بعد أكثر من سبعة أشهر على صدور قانون الدولار الطالبي في لبنان رقم 193 بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لا تزال صرخة أهالي الطلاب في الخارج حاضرة في شوارع العاصمة بيروت ومختلف المناطق، لكن من دون أيّ جدوى للمناشدات والتظاهرات المطلبية في إنهاء معاناة الأهالي ومأساتهم المستجدّة، وآخرها وفاة حسين كوثراني، أحد أولياء الطلاب بسبب أزمة قلبية أصابته بعد رفض مصرف تحويل المبلغ المطلوب من حسابه لصالح نجله الذي يتابع دراسته الجامعية في أوكرانيا. فعلياً لم تنفذ بنود القانون رقم 193 الذي يلزم المصارف اللبنانية بتوفير مبلغ 10 آلاف دولار أميركي (سنوياً) من حسابات المودعين لكل طالب لبناني وفق سعر الصرف الرسمي للدولار (1515 ليرة لبنانية لكل دولار)، وشابته استثناءات وتساؤلات بعدما استفادت منه عائلات قليلة استطاعت تحويل أموال إلى أبنائها الذين يدرسون في الخارج.
أمين سر الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية الدكتور ربيع كنج قال لـ"العربي الجديد": "حصلنا، بعد نضالٍ طويل، على ترخيصٍ للجمعية من وزارة الداخلية والبلديات في يناير/ كانون الثاني2021، وباشرنا في توجيه إنذارات قانونية وتقديم إخباراتٍ إلى النيابة العامة، ورفع دعاوى أمام القضاء بعدما لمسنا عمق الأزمة وتعثّر الحلول. وقد أثمر ذلك إصدار قانون الدولار الطالبي الذي نعتبره إنجازاً للجمعية رغم محاولات عرقلة تنفيذه".
وأوضح كنج أن بعض الأهالي يعانون من وضع اقتصادي صعب يجعلهم غير قادرين على تحويل أي مبلغ الى أبنائهم العالقين في الخارج، بسبب تراجع القيمة الشرائية لرواتبهم التي يتقاضونها بالليرة اللبنانية، ما يجعلهم في أمسّ الحاجة الى الدولار الطالبي. وهناك أهالي يريدون إلزام المصارف بالإفراج عن أموالهم ومدّخراتهم للتصرف بها".
يتابع كنج: "للأسف طبق قانون الدولار الطالبي على ناس وناس (على فئات دون أخرى)، فاستفاد منه نحو 100 من أصل 20 ألف طالب أو أكثر يدرسون خارج لبنان. وفيما لا تزال الحسابات المصرفية محجوزة، استرجع بعض الأهالي جزءاً يسيراً من ودائعهم، بعد خلافاتٍ أو دعاوى قضائية".
وإذ يتجنب كنج وصف آلية تنفيذ القانون بأنّها "استنسابية، أو شملت أزلام السلطة تحديداً"، يشدّد على أنّ بعض الأهالي الذين استحصلوا على تمويل لأولادهم لم يحظوا بأي وساطة سياسية. "لكن ما يثير التساؤل كيف نفّذ أحد المصارف تحويلات مالية لنحو 25 طالبا من فرعٍ في منطقةٍ واحدة، في وقت لم يسمح لفروعه المنتشرة حول لبنان بإجراء أي تحويلات على أساس الدولار الطالبي، ونسأل أين ذهبت الأموال التي كشفتها جمعية مصارف لبنان باعتبارها أُرسلت الى الخارج وفق سعر الدولار الطالبي، والتي ناهزت 240 مليون دولار؟". ويُشير كنج إلى "العودة إلى مجتمع المبادلة، في ظل مطالبة بعض الأهالي معارفهم أو أقاربهم في البلد الذي يدرس فيه أبناؤهم، بأن يقدّموا لهم المبالغ المطلوبة على أن يسددوها بدورهم إلى ذويهم في لبنان، ما يوفّر قيمة التحويل. وأنا شخصياً أرسل الأموال لنجلَيّ في كندا والولايات المتحدة الأميركية عبر أحد الأقرباء أو الأصدقاء المسافرين إلى هذه الدول".
مستقبل مجهول
في حكايات أخرى للأهالي مع الدولار الطالبي، ذاق مواطنان من بلدة مجدل عنجر البقاعية اللّوعة ذاتها. ابن المزارع زاهي صالح الذي كان باشر سنته الأولى في تخصص الطب في بيلاروسيا، عاد قبل نحو شهرين إلى لبنان، وانضمّ إلى صفوف الطلاب الذين حُرموا حقّهم في التحصيل الجامعي. يقول صالح، وهو أب لثلاثة أولاد: "وضعنا أملنا في الدولار الطالبي، لكننا لم نستفد منه. لم أعد قادراً على تحويل أي مبلغ، فأنا لا أملك حساباً مصرفياً ولم يعد ما أجنيه من الزراعة يكفي عائلتي في ظل تراجع الموسم وأزمة تصريف الإنتاج اللبناني. فكيف أرسل إلى ابني نحو 600 دولار شهريّاً عبر إحدى شركات تحويل الأموال، كما كنت معتاداً، بعدما بات شراء الدولار من السوق السوداء بعيد المنال، إذ إنّ مبلغ 600 دولار الذي كان يعادل 900 ألف ليرة لبنانية بات اليوم يوازي سبعة إلى ثمانية ملايين ليرة؟".
كذلك أجبرت الظروف الصيدلي صالح حسين، وهو أب لولدين، على إعادة نجله إلى لبنان بعدما شارف على إنهاء سنته الثالثة في اختصاص الطب العام في بيلاروسيا أيضاً. وهو أبدى في حديثه لـ "العربي الجديد" أسفه لعجزه عن تحويل الأموال في ظل أزمات البلاد، وعدم تطبيق قانون الدولار الطالبي. وناشد الدولة بأن تضع "صيغة تضمن متابعة أبنائنا تحصيلهم الجامعي، بدلاً من خسارة سنواتهم الدراسية، بسبب سياسيين ونواب لا يبالون بمصيرهم". أمّا فاطمة صدقة التي حاولت حرق نفسها أمام أحد المصارف، فيُخطط ابنها الذي يدرس طب الأسنان في الخارج وهو في سنته الثانية، للعودة إلى لبنان إذا لم تُحل الأزمة، خصوصاً أن والده يعمل سائق تاكسي وبات لا يستطيع تحويل أي مبلغ له بعدما توقف عمله مرات بسبب جائحة كورونا وتطبيق حظر التجول.
وقالت صدقة، وهي والدة لأربعة أولاد لـ "العربي الجديد": "حاول ابني العمل لتأمين لقمة عيشه، بعدما طردته الجامعة قبل نحو شهرين بسبب عجزه عن دفع القسط. الحقيقة أن السياسيين دمّروا مستقبل أولادنا. وإذا عاد ابني لن يستطيع متابعة تعليمه هنا، ويكون بالتالي قد خسر سنتين من عمره، كما سيُعاني من مشاكل نفسية صعبة على غرار شبان كثيرين". تجدر الإشارة إلى أن مصرف لبنان كان وجّه في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2020 تعميماً إلى المصارف اللبنانية للالتزام بقانون الدولار الطالبي، غير أنّ المصارف امتنعت عن ذلك، ولا تزال ممتنعة لغاية تاريخه.