عائلات تبحث عن أبنائها بين الجثث بمستشفى في دمشق بعد سقوط الأسد

11 ديسمبر 2024
بحث بين الجثث داخل مستشفى في دمشق عن مفقودين
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تجمع العشرات في مستشفى المجتهد بدمشق للتعرف على جثث معتقلين تحمل آثار تعذيب، حيث عُثر على حوالي 35 جثة في مستشفى حرستا، وسط أجواء من الحزن والصدمة.
- أظهرت التحقيقات أن الجثث نُقلت من مستشفى حرستا وكانت مكدسة في غرفة تبريد، مع علامات تعذيب، وأكدت الفصائل المعارضة ضرورة توثيق هذه الجرائم.
- وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل نحو ستين ألف شخص تحت التعذيب في السجون السورية منذ بداية الحرب، مع استمرار الأهالي في البحث عن المفقودين.

في رواق مستشفى المجتهد الحكومي في دمشق، امتزجت الثلاثاء أصوات البكاء مع صرخات أمهات "أين أولادنا؟"، بعدما توافد عشرات السوريين للتعرّف إلى جثث معتقلين نُقلت إلى المكان وتحمل آثار تعذيب وكدمات. تسند نساء أنفسهن على الجدران، ويخرج رجال ومعالم الصدمة واضحة على وجوههم بعد معاينتهم صور نحو 35 جثة كانت فصائل معارضة عثرت عليها ليل الاثنين داخل مستشفى حرستا قرب دمشق.

في الباحة الخارجية للمستشفى، تقف طبيبة تحمل دفترا وقلما، وتتوجّه إلى الموجودين بصوت عال "من تعرّف ‘لى الجثة رقم تسعة؟". بالقرب منها، افترشت مجموعة من الأهالي الأرض، يعاينون صور الجثث التي وصلتهم إلى هواتفهم. من يتعرّف إلى جثة في الصور التي تحمل أرقاما، يبلّغ طاقم المستشفى الذي يخرج الجثة من البرّاد، ويسمح للشخص بالدخول لمعاينتها والتأكد مما إذا كانت عائدة لقريبه أو لا.

تخرج امرأة من المشرحة ويدها ملطّخة بالدماء. وتصيح أكثر من مرّة "لا يزال دمهم جاريا". لا تتمالك أخرى نفسها وتنفجّر باكية بعد أن تعرّفت إلى ابنها. لا تقوى على أن تجيب عن أي سؤال عن تاريخ اعتقاله أو عمره. قربها تقف أمهات يائسات لم يجدن أبناءهن. على باب براد مستشفى المجتهد، وقفت ياسمين شبيب (37 عاما) دامعة العينين، بعدما لم تجد شقيقها ووالدها اللذين اعتقلا عام 2013، في عداد الجثث. وتصيح السيدة القادمة من إدلب في شمال غرب البلاد "افتحوا لنا أقبية السجون ونحن نبحث عنهم... نبحث عنهم بين الجثث".

"تحت الأرض" 

وتضيف لوكالة فرانس برس، وهي تبكي: "وضعوا الناس تحت الأرض، لا في صيدنايا فحسب، سورية كلها يوجد تحتها صيدنايا"، السجن السيئ الصيت الذي شهد، وفق معتقلين سابقين ومنظمات حقوقية، أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات للكرامة الإنسانية. ملأ العشرات باحة مستشفى المجتهد الخارجية وأروقته، يسألون كلّ موظف أو طبيب عن مكان الجثث، بقلق وخوف، لكن أيضا رغبة بالتخلّص من حالة عدم اليقين حول مصير أحباء اعتقلوا وانقطعت أخبارهم منذ سنوات طويلة.

فور سماعه بإعلان الفصائل المعارضة إسقاط حكم رئيس النظام بشار الأسد وفراره من سورية، انتقل نبيل حريري (39 عاما) على وجه السرعة من درعا (جنوب) إلى دمشق، بحثا عن شقيقه المعتقل منذ عشر سنوات. ويقول لفرانس برس: "ذهبت إلى صيدنايا في اليوم الأول، لم أجده". لم يجد أخوه الذي اعتقل حين كان عمره 13 عاما، بين الجثث في المجتهد. ويشرح بتأثر بالغ "كان أخي طفلا، وأكثر الصور التي رأيتها لأشخاص أكبر سنّا". ويضيف "الغريق يتعلّق بقشة، ونحن نبحث ونسأل"، مشيرا إلى أن والدته "توفيت من شدّة حزنها عليه". ومع معاينته الصور التي تظهر آثار تعذيب شديد وكدمات، يقول "أن يكون شقيقي قد توفي إلى الله أفضل من أن يكون عند النظام".

"أحرقوا قلبي"

من أعزاز في شمال سورية، حضرت زهية رزوق (60 عاما) إلى المستشفى علّها تجد جثمان ابنها مهيار. وتقول باكية "كان ابني طالب جامعة في الرابعة والعشرين. أخذوه وأحرقوا قلبي" عام 2011، إثر بدء الاحتجاجات الشعبية السلمية التي قمعتها دمشق بالقوة قبل أن تتحوّل إلى نزاع مدمر تسبّب بمقتل أكثر من نصف مليون سوري. وتضيف الأم المكلومة "قالوا لي إنه قتل في عام 2014".

وكان فريق من الأطباء بردائهم الأبيض والكمامات والقفازات، يكشف عن الجثث. ويشرح الدكتور ياسر القاسم، المعاون الطبي في الهيئة العامة للطب الشرعي التابعة لوزارة الصحة، أن "الجثث وصلت من مستشفى حرستا، ولم نحدّد بعد زمن الوفاة أو طريقة الوفاة، لكن ما هو ظاهر أن الوفاة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص ليست قديمة".

بحسب فصائل معارضة، عثر على الجثث الاثنين مكدسة داخل غرفة تبريد في مستشفى حرستا، وموضوعة داخل أكياس بيضاء وعليها علامات تعذيب. وقال محمّد الحاج، من "غرفة عمليات الجنوب"، وهو ائتلاف فصائل معارضة، لوكالة فرانس برس عبر الهاتف حينها: "فتحتُ باب غرفة التبريد بيدي. كان المشهد مهولا، حوالى أربعين جثة مكدّسة داخلها وعليها آثار تعذيب لا يصدّقه عقل".

 "أحياء أم أموات؟" 

وأظهرت صور ومقاطع فيديو التقطها الحاج داخل مستشفى حرستا واطّلعت فرانس برس عليها، جثة شخص اقتلعت عيناه، وآخر اقتلعت أسنانه، ودماء تجمّدت على وجنة ثالث، بينما كانت الكدمات واضحة على أجساد آخرين. وبين الجثث، صرّة داخلها عظام وجثة شخص قفصه الصدري ظاهر. وشكّل مستشفى حرستا، وفق ما قال دياب سرية من رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، لفرانس برس: "مركزا رئيسيا لتجميع الجثث الآتية من صيدنايا أو مستشفى تشرين قبل نقلها إلى مقابر جماعية". وأضاف معلّقا على مقاطع الفيديو التي التقطها الحاج "من الضروري أن يجري توثيق ما رأيناه في هذا الفيديو من مستشفى حرستا"، مرجّحا أنها "جثث معتقلين" كانوا في صيدنايا.

ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قضى نحو ستين ألف شخص تحت التعذيب أو بسبب ظروف الاحتجاز المريعة في السجون السورية، ودخل نصف مليون شخص سجون السلطة، منذ بداية الحرب، وفقا للمصدر ذاته. ولم يجد سائق الأجرة خالد حمزة (60 عاما) ابنه الشاب في سجن صيدنايا ولا في مستشفى المجتهد في دمشق. لكنه يقول إنه عثر في صيدنايا على أوراق وسجلات عليها أسماء سجناء قرّر تقديمها إلى الشرطة، أملا في أن تساعد في العثور على مفقودين. ويقول من أمام مركز شرطة دمشق الذي بدأت هيئة تحرير الشام تسيير شؤونه، "الملايين يبحثون عن أولادهم، نريد أن نصل إلى شيء ما، أن نعرف هل هم أحياء أم أموات؟".

(فرانس برس)

ذات صلة

الصورة
تظاهرات لمؤيدي النظام السوري في حمص 25/12/2024 (لقطة شاشة)

سياسة

أعلنت قيادة العمليات العسكرية في سورية فرض حظر تجوّل في مدينة حمص واللاذقية عقب الاحتجاجات التي اندلعت اليوم في حمص وبعض المناطق في الساحل.
الصورة
داخل كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي في حلب، 12 ديسمبر 2024 (أوزان كوزيه/ فرانس برس)

مجتمع

بعد إطاحة نظام بشار الأسد، تحاول القوى الممسكة بإدارة سورية طمأنة الأقليات المسيحية في ظل المخاوف على مستقبلها إثر انحسار أعدادها بعد سنوات النزاع.
الصورة
استقبال معاذ مرعب من عائلته بطرابلس، 10 ديسمبر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

وصل، اليوم الثلاثاء، المعتقل اللبناني المحرر معاذ مرعب إلى منطقة أبي سمراء في مدينة طرابلس شمالي لبنان، بعد اعتقال دام 18 عاماً في السجون السورية
الصورة
واجهة زجاجية مهشمة في إحدى غرف مستشفى بيروت الحكومي (حسين بيضون)

مجتمع

تواجه المستشفيات في لبنان تهديدات إسرائيلية تذكر اللبنانيين بما شهدوه في قطاع غزة على الشاشات، ويسعى المعنيون إلى مناشدة المسؤولين الدوليين لتحييدها