عائلات مكلومة تبحث عن أبناء فُقدوا في قارب مهاجرين تونسيين من الحنشة

05 مايو 2024
من أمهات مهاجري الحنشة الذين فُقدوا، تونس، 23 إبريل 2024 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في بداية 2024، انطلق نحو 40 شاباً تونسياً من صفاقس نحو أوروبا بحثاً عن حياة أفضل، لكنهم اختفوا، تاركين عائلات تبحث عن معلومات عنهم.
- اليأس من الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس وقصص النجاح في إيطاليا عبر الشبكات الاجتماعية يحفز الشباب على المخاطرة بحياتهم للهجرة.
- العائلات والمجتمع المحلي يطالبون بتحرك السلطات للبحث عن المفقودين وتوفير فرص عمل للحد من الهجرة غير النظامية، مشددين على أهمية تطوير البنية التحتية والتعليم.

ما زالت عائلات مكلومة تبحث عن أبنائها الذين فُقدوا في البحر بعد انطلاق قارب مهاجرين تونسيين من الحنشة صوب "الجنّة" في أوروبا. وكان نحو أربعين شاباً تونسياً قد انطلقوا في مطلع عام 2024 من سواحل البلاد في رحلة هجرة غير نظامية نحو "الجنّة" في أوروبا، قبل أن تنقطع أخبارهم تاركين عائلاتهم تبحث يائسة عن بصيص أمل. وتفيد المعلومات القليلة التي جمعتها العائلات بأنّ أبناءها انطلقوا من سواحل محافظة صفاقس (وسط) التي تُعَدّ إحدى أبرز نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين من تونس في اتجاه إيطاليا، تحديداً في ليل 10-11 يناير/ كانون الثاني الماضي عندما كان البحر مضطرباً.

وتتراوح أعمار هؤلاء التونسيين الذين أبحروا في قارب رحلة هجرة غير نظامية ما بين 17 و30 عاماً، وهم يتحدّرون من الحنشة، وهي بلدة زراعية يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة وتقع على بعد 40 كيلومتراً إلى شمال مدينة صفاقس. ومن ركاب القارب كذلك امرأة وطفلها الرضيع البالغ من العمر أربعة أشهر.

إيناس اللافي شقيقة محمد، واحد من هؤلاء الذين خاضوا رحلة الهجرة تلك. هي لم تكن تعلم أنّ شقيقها محمد البالغ من العمر 30 عاماً سوف يقدم على ذلك، علماً أنّه كان يكسب رزقه من قيادة حافلة لنقل ركاب. وتخبر اللافي التي تعاني من الأرق مذ غادر شقيقها محمد، أنّه "خرج نحو الساعة العاشرة ليلاً وهو يحمل هاتفه فقط، من دون ملابس إضافية أو أيّ حقيبة ومن دون أن يعلم والدَيّ، كأنّما هو ذاهب للقاء أصدقاء له". بدوره، شارك يسري الحنشي البالغ من العمر 22 عاماً في رحلة الهجرة غير النظامية نفسها، خفية. ويلفت عمّه المدرّس محمد الحنشي إلى أنّ "هؤلاء الشبّان بمعظمهم لم يبلّغوا عائلاتهم، وانطلقوا بعد أن تمكنوا من جمع قليل من المال".

في المقابل، كان بائع السمك مفتاح جلول يعلم "منذ فترة" بأنّ ابنه محمد البالغ من العمر 17 عاماً "يريد الهجرة إلى أوروبا"، على الرغم من أنّه كان قد نصحه بـ"عدم القيام بذلك، لكنّ الفكرة تملّكته". ويشير جلول إلى أنّه حاول منع ابنه الوحيد من الخروج، في تلك الليلة المشؤومة، متوسّلاً إليه أن ينتظر فقط تحسّن الأحوال الجوية، لكنّه "قبّلني على رأسي وغادر". ويتملّك إحساس بالذنب هذا التاجر التونسي الذي يحكي أنّ ابنه كان "يفتعل مشكلة في البيت يومياً. هو كان يريد مالاً من أجل الهجرة، وأنا من أعطيته المال"، مضيفاً "لذا أنا المسؤول".

الصورة
اعتصام عائلات مهاجرين تونسيين في تونس - 17 إبريل 2024 (حسن مراد/ Getty)
مطالبة بالكشف عن مصير مهاجرين تونسيين في العاصمة تونس، 17 إبريل 2024 (حسن مراد/ Getty)

وكان التونسيون قد احتلّوا في عام 2023 الماضي المرتبة الثانية على صعيد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى سواحل إيطاليا مع 17 ألفاً و304 مهاجرين، بعد الغينيين الذين وصل عددهم إلى 18 ألفاً و204 وفقاً لبيانات رسمية إيطالية. ويقول المتحدّث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إنّه "لا يمكن تفسير ظاهرة الهجرة غير القانونية فقط استناداً إلى عوامل اقتصادية واجتماعية"، بل يُضاف "العامل السياسي والشعور باليأس لدى التونسيين الذين لا يثقون بمستقبل البلاد".

وقد تقاسم المهاجرون المفقودون من بلدة الحنشة، وهم من أبناء عائلات متوسطة الدخل وليسوا بالضرورة فقراء، هذا "الإحساس بانسداد الآفاق". وتلفت إيناس اللافي إلى أنّ شقيقها المهاجر محمد كان يعمل في مقابل "20 ديناراً تونسياً (نحو ستّة دولارات أميركية) يوماً، بالكاد تكفيه ثمن سجائره. وبالنسبة إليه لا يتيح له ذلك إنجاز مشروع ولا بناء منزل ولا الزواج".

أمّا محمد الحنشي، عمّ المهاجر يسري، فيقول إنّ "الشبّان (التونسيين) الموجودين حالياً في إيطاليا ينشرون على شبكات التواصل الاجتماعي تجاربهم و(تفاصيل) حياتهم اليومية"، مشيراً إلى أنّ الشبّان المتبقّين في الحنشة يتابعون ذلك ويرغبون بالتالي في "تغيير مستقبلهم. هم يتصوّرون أوروبا جنّة". ويرجّح أنّ هذه حال ابن شقيقه الذي كان يعمل في مقهى مقابل أجر يومي يبلغ 15 ديناراً (نحو خمسة دولارات)، بعدما انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية.

من جهته، يفيد مفتاح جلول أنّه حاول إقناع ابنه محمد، الذي ترك بدوره الدراسة، بالهجرة بطريقة نظامية إلى إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا. ويشدّد الأب: "لم يكن ينبغي عليه أن يغادر من دون مهارات مكتسبة أو مؤهلات، كان بإمكانه أن يتعلّم حرفة مثل السباكة أو النجارة". ويبحث جلول في الوقت الراهن عن بصيص أمل بشأن مصير ابنه، ويقول فيما تغلبه الدموع: "مرّت أربعة أشهر وأنا أبكي على فقد ابني"، مؤكداً "أنا و(أفراد) عائلتي مرهقون".

وراحت عائلة جلول وعائلات أخرى تتعلّق باحتمال أن يكون القارب الذي كان يقلّ أبناءهم المهاجرين قد انجرف نحو ليبيا، لكنّ الآمال تضاءلت بعد اتصالات ومتابعات. وتطالب العائلات السلطات التونسية المعنية بمواصلة البحث عن المفقودين، إلى جانب توفير مزيد من فرص العمل في الحنشة.

من جهتهما، يخشى محمد الحنشي وإيناس اللافي الأسوأ. ولا تخفي الأخيرة غضبها إزاء المهرّب الذي نظّم رحلة الهجرة غير النظامية التي خاضها شقيقها، إذ إنّ "الطقس كان سيّئاً جداً. فالصيادون الذين يعرفون البحر جيداً عادوا" إلى الميناء حينها. تضيف "كان يعود دائماً إلى هنا، لكنّنا لم نره هذه المرّة". ويرى الحنشي "وجوب تطوير المنطقة الصناعية وتوفير فرص عمل للشبّان"، ومن الضروري كذلك "إيجاد حالة ذهنية مختلفة" لجعل الناس يرغبون في بناء مستقبلهم في تونس، من خلال أنشطة تعليمية للشبّان، موضحاً أنّهم بعيداً عن ذلك "سوف يكتفون بالتردّد على المقهى أو بلعب كرة الطاولة أو الكرة الطائرة".

(فرانس برس)

المساهمون