تتسع ظاهرة السكن العشوائي في مختلف المدن العراقية مع استمرار أزمة السكن، وغلاء أسعار المنازل والأراضي. وهي تتأثر أيضاً باستمرار تزايد عدد السكان، والهجرة من القرى إلى المدن لأسباب أمنية واقتصادية وبيئية.
وفي وقت تعتبر فيه أزمة السكن في العراق واحدة من أكبر الأزمات في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية واستشراء البطالة والفساد، تؤكد الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني أن حل أزمة السكن يندرج ضمن أولوياتها، لكن إجراءاتها لا تزال غير منسجمة مع حجم الأزمة المتفاقمة، وغير قادرة على التعامل مع تهديداتها الكبيرة والخطيرة.
وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قدّرت وزارة الإعمار والإسكان في العاصمة بغداد نسبة المواطنين الذين يقطنون في مساكن عشوائية بنحو 9 في المائة من السكان، ما يعادل 5 ملايين مواطن ينتشر غالبيتهم في مناطق العاصمة بغداد، وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية.
ووفقاً لوزارة الإعمار والإسكان، يوجد 4679 تجمعاً عشوائياً في عموم مدن العراق، وتستقبل العاصمة بغداد العدد الأكبر من هذه التجمعات، والذي يتجاوز 1000.
وانتشرت العشوائيات أو المنازل العشوائية بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وشيّد عشرات آلاف الفقراء منازل سكنية من الطوب والطين والصفيح في أراض تملكها الدولة.
ويرى الباحث في الشأن العراقي، سالم الأحمد، أن هشاشة الوضع الأمني في بعض المناطق التي تشهد خروقات أمنية من قبل عناصر تنظيم "داعش"، أو تسيطر عليها مليشيات، ساهمت في شكل كبير في تنامي ظاهرة المساكن العشوائية خاصة في أطراف المدن. ويقول لـ"العربي الجديد": "دفعت الأوضاع الأمنية في بعض المناطق سكانها إلى النزوح إلى مناطق أكثر أماناً، وهذا السبب ليس وليد اللحظة بل يتكرر منذ 20 عاماً".
يتابع: "ظهرت المساكن العشوائية بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وزادت مع تنامي الارتباك والعنف الذي شهدته البلاد عام 2007، وصولاً إلى سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق. ولا تزال مناطق كاملة بلا سكان رغم تحريرها من تنظيم داعش، ولم يعد أهلها إليها بسبب سيطرة المليشيات عليها".
والأكيد أن الأسباب الاقتصادية تخلق دوافع كبيرة للجوء مواطنين إلى المساكن العشوائية بسبب غلاء أسعار القطع والبيوت في عموم العراق، إلى جانب اكتظاظ المدن بالسكان. كما فاقمت أسباب أخرى ظهرت أخيراً أزمة السكن العشوائي.
ويوضح الخبير الاقتصادي، ميثم لعيبي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "انتشار المساكن العشوائية يرتبط بمجموعة أسباب أهمها وأكبرها اقتصادية، فغالباً لا يملك سكان العشوائيات مداخيل شهرية، وتعتمد مصادر رزقهم على أعمال لا يتجاوز دخلها اليومي 1500 دينار تعادل دولاراً واحداً، إذ يعمل عدد كبير منهم في جمع النفايات أو الأغراض المستعملة أو يتسولون".
ويتحدث الخبير البيئي أحمد العلوان عن أن هجرة أهالي القرى إلى المدن بين الأسباب الجديدة التي فاقمت أزمة السكن العشوائي. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "تضرر مناطق من الجفاف واختفاء أخرى بالكامل دفعا أهاليها إلى النزوح إلى المدن، والتجمّع في مساكن عشوائية غالبيتها مشيّدة من الطين والصفيح". ويحذر من خطورة عدم معالجة آثار التغيّر المناخي الذي سيزيد عدد السكان الذين يضطرون إلى اللجوء إلى المساكن العشوائية.
وفي ظل ما يعانيه العراق في مجال السكن، أعلنت وزارة الإعمار والإسكان في يونيو/ حزيران الماضي، بدء شركات متخصصة بناء 5 مدن سكنية جديدة.
ويؤكد المتحدث باسم الوزارة نبيل الصفار، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المدن هي الجواهري الجديدة في أبو غريب ببغداد، وضفاف كربلاء، والفلوجة الجديدة بالأنبار، والجنائن بمحافظة بابل، والغزلاني بالموصل"، مشيراً إلى أن "الوزارة تستكمل الإجراءات الإدارية والقانونية لبدء التنفيذ، كما تستعد لإطلاق أعمال تنفيذ 4 مدن سكنية جديدة أخرى نهاية العام الحالي تشمل الوردي في بغداد، والمتنبي في واسط، والديوانية الجديدة، والسلام في محافظة النجف الأشرف، ما يجعل عدد المدن المقرر تنفيذها 9 تتوزع على عموم البلاد".
ويشير الصفار إلى أن "الوزارة تسعى من خلال إنشاء هذه المدن إلى حلّ مشكلة العجز في قطاع السكن، وهي ستكون بأسعار حكومية مدعومة، ومخصصة للفئات المتوسطة وقليلة الدخل في إطار توجه الحكومة لدعم هذه الفئات، وحتمية الاستجابة إلى الحاجة الماسة إلى البناء العمودي للتعامل مع الزيادة الحاصلة في عدد السكان، والحاجة إلى تغيير أنماط البناء".
ولم يصادق البرلمان العراقي على قانون خاص بالعشوائيات منذ عام 2017، وجرى ترحيله إلى الدورة البرلمانية الحالية حيث عُرض في قراءة أولى خلال جلسة عادية عقدت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وأظهرت اعتراض غالبية الكتل على بنوده. وأصدر السوداني أخيراً قرار تحويل جنس الأراضي الزراعية التي شيّدت عليها منازل إلى سكنية.
ويقول المتحدث الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي إن "رئيس الوزراء يضع ملف السكن في أولويات اهتماماته"، مشيراً إلى أن "الملف يتضمن مجموعة أولويات تراتبية تحتاج إلى حلول فردية. وحلّ مشكلة تحويل جنس الأراضي الزراعية ستتبعه خطوات أساسية أخرى على طريق معالجة أزمة السكن".
وكانت الحكومة السابقة قد أطلقت مشروع "داري" لمنح العاطلين من العمل قطع أراضٍ سكنية، ومن ثم دعمهم لبنائها، لكن المشروع لم ينفذ، على الرغم من أن آلاف العراقيين تقدموا له وبذلوا جهداً ووقتاً ومراجعات للدوائر الحكومية للحصول على قطعة أرض.