عامان على كورونا... تسونامي الجائحة يضرب العالم

02 يناير 2022
الواقع يبدو قاتماً (هولي أدامز/ فرانس برس)
+ الخط -

قبل عامَين، كان العالم يأمل بعام يكون أفضل من ذلك الذي سبق. لم يكن أحد يتوقّع، عندما راح يُحكى عن "التهاب رئوي غامض" في الصين، أن تدخل المعمورة في أزمة وبائية يستمرّ الخبراء خلالها بالتحذير من الأسوأ.

في مثل هذه الأيام من عام 2020، راحت الأخبار ترد من الصين عن فيروس غامض رُصد فيها. وكان مكتب منظمة الصحة العالمية في البلاد قد أُعلم في 31 ديسمبر/ كانون الأوّل من عام 2019، بأنّ ثمّة إصابات سُجّلت بالتهاب رئويّ من دون أسباب معروفة، في مدينة ووهان الواقعة بإقليم هوبي وسط البلاد. وقد تطلّب الأمر أسبوعاً قبل أن تتمكّن السلطات الصحيّة الصينيّة من تحديد سلالة جديدة من فيروسات كورونا أو الفيروسات التاجية. وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية على الفيروس الناشئ في وقت لاحق اسم "فيروس كورونا الجديد" أو "سارس-كوف-2"، قبل أن تعلن عن تسبّبه في جائحة إذ تخطّى كلّ حدود العالم، وتسمّي المرض الناجم عنه "كوفيد-19".

ومذ بدأت الإصابات تُسجّل حول العالم، أُطلقت عدّادات مختلفة لتسجيل عدد الذين استهدفهم الفيروس الذي لم يعد "غامضاً". وراح الناس مذاك يترقّبون آخر بيانات تلك العدّادات، سواءً أكانت عالمية أم محلية. وبحسب بيانات بداية العام الجديد، تخطّى إجمالي عدد الإصابات بكوفيد-19 حول العالم 288 مليوناً و600 ألف إصابة، من بينها نحو 253 مليوناً و500 حالة تعافٍ، في حين تخطى عدد الوفيات خمسة ملايين و455 ألف وفاة. إذاً يعيش اليوم أهل المعمورة على وقع تلك العدّادات وكذلك الأخبار التي تتناول مستجدّات الفيروس ومتحوّراته، فهو لم يطاول صحة الناس الجسدية فحسب، بل كذلك صحتهم النفسية التي تضرّرت بشدّة من جرّاء الأزمة الوبائية التي تسبّب فيها والتي استوجبت تدابير مشدّدة وصلت إلى حدّ عزل الناس بعضهم عن بعض، حتى في قلب العائلة الواحدة. ولا ننسى أنّ الأزمة تسبّبت كذلك في خسارة كثيرين أعمالهم، وبأزمة اقتصادية في أكثر من بلد، إلى جانب الخسائر الكبرى التي طاولت وما زالت تطاول الأرواح. وعلى سبيل المثال، أعلنت البيرو قبل دخول عام 2022، أنّ الفيروس خلّف 90 ألف يتيم ويتيمة، بعدما قضى أهلهم نتيجة إصابتهم به.

وينطلق العام الجديد فيما الفيروس يمضي في تمدّده، لا سيّما بواسطة متحوّراته، وقد حذّرت منظمة الصحة العالمية من أنّ وضع الأزمة الوبائية سو يظلّ صعباً في هذا العام. وقد يسأل كثيرون عن معنى تلك الصعوبة، علماً أنّ المنظمة أكّدت استمرار الخسائر الفادحة وأشارت إلى "تسونامي إصابات". فهي أعلنت أخيراً أنّ الخطورة التي يمثّلها متحوّر أوميكرون (أحدث متحوّرات الفيروس الذي رُصد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بجنوب أفريقيا) سريع الانتشار ما زالت "عالية جداً"، وذلك بعدما قفزت أعداد الإصابات بكوفيد-19 بنسبة 11 في المائة عالمياً في الأسبوع ما قبل الأخير من عام 2021. وعبّر مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن قلقه الكبير جداً من أن يؤدّي أوميكرون الذي صار أكثر قابلية للانتقال والذي يستمرّ بانتشاره في الوقت نفسه كما متحوّر دلتا (رُصد للمرّة الأولى في إبريل/ نيسان 2021 بالهند)، بتسونامي من الإصابات بكوفيد-19. أضاف أنّ ذلك يشكّل ضغطاً هائلاً على العاملين الصحيين المنهكين وكذلك النظم الصحية، ويعطّل مرّة أخرى الحياة وسبل العيش، موضحاً أنّ الضغط على الأنظمة الصحية لا يعود فقط إلى المصابين الجدد الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى، إنّما كذلك بسبب إصابة أعداد كبيرة من العاملين الصحيين.

الصورة
لقاح مضاد لكوفيد-19 في البيرو (إرنستو بينافيدس/ فرانس برس)
لم تنجح منظمة الصحة العالمية في تحصين 40% من سكان العالم (إرنستو بينافيدس/ فرانس برس)

أوميكرون يضرب خطط التحصين

للمرّة الثانية على التوالي، استقبل العالم عاماً جديداً وسط الجائحة. لكنّ الواقع يبدو اليوم مختلفاً، فبعدما كان الجميع يعلّق آماله على اللقاحات المضادة لكوفيد-19 للوقاية من الإصابة، يُسجَّل قلق كبير إذ إنّ الإصابات التي تُسجّل أخيراً تخترق المناعة التي وفّرتها اللقاحات كما الإصابات السابقة بالوباء. وفي حين تتزايد أعداد الإصابات والوفيات بنسب متفاوتة، ثمّة أنظمة تخشى فقدان السيطرة في مواجهة الفيروس، الأمر الذي يضرّ نظامها الصحي. وفي ما يخصّ الأعداد، فإنّ المعلن لا يعبّر عن الواقع، بحسب ما يؤكد خبراء كثر. فإلى جانب عدم اعتماد دول كثيرة الشفافية في الإعلان عن إصاباتها ووفياتها، فإنّه من غير الممكن إحصاء كلّ الأعداد التي قد تزيد بأضعاف وأضعاف. ويبقى أنّ ما يُسجّل هو ما يتمّ التأكّد منه في المختبرات، علماً أنّ كثيرين لا يخضعون لأيّ فحوص وإن ظهرت أعراض المرض عليهم.

من جهتها، جدّدت منظمة الصحة العالمية، مع استقبال العام الجديد ومرور عامَين على الأزمة الوبائية، تحذيرها من استمرار "عدم المساواة" في ما يتعلّق باللقاحات، الأمر الذي "يؤخّر الخلاص" بالنسبة إليها، حتى لو كان متحوّر أوميكرون مثلاً قادراً على اختراق الأجسام المضادة التي تشكّلها اللقاحات لدى الأشخاص المحصّنين. وبينما تلجأ دول كثيرة إلى جرعة ثالثة تعزيزية من اللقاح، وتبحث أخرى في جرعة رابعة، لا تتجاوز نسبة المحصّنين في القارة الأفريقية تسعة في المائة، وفقاً لأرقام المنظمة. وقد عبّر غيبريسوس عن بعض خيبة من وصول أعداد الإصابات والوفيات إلى ما هي عليه، منتقداً ما بات يُعرف بـ"الأنانية القومية" في ما يخصّ الاستئثار باللقاحات، محملاً تلك الأنظمة المتورّطة مسؤولية مباشرة في ما يتعلّق بـ"خلق ظروف مثالية لظهور متحوّل أوميكرون" حول العالم، وتفاقم مخاطر الجائحة عموماً.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، كان من المفترض أن تصل البشرية مع نهاية ديسمبر الماضي إلى تحصين نحو 40 في المائة من سكان العالم، لكنّ ذلك لم يتحقّق، أقلّه في الدول النامية مقارنة بدول متّهمة بالاستئثار باللقاحات. وهذا ما دفع المنظمة إلى وضع هدف جديد مع مطلع عام 2022، وهو تحصين 70 في المائة من سكان العالم بحلول نهاية شهر يوليو/تموز المقبل. ويبقة تساؤل حول إمكانية تحقيق ذلك.

ويبدو أنّ حتى سياسة "الأنانية القومية" في ما يتعلّق باللقاحات، لم تكن ناجعة في الدول المتطوّرة، لا سيّما مع ظهور متحوّر أوميكرون الذي راح يضرب بقوة في عدد كبير من الدول، الأمر الذي استدعى تشديد إجراءات من جديد. يُذكر هنا أنّ سلطات جنوب أفريقيا التي رُصد فيها أوميكرون للمرّة الأولى، راحت تخفّف الإجراءات الصارمة مدّعية السيطرة عليه، في حين يتفشّى سريعاً في بقاع أخرى من العالم. وفي الدنمارك التي مُنع مواطنوها من دخول السويد وغيرها، بعدما راحت تسجّل نحو 20 ألف إصابة يومية، يستحوذ أوميكرون على نسبة 86 في المائة من فحوص كورونا الموجبة.

وعلى الرغم من الارتفاع الجنوني في عدّادات الإصابات التي سجّلت مليون إصابة في نهاية عام 2021 المنصرم، فإنّ "الذورة لم تُبلغ بعد" بحسب مسؤولي قطاعات الصحة في عدد من الدول الأوروبية. على سبيل المثال، تتوقع السلطات الصحية الدنماركية استمرار التدهور في هذا السياق وبلوغ ذروة غير مسبوقة من الإصابات، إذ صرّح أستاذ الأمراض المعدية في المستشفى الوطني بكوبنهاغن، ينس لوندغرين، أمس السبت، بأنّه "لم نمرّ بعد بالأسابيع الصعبة، وسوف نصل إليها في يناير/ كانون الثاني الجاري". وقد عبّرت تلك السلطات عن غضب وخيبة أمل مع خرق شبّان القواعد الصارمة التي تمنع الاحتفال برأس السنة، فهؤلاء تحايلوا على إغلاق الحانات والمراقص من خلال حفلات خاصة صاخبة خُطّط لها عبر وسائل التواصل استمرّت حتى فجر الأوّل من يناير وضمّت أشخاصاً لا يعرفون بعضهم بعضاً.

من جهة أخرى، عادت حركة السفر لتتأثّر من جديد، بعدما كانت قيود كثيرة قد أزيلت في ما يتعلّق بالمنتقلين من بلد إلى آخر، علماً أنّ رحلات جوية عدّة ألغيت أخيراً على سبيل المثال. فاليوم، دول عديدة تفرض من جديد فحوص كورونا سالبة إلى جانب شهادات التحصين للسماح بدخول أراضيها. وهذا أمر يؤثّر اليوم سلباً على موسم السياحة الشتوية، فيما كانت الجائحة قد أضرّت بمواسم سياحية أخرى سابقة. حتى "جواز مرور كورونا" أو "الجواز الأخضر" أو مهما كانت تسمية شهادة التحصين بلقاح مضاد لكوفيد-19، لم تعد نافعة اليوم، ليس عند عبور حدود الدول فحسب، إنّما كذلك في التنقّل المحلي ودخول أماكن بحدّ ذاتها في بعض البلدان.

الصورة
ممرضة ومصاب بكوفيد-19 في النمسا (يان هتفلايش/ Getty)
التأهّب مطلوب اليوم كما في الأمس والغد (يان هتفلايش/ Getty)

الأنانية القومية

منذ ظهور فيروس كورونا الجديد، راح يُحكى عن "أنانية قومية" في مواجهته، إذ راحت دول كثير تحاول الاستئثار بالمستلزمات والمعدّات من قبيل الأقنعة الطبية وأجهزة التنفس الصناعي وبعض الأدوية، التي من شأنها المساهمة في مواجهة الفيروس، قبل أن يبلغ الأمر اللقاحات المضادة لكوفيد-19. وتوجَّه منذ أشهر انتقادات إلى دول غربية عدّة في ما يخصّ الاستئثار باللقاحات، من قبل منظمة الصحة العالمية ودول في العالم الثالث ومنظمات دولية تندّد باحتكار الغرب اللقاحات وتحمّل سياسات الاحتكار تلك مسؤولية تفشّي متحوّر أوميكرون وغيره من المتحوّرات المستقبلية التي قد تظهر، في حال لم تُعدَّل السياسة الحالية في توزيع اللقاحات.

في سياق متصل، مع دخول الأزمة الصحية العالمية عامها الثالث، وجّهت منظمة "أوكسفام" انتقاداً لاذعاً إلى الغرب، محمّلة إيّاه مسؤولية التسبّب في زيادة العدوى وظهور متحوّرات جديدة من الفيروس، بحسب ما صرّح أمين عام المنظمة كريستيان وايز في أواخر الشهر الماضي. وحمّل وايز القادة الغربيين المسؤولية الأخلاقية لعدم مساعدة الأجزاء الفقيرة من العالم، مشدّداً على أنّ "عدم إرسال اللقاحات ومعارضة تصنيع أخرى في الدول النامية هما قراران سياسيان يتّخذهما قادة غربيون بأنانية". من جهتها، تشدّد منظمة الصحة العالمية على ضرورة مواجهة التحدي العالمي بقيادة عالمية لتوفير اللقاح لكلّ شخص، إذ إنّ اللقاح "وسيلة فضلى لخلق أمل بكبح جائحة كورونا، إنقاذاً للأرواح وضمان الانتعاش الاقتصادي العالمي".

والرابط ما بين احتكار الدول المتطوّرة للقاحات وانفجار العدوى ونشوء متحوّرات جديدة للفيروس ليس مجرّد أمر يتعلّق بمواقف سياسية بحسب ما يبدو ظاهراً، إنّما هو أمر علمي كذلك وفق الأستاذ في جامعة كوبنهاغن فليمنغ كونرادسن. وربط هذا الخبير في منظمة الصحة العالمية ما بين "غياب الإرادة السياسية لدفع طاقات الإنتاج المحلي للقاحات في الدول النامية وعدم وضع أنظمة توزيع عادل يؤدّي إلى مزيد من تعقيد التغلب على الجائحة"، منتقداً سياسة الدول الغنية الاحتفاظ بجرعات كبيرة كمخزون خاص بها بدلاً من إرسالها إلى الدول الأقلّ ثراء. ويشدّد كونرادسن على "قيادة عالمية" لتوفير اللقاحات للجميع، تحت طائلة إطالة عمر الصورة القاتمة الخاصة بالوباء.

المساهمون