي خطاب مفاده أن الضواحي بدأت تخرج عن السيطرة، بفعل انتشار العنف اليومي، الذي يشمل جرائم قتل دامية متكررة ضمن ما يطلق عليه "حرب العصابات"، التي يذهب ضحيتها كثير من المدنيين، وأدت إلى تحول بعض ضواحي مدن البلد الإسكندنافي الذي كان يتفاخر دوماً بأنه دولة الرفاهية إلى ساحات صراع دموية. 

وخلال السنوات الماضية، تعالت أصوات أفراد الشرطة، محذرة من انفلات الأوضاع الأمنية، ويشعر بعض سكان الضواحي، وأغلبهم من الأقليات والمهاجرين، بخيبة أمل متزايدة بسبب استمرار تدهور الأوضاع الأمنية، كما تشكو أسر ضحايا العنف من بطء نظام المحاكمات، وعدم وصوله في كثير من القضايا إلى أحكام رادعة.

ولسنوات، واجهت السويد مشكلات في دمج عشرات آلاف اللاجئين القادمين إليها خلال موجات الهجرة، التي كان أكبرها في 2015، وشهدت قدوم أكثر من 160 ألف مهاجر دفعة واحدة، ويتجه أغلب هؤلاء إلى السكن في الضواحي المكتظة بالمهاجرين، لكن كثيرون منهم حالياً قلقون على مصير أبنائهم في الضواحي، سواء ضواحي العاصمة استوكهولم، أو ضواحي مدن الجنوب مثل مالمو، وغوتينبرغ، التي تهيمن عليها عصابات متنافسة تمارس جرائم عدة، أبرزها تجارة المخدرات. 

وحذرت الشرطة السويدية، في أحدث تقاريرها، من تنامي نفوذ تلك العصابات، وأكدت للساسة والمشرعين أن الأوضاع باتت مقلقة في الضواحي. فإلى جانب شكوى الشرطة من غياب الشهود عن التعاون مع المحققين، نتيجة الخوف من العصابات التي تستهدف من يتقدم للشهادة على أحداث عنف في تجمعه السكني، تؤكد الشرطة أن "العصابات بدأت بالتوسع في أحياء جديدة تتحكم بها"، ما يفسر خوف بعض الأسر اللاجئة من تجنيد العصابات لأبنائهم.

تضم مدينة غوتينبرغ أكبر كتلة سكانية بعد العاصمة استوكهولم، وينتشر فيها عدد كبير من السكان من أصول مهاجرة، وتشير تقارير الشرطة إلى أن "ضواحي المدينة ينتشر فيها أفراد عصابات مهيمنون، وهم يرتدون سترات واقية من الرصاص، ويتحكمون بمن يدخل ومن يخرج". وتنتشر دوريات الشرطة في الشوارع الرئيسة لغوتينبرغ لطمأنة المواطنين، لكن العصابات لا تنشط في الشوارع الرئيسية، بل في الضواحي التي تضم شققاً واسعة تناسب الأسر الكبيرة من الأصول المهاجرة، وبمرور السنوات، تحول شعور الطمأنينة إلى مشاعر قلق متزايدة من تحول السويد إلى صورة لا تشبه ما كانت عليه كمجتمع للرفاهية. 

ويتحدث مهاجرون عرب يقيمون بضواحي "أوبسالا"، شمال استوكهولم، لـ"العربي الجديد"، عن مشاهد مساعدة الشرطة السويدية في إنقاذ قطط، أو وقف السير على بعض الطرقات لمرور فراخ البط. وليس في أوبسالا وحدها، بات جيل من رجال الشرطة يتعلم لغات المهاجرين في مالمو وغوتينبرغ، حيث ضمت الشرطة أيضا أفراداً من الأقليات رغم نظرة مجتمع الأقليات السلبية إلى من يصبح شرطياً في الضواحي.

من ضاحية "توناريد" في غوتينبرغ، يقول المهاجر السوري أبو محمد قباني، لـ"العربي الجديد"، إنه اختار منذ حضوره مع أسرته في 2014، العيش في المنطقة "على أمل أن تخفف الحياة فيها من شعوري بالغربة، لكونها تضم الكثير من السوريين والعرب، لكن للأسف كبر أبنائي في جو موبوء، وصار العيش هنا كابوساً نحاول أن نحمي أولادنا منه بدلاً من التركيز على عيش الحياة بشكل طبيعي". 

بدوره، حضر عبد الرحمن مصلح إلى المنطقة كشاب قبل 20 سنة، قبل أن يصبح رب أسرة يخاف على أولاده. يقول: "بات الوضع يشبه الحياة في لبنان، وأحياناً يقترب من الصراع الدائر في سورية. ينتشر شباب ومراهقون في الشوارع، ويفرضون ما يشبه الحواجز التي تفتش الداخلين إلى الأحياء السكنية، وكل ذلك بفعل تنافس العصابات".

ويؤكد مدير شرطة جنوب مدينة غوتينبرغ، دان ويندت، التحولات في ضاحية توناريد "حيث تنتشر العصابات المحلية، وتراقب الداخلين، وتسأل البعض عن هويته لمعرفة ما إذا كان يسكن في المنطقة أو لا، كما تراقب الشرطة، وتحذر بعضها من تدخلها". ويربط ويندت بين تلك الممارسات واحتدام التنافس بين مختلف العصابات، التي أدت إلى مقتل الشرطي أندرياس دانمان بالرصاص في أثناء استماعه إلى شهادة أحد السكان في ضاحية بيسكوبسغاردن مع زميلته، وحكم على القاتل، وهو شاب في السابعة عشرة من عمره، بالسجن ثمانية أعوام، ما أثار جدلاً كبيراً حول تساهل قانون العقوبات. 

الصورة
تحذر الشرطة السويدية من زيادة سطوة عصابات الضواحي (فدريك بيرسون/فرانس برس)
تحذّر الشرطة السويدية من زيادة سطوة العصابات (فدريك بيرسون/ فرانس برس)

وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت السويد لموجات من جرائم العصابات الخطيرة، وأصبح استخدام الأسلحة والمتفجرات من الأمور الشائعة، ولا تستثنى ضواحي العاصمة استوكهولم من ذلك، وبشكل واضح في ضاحية رينكبي سيئة الصيت التي تضم عدداً من العصابات المتنافسة على تجارة الممنوعات. وأبرز مشكلات النظام الأمني في مواجهة تلك العصابات أنه غير مصمم لمواجهة ما يسمى "العشائر"، التي تشبه تلك العصابات المنتشرة في ألمانيا، وتوجه الشرطة السويدية في المناطق الجنوبية الغربية اتهامات متكررة إلى عصابات العشائر، وتذكر اسمها وخلفيات بعضها صراحة، ومن بينها عصابات عربية وكردية، وغالبيتها تعمل في تجارة المخدرات المترافقة مع استخدام السلاح، وفرض إتاوات على المهاجرين واللاجئين.

وتفيد الشرطة السويدية بأن منطقة "هيالبو" في غوتينبرغ تسيطر عليها "عائلة خان" التي تضم عدداً كبيراً من الأفراد الذين أدينوا ببيع المخدرات وممارسة العنف، والتي تخوض صراعاً دامياً مع عصابة منافسة لها في المدينة ذاتها. والتطور الخطير الذي تحذر منه التقارير الأمنية، أن تلك العصابات باتت تجند أطفالاً من سن الثالثة عشرة، وهو ما أكده مدير شرطة جنوب غوتينبرغ.

وتستغل العصابات ثغرات في قانون العقوبات السويدي يتعلق بالمراهقين، رغم أن تعديلات أُدخلت عليه تتيح ملاحقة القُصَّر (تحت 18 سنة) إذا ما ارتكبوا جرائم خطيرة، بما في ذلك القتل، وغالباً ما ينتهي الحال بمراهقي العصابات إلى إيداعهم في "بيوت الشباب" تحت مراقبة مصلحة السجون، وهو ما يثير جدلاً حول ضرورة تعديل القوانين التي يعتبرها البعض متراخية مع العنف، ويسري ذلك حتى في أوساط مؤيدي يسار الوسط، الذين كانوا تاريخياً أكثر تعاطفاً مع المهاجرين والأقليات. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

خلال عام 2020، أُبلِغ عن 385 حادث إطلاق نار في السويد، ونجم عن ذلك سقوط 47 قتيلاً، ومنذ مطلع 2021 حتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تظهر أرقام الشرطة أن الصورة لم تختلف كثيراً عن العام الماضي، وسجلت 65 ملاحقة قضائية فقط من بين مئات حالات إطلاق النار في حرب العصابات، ومن بين هؤلاء، لم يحكم إلا على نصفهم، وتنتظر القضايا الأخرى الوصول إلى المحاكم، حتى بعد مرور عام على الاتهام، الذي لا يؤدي بالضرورة إلى سجن المتهم وهو في انتظار المحاكمة. وبعض القتلى يفقدون حياتهم من طريق الخطأ، إذ لا علاقة لهم بما يجري، وبعضهم قُصَّر، أو أطفال، أو طلاب من أصول عربية، وجرت حتى الآن 16 ملاحقة قضائية فقط، و10 منها أدت إلى أحكام. ومن بين إصابة 118 شخصاً متهماً بإطلاق الرصاص، لم يُلاحق قضائياً سوى 26، و23 فقط مثلوا أمام المحاكم، ولم يحكم إلا على 19 في المائة بالسجن. وتفيد أرقام الشرطة السويدية بأنه من بين 220 حادث إطلاق نار دون ضحايا، لم يلاحق قضائياً إلا متهمون في 23 حالة، و9 في المائة فقط من المحاكمات انتهت إلى أحكام. 

وبالنسبة إلى عنف العصابات المميت، فإن الشرطة والقضاء السويديين توصلا في الفترة بين 2014 إلى 2017، إلى حلول لنحو 68 في المائة من الجرائم، بينما خلال الأعوام التالية، وحتى 2020، تراجع معدل إنهاء قضايا العنف المميت إلى نحو 23 في المائة، وهي نسبة متدنية مقارنة بجرائم القتل الأخرى غير المرتبطة بحرب العصابات، التي تصل نسبة حل الجرائم فيها إلى 94 في المائة. 

المساهمون