استمع إلى الملخص
- قصص مؤلمة للمفقودين: تتكرر روايات عائلات الأكراد المفقودين، مثل سامر وعادل وإبراهيم، مما يعكس الألم المستمر لعائلاتهم الذين لم يفقدوا الأمل في معرفة مصير أحبائهم.
- التحديات القانونية والحقوقية: يوضح الحقوقي رياض حسين تعقيد ملف المعتقلين والمختفين، مشيراً إلى الأحكام العرفية ويدعو إلى محاسبة مرتكبي الجرائم وفق قوانين حقوق الإنسان.
يبحث عشرات آلاف الأشخاص من الفئات السورية كافة حالياً عن مصير ذويهم المعتقلين والمفقودين، لا سيما من الأكراد الذين عانوا مثل غيرهم من الأقليات من إجرام النظام على مدار عقود.
تظل قضية المفقودين والمعتقلين السوريين الذين أخفاهم نظام الأسد قسراً جرحاً يعكس حجم المعاناة التي تعيشها عوائلهم، والقصص التي تكشفت عن السجون والمقابر الجماعية، والإجرام الذي كان يمارسه النظام يفوق كل ما يروى عن هذه القضية الشائكة.
وتتشابه وتتشابك في الشهادات والقصص تفاصيل عمليات الاعتقال والإخفاء القسري التي مورست بحق عشرات آلاف السوريين، ويروي ذووهم وقائع مؤلمة حول مفقودين اختفوا في ظروف غامضة خلال السنوات الماضية، وتحوّلت أسماؤهم إلى أرقام في ملفات الضحايا الذين قضى الكثير منهم داخل أقبية الزنازين. وبعد سنوات من العجز عن الحصول على معلومات، أصبحت محاولات توكيل محامين أو دفع إتاوات للضباط الفاسدين في نظام الأسد بلا جدوى.
من القامشلي إلى دمشق، تتكرر روايات عائلات الأكراد المفقودين، شاهداً على الظلم وغياب العدالة، وتجدد مطالبهم بمحاسبة المجرمين على جرائمهم التي ترقى إلى كونها جرائم ضد الإنسانية.
تقول خمهور خشو، شقيقة المعتقل سامر، لـ"العربي الجديد": "في بداية الثورة، جلب سامر أسرته من دمشق إلى القامشلي، ثم عاد في اليوم التالي إلى دمشق. عند وصوله إلى كراج البولمان، اتصل بأحد أصدقائه طالباً منه أن يحضر بسيارته إلى منطقة السيدة زينب كي يصطحبه، وهناك اعتُقل. بعد السؤال عنه، وبعد عناء طويل، علمت العائلة بمكانه، إذ أُبلغنا بوجوده في سجن صيدنايا، في السجن الأحمر تحديداً، والشخص الذي أخبرنا بوجوده في السجن طلب مبلغاً من المال للعمل على إخراجه، لكنها كانت عملية احتيال، كما وكّلنا محامين من دون جدوى، وحتى يومنا هذا لا نعلم مكان وجوده، ونتمنى أن يكون على قيد الحياة بعد 12 عاماً على اعتقاله، وأن يعود إلى أسرته مثل هؤلاء الذين أُفرج عنهم، وأتمنى أن يعرف كل شخص فقد أحد أقربائه مصيرهم".
لدى خشو انتقادات حول عملية الإفراج عن المعتقلين من سجن صيدنايا، وتقول: "الإفراج عنهم تحول إلى فوضى، فمنهم المريض، ومنهم من فقد ذاكرته ولا يعلم شيئاً عن ماضيه. أثناء وجودهم في السجن، كل منهم يحمل رقماً، ويجب مراجعة ملفاتهم، والاتصال بذويهم، وتسليمهم إياهم. سجن صيدنايا كان كابوساً للسوريين، ولم يكن يمكن لأحد السير بجانبه. فما هو ذنب كل هؤلاء المساجين الأبرياء؟ شاهدنا مكبس العظام، وعواميد الإعدام. لقد كان صيدنايا مسلخاً للمعتقلين".
تتكرر روايات عائلات الأكراد المفقودين كشاهد على غياب العدالة
بدوره، يقول عبدو الظاهر من قرية تل غزال بريف الحسكة لـ"العربي الجديد": "شقيقي عادل سليمان الظاهر، من مواليد 1973، فُقد في 19 سبتمبر/ أيلول 2014، بعد أن اعتُقل في مدينة القامشلي. بحسب المعلومات المتوفرة لدينا، فقد كان في قريتنا تل غزال، وهرب مع بقية أهلها بعد سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، وكان لديه محل صرافة لتحويل العملات في القرية التي غادرها إلى مدينة القامشلي، وفي أول يوم بعد وصوله، جاءت سيارة نقل ركاب بيضاء بدون لوحة، وكان فيها أربعة أشخاص، وطرقوا على باب المنزل، فخرج شقيقي زاهد، فطلبوا منه هويته، فأعطاهم إياها، لكنهم قالوا له: نريد أخاك عادل. عندما جاء عادل، أدخلوه إلى السيارة وأخذوه، وهو مختفٍ منذ ذلك اليوم".
يتابع عبدو: "سألنا عنه في جميع الجهات، وعند الإدارة الذاتية، فقالوا لا يوجد شخص بهذا الاسم لدينا. هناك أناس اتهموا جبهة النصرة بخطفه، وآخرون اتهموا داعش، والبعض قال إنهم عناصر تابعون لنظام الأسد. لكنه لم يظهر حتى الآن. وما زلنا نسأل عنه في القامشلي ولا نصل إلى نتيجة. عادل متزوج من امرأتين ولديه أولاد، وأهله يبحثون عنه. بحثنا في دمشق أيضاً، لكن لا أحد يعرف عنه شيئاً".
ورغم مرور سنوات على الاعتقال والاختفاء القسري والمصير المجهول، لم تفقد الكثير من عوائل المختفين الأمل. يقول جوان حاجي لـ"العربي الجديد": "نبحث عن شقيقي إبراهيم حمو حاجي، وهو من مواليد 1968، وكان يقيم في دمشق حيث كان يعمل في مشفى المواساة في أواخر عام 2011، وكان يتواصل معنا بين الفينة والأخرى، لكن فجأة انقطع الاتصال، ولم نعد نعلم عنه شيئاً. ذهب أخي الآخر للبحث عنه في مكان عمله، فأخبروه بأنه قد ترك العمل في المشفى قبل فترة، وكان لنا معارف سألهم عنه أيضاً، لكن لم يكن أحد يعرف عن وضعه شيئاً، وفي النهاية عاد أخي من دون أن يجد أي أثر لإبراهيم، وحتى الآن لم يأتنا أحد بأي خبر عنه".
من المختفين أيضاً رضوان فرحان عثمان، وعمره حالياً 35 سنة، وهو ينحدر من قرية خزنة الصغيرة، وكانت لديه سيارة لبيع الدجاج. يقول قريبه فادي عثمان لـ"العربي الجديد" إنه اختفى في محيط حمص في عام 2013، ولم يظهر حتى الآن، ولا توجد أية معلومات عنه، وإن العائلة سألت جهات كثيرة، لكن من دون فائدة.
ويؤكد الحقوقي رياض حسين، الذي يمارس المحاماة منذ عام 2004، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ملف المعتقلين والمختفين شائك ومعقّد. ويقول: "الملف قائم منذ بداية حكم نظام الأسد، ويعود السبب الرئيس إلى الأحكام العرفية التي كانت تعتمدها السلطات المحلية، والتي كانت تتيح مداهمة الأماكن والمنازل من قبل أحد الأفرع الأمنية التابعة للنظام، سواء السياسية أو العسكرية أو الجنائية، وتعتقل الأشخاص وتقتادهم إلى جهة مجهولة، وقد يختفي الشخص عن الأنظار شهراً أو أشهراً، أو يختفي إلى الأبد، وحين مراجعة هذه الأفرع للسؤال عنه، يكون الرد المكرر هو عدم معرفة مكانه، أو إنكار وجوده".
يضيف حسين: "ملف المفقودين ليس معقداً ومأساوياً بالنسبة للأكراد فقط، بكل لمكونات الشعب السوري كافة، وأي شخص كان يُرفع بحقه تقرير لدى أي من هذه الأفرع يكون في دائرة الخطر، وفي حال توكيل محامٍ للدفاع عن أحد هؤلاء المفقودين، يقع المحامي نفسه تحت مراقبة تلك الأفرع، لذا لم يكن بوسعنا متابعة كثير من مثل هذه القضايا. الآن، ومنذ استلام إدارة العمليات العسكرية مقاليد الحكم، بدأ الناس بالسؤال عن مفقوديهم، ومراجعة سجن صيدنايا، والفرقة الرابعة، وفرع المزة العسكري، وكل من جرى تسليمه بيان وفاة من قبل تلك الأفرع يقوم بمراجعتها على أمل إيجاد مفقوده حياً. بحسب الإحصائيات، يتجاوز عدد المفقودين 300 ألف شخص، إلا أن المعتقلين الذين أُفرج عنهم أو الذين كانوا موجودين في الزنزانات لا يتجاوز عددهم ربع هذا الرقم".
يتابع: "رأينا بعض الأخطاء في عمليات الإفراج، إذ أُطلق سراحهم من دون العودة إلى ملفاتهم، رغم أن العديد منهم فقدوا الذاكرة، ولا يعرفون شيئاً عن ماضيهم. الأصح هو تجميع هؤلاء المساجين، ومراجعة ملفاتهم واحداً تلو الآخر، وتسليمهم إلى ذويهم، ونتمنى محاسبة مرتكبي تلك الجرائم، سواء في سجن صيدنايا أو غيره وفق قوانين حقوق الإنسان. القانون السوري القائم يجرّم حجز الحرية، كما يجرم التعذيب والقتل خارج القانون والتمثيل بالجثث، والمشاهد التي نراها على الشاشات تمثل عدداً من أفظع الجرائم، ويجب على نقابة المحامين السوريين رفع دعوى قضائية ضد كل من شارك في تلك الجرائم".
ما زال السبعيني محمد حسين شيخموس يأمل لقاء ابنه، بعد سنوات من الإخفاء، وقد قال في حديثه لـ"العربي الجديد": "أسكن القامشلي منذ أكثر من خمسين عاماً. ابني فرهاد كان يعمل في شركة نقل بدمشق، حيث رُفع به تقرير لدى أحد الأفرع الأمنية واعتُقل. قبيل الاعتقال، أخبرني بأن محافظ الحسكة نفسه سأل عنه قائلاً: "من هذا فرهاد الذي يمثل عصابة كردية في الكراجات؟". واعتُقل فيما بعد! حاولنا مراراً السؤال عنه وتوكيل محامين، ولكن دون جدوى".
يضيف شيخموس: "كان المحامون يخبروننا بأنه في سجن صيدنايا، وممنوع من الزيارات بسبب التهم الموجهة إليه، وبعضهم يخبرنا بأنه موجود في فرع فلسطين. كان في ضيافتي أحد المعتقلين معه في فرع فلسطين من مدينة الميادين، وأُعلمنا بخروجه من السجن. نتمنى أن يساعدنا أحد في إيجاده. فزوجته وبناته الأربع وضعهنّ يرثى له".