بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة مسافات وقصص حرمان بين عائلات مشتتة في البلد الواحد الذي يظل حجم معاناة أهله كبيراً مع الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته. قصة عائلة نيفين أبو غردوق واحدة منها.
تقيم نيفين أبو غرقود (38 عاماً) بشكل مؤقت مع أسرتها ووالديها من عائلة أبو حجير في قرية جحر الديك، شرقي مدينة غزة، لأن عائلتها المؤلفة من زوجها وأربعة أبناء، هم الفتاة ملك (17 عاماً) وأحمد (15 عاماً) وعماد (14 عاماً) ومحمد (13 عاماً) موجودة في الضفة الغربية، ولا يوجد معها من أبنائها إلا أمير (6 أعوام)، ولا تستطيع لمّ شمل عائلتها، ما جعلها تعيش فترة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وما بعده في ظل صعوبات كبيرة زادها ابتعادها عن أبنائها.
تزوجت نيفين قبل 17 عاماً من سامي أبو غرقود (42 عاماً) المتحدر من مدينة قلقيلية. لكن الأخير انتقل بعد فترة من الزواج للسكن في بلدته من أجل تسهيل وصوله إلى مكان عمله، علماً أنه كان يعمل بائع ملابس وعطور في غزة. وبقيت نيفين في غزة على أمل أن يستقر عمل زوجها ومسكنه في قلقيلية. لكن حصار إسرائيل لغزة عام 2007 غيّر تفاصيل كثيرة في حياة الأسرة. واليوم لا تمنح إسرائيل نيفين تصريحاً للانضمام إلى زوجها.
أمير الذي وُلد خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في 19 أغسطس/ آب 2014 لم يرَ والده حتى اليوم، علماً أن الأخير كان يأتي الى غزة قبل عام 2007 عبر معبر رفح المحاذي للحدود مع مصر، والذي يدخله بعد رحلة سفر تشمل الأردن ثم مصر، ثم يعود أدراجه بالطريقة ذاتها، لأنه مسجل في مدينة قلقيلية بالهوية الفلسطينية. ثم تغيّر كل شيء بعد عام 2007، إذ زار زوجته للمرة الأخيرة في غزة عام 2010، قبل أن يطلب عام 2013 من مكتب الشؤون المدنية في غزة نيل تصريح يسمح بقدوم زوجته إلى الضفة الغربية، والذي وافق على الطّلب فسافرت مع طفليها محمد وعماد، في حين أبقت ملك وأحمد مع والديها، لأن المكتب رفض سفرهما. وفي عام 2014، اعتُقل الزوج سامي بسبب مكوثه داخل إسرائيل بلا تصريح، وحُكم عليه بالسجن عاماً ونصف العام شهدت السماح لنيفين بزيارته مرة واحدة فقط عام 2015.
تعلّق نيفين: "أمضيت أياماً صعبة خلال حملي بأمير. انتظرت ولادته فحصل العدوان الإسرائيلي ولم يوجد زوجي معي. عانيت من آلام ما قبل الولادة، والخوف من أصوات قصف الطائرات والصواريخ. اعتقدت بعد العدوان الثاني أن ظروف غزة ستتحسن، لكنها زادت سوءاً، حتى إنني عشت ظروفاً أكثر صعوبة خلال العدوان الأخير هذه السنة".
وحاول الزوجان عام 2017 الانتقال للعيش في الضفة الغربية، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي في غزة وانعدام الأمان، ونجحا في نقل أولادهما الأربعة الكبار إلى قلقيلية. لكن نيفين لم تستطع مرافقة أبنائها الأربعة لأن العنوان المسجل في هويتها، وهو غزة، لا يسمح بدخولها الضفة الغربية عبر حاجز الملك حسين. ولاحقاً قدمت 5 تصاريح للزيارة وتغيير عنوان سكنها، من دون أن تنال موافقة الإسرائيليين الذين أخبروها أن الطلب معلّق، وهو ما تعتبره "أسلوباً استفزازياً تجاه سكان غزة، خصوصاً أنني لا أشكّل كامرأة أي خطر، ولا أريد إلا أن ألتحق بأسرتي".
يواجه أبناء نيفين مواقف كثيرة تتطلب وجودها إلى جانبهم. فقبل عام تعرض محمد لحرق عندما كان يسكب ماء ساخناً، وكان لوحده مع شقيقته ملك، فاتصلا بها في غزة، قبل أن تهاتف بدورها جيران منزل زوجها كي يسرعوا إلى إغاثة ابنها. وهذا الموقف جعل نيفين تبكي وتحزن كثيراً. يقول الزوج سامي: "تراجع المستوى التعليمي لابنتي ملك التي تحتاج إلى والدتها، بعدما كانت متفوقة في غزة، هي التي تهتم بالمنزل وتقوم برعاية أشقائها. وأكثر ما يزعجني أنني لم ألتقِ ابني أمير الذي لا يعرفني إلا عبر اتصال الفيديو. نعيش في بلد يحظى باعتراف دول كثيرة في العالم، لكن لا يمكن تجاوز مسافات تفصل بيننا لأننا تحت الاحتلال". يضيف: "أولادي متعلّقون بأمهم كثيراً. وأنا أحاول جمع المال لتأمين مستقبل أفضل لهم في فلسطين. يتحدّثون عبر الهاتف مع أمهم يومياً. أسمع منهم كلمات اشتياق، وأتمنى أن أشاهد زوجتي أمامي يوماً، وأن نعيش في أمان في الضفة الغربية".
عاش أبناء نيفين ظروفاً صعبة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. في بعض اللحظات كان اتصال الإنترنت ينقطع عن منزل جدهم، ويحاولون التواصل على الهواتف التي كانت مغلقة مرات، ما أقلقهم كثيراً. تقول ملك عبر محادثة فيديو أجريت مع والدتها خلال الحديث مع "العربي الجديد": "خلال العدوان الأخير كنت أبكي في كل لحظة. كنت أريد أمي فقط. في الأعياد وفي شهر رمضان أرى الجميع من حولي مسرورين فرحين، بينما أنطوي على نفسي، وأحسّ برغبة في البكاء. أنا في أمسّ الحاجة إلى أمي فالهاتف لا يلبّي كل الاحتياجات، وأمي لا تؤذي أحداً كي لا تسمح إسرائيل بدخولها إلى الضفة".