طلاب على المقاس... نظام يقيّد الأنشطة الحزبية في جامعات الأردن

08 يناير 2023
مؤشرات لتقييد الأنشطة الحزبية في الجامعات الأردنية (صلاح ملكاوي/Getty)
+ الخط -

كانت الآمال كبيرة على نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية بمؤسسات التعليم العالي في الأردن الذي نشر في الجريدة الرسمية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ويرتقب تطبيقه بعد 6 أشهر، لكن العديد من الطلاب النشطاء في ممارسة العمل الحقوقي والسياسي في الجامعات يرون أن السلطات تعمدت تفريغ هذا النظام من هدفه الرئيسي المعلن، والمتمثل في جعل الطلاب والشباب ينخرطون في العمل العام، وقيّدت الموافقات الممنوحة على إقامة نشاطات حزبية
وانتقد الطلاب النشطاء تحديداً إعطاء النظام صلاحيات واسعة لعمداء شؤون الطلاب للسماح بأي نشاط حزبي أو منعه أو تعديله، والتدخل في تفاصيل مكان تنظيمه وزمانه والمشاركين فيه ومحتواه. واعتبروا أن النظام محاولة لتشريع تقييد العمل السياسي في مؤسسات التعليم العالي، وفرض مزيد من الرقابة عليه. 
ويُلزم النظام مؤسسات التعليم العالي والعاملين فيها بآلية تنظيم الأنشطة الحزبية، وتنظيم الطلاب النشاطات الحزبية في أماكن وأوقات تخضع لموافقة خطية من عمادة شؤون الطلاب قبل الإعلان عنها أو بدء تحضيرات تنظيمها، كما يؤكد أهمية الحفاظ على سلامة منشآت مؤسسة التعليم العالي ومرافقها، وحسن سير عملية التعليم فيها، وعدم القيام بأي تصرفات تعيقها، خصوصاً خلال فترات الامتحانات والفعّاليات التي تقيمها مؤسسات التعليم العالي، بينها مراسم التخرج، وأيضاً عشية موعد انتخابات مجالس الطلاب أو الاتحادات أو الجمعيات أو النوادي الطلابية. وفي أيام هذه الانتخاب يجب الامتناع عن استخدام اسماء وشعارات مؤسسات التعليم العالي في النشاطات الحزبية، وعدم جمع تبرعات أو تلقي دعم مالي.
ووفق النظام يجب أن يقدم الطلاب طلبات خاصة بتنظيم النشاطات إلى عمداء شؤون الطلاب في مؤسساتهم التعليمية قبل 10 أيام من إقامتها ضمن نماذج تتضمن عناوينها وطبيعة أنشطتها وأهدافها، مع إرفاقها بأسماء ثلاثة على الأقل من مقدمي كل طلب، وورقة موافقة الأمين العام للحزب، وصورة عن بيان الدعوة، وتحديد أسماء المتحدثين الرئيسيين.
إلى ذلك يحظر النظام مساءلة مؤسسة التعليم العالي الطالب أو التعرض له بسبب ممارسة نشاط حزبي "مسموح"، أو الانحياز لصالح أي حزب أو التأثير بأي شكل على الطلاب المنتمين إلى الأحزاب، وكذلك سماح إدارات مؤسسات التعليم العالي باستخدام أي مكان في الحرم الجامعي كمقر أو مكتب للحزب، وحظر تأثير أعضاء الهيئة التدريسية والعاملين على الطلاب بسبب انتماءاتهم الحزبية. 

الصورة
نهج جديد في تعاطي السلطات مع الطلاب الحزبيين (محمود شوكت/ فرانس برس)
نهج جديد في تعاطي السلطات مع الطلاب الحزبيين (محمود شوكت/ فرانس برس)

يقول مسؤول كتلة "التجديد العربية" في الجامعات الأردنية مالك أبو الهيجاء لـ"العربي الجديد": "يعمّق نظام العمل الحزبي اعتقاد الطلاب وكل القوى السياسية بعدم توفر إرادة حقيقية لدى الحلف الطبقي الحاكم لخلق عمل سياسي وحزبي حقيقي". 
يضيف: "أضفى النظام شرعية قانونية ودستورية على الممارسات المقيّدة للحريات، والتي تطبقها مجالس عمادة شؤون الطلبة من دون رقيب أو حسيب منذ سنوات، كما يتجاوز هذا الأمر عبر توسيع الصلاحيات الممنوحة لعمداء شؤون الطلاب من أجل تعديل الأنشطة والتدخل في تفاصيلها. وتنسجم نصوص هذا النظام مع قانون العمل الحزبي الذي أقرّ أخيراً لتغيير مناهج الحياة الحزبية، والالتفاف على منجزات الحركة الوطنية الأردنية، ومنها الحركة الطلابية، وحتى تقزيم انتخابات الاتحادات الطلابية، إلى مستوى أندية طلابية أو جمعيات طلابية محدودة الصلاحيات ومحصورة في قضايا محددة".
ويعلّق أيضاً بالقول: "أعتقد بأن هذا النظام يكمل مسار مرحلة سياسية سابقة اتسمت بالتضييق وملاحقة أي تيار سياسي يملك وجهة نظر ورؤية للأزمة المركبة التي يمر بها وطننا. ويضرب النظام أيضاً الفكرة الوطنية والقومية التي تتبناها القوى الطلابية في الجامعات، ويفتح مؤسسات التعليم العالي أمام المنظمات الأجنبية ذات الأجندات المشبوهة للعمل من دون قيود". 
ويرى أبو الهيجاء أن التصدي لبنود النظام "مهمة ملحة تقع على عاتق كل القوى الطلابية والسياسية التي تلمس جلياً نهجاً جديداً في التعامل يرتكز على مبدأ الرفض والإلغاء والتسويف والمماطلة. وبدأ ذلك منذ جائحة كورونا التي تذرعت الحكومة بها لفرض شكل جديد من العمل، وتقليص هامش الحريات العامة، وهي تكمل الآن ما بدأته وتضفي الشرعية عليه في سبيل خلق حركة طلابية بالمقاس المطلوب، وضمن الأسقف المراد عدم تجاوزها والتابعة مباشرة لمجالس عمادة شؤون الطلاب". 

بدوره، يرى محمود نصار من كتلة "العهد الطلابية" في الجامعة الهاشمية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "القانون يتضمن تناقضات، فالحديث عن تمكين الشباب ومنح مساحات للعب دور في صناعة المستقبل السياسي والحزبي لا يتوافق مع النظام الجديد الذي يحصر العمل السياسي بالأحزاب فقط، ويقيّد أدوار الكتل الطلابية وحركتها بموافقات من عمادة شؤون الطلبة والأمين العام للحزب، وهو من خارج بيئة الجامعة حيث يكون الطلاب الأكثر قدرة على اتخاذ القرارات التي تهم زملاءهم وقضاياهم وتوجهاتهم السياسية والحقوقية". يتابع: "يجعل النظام الطلاب جزءاً من تجاذبات الأحزاب مع الحكومة، وكل الأحزاب في الأردن تخضع اليوم لمضايقات وضغوط، ولا تتحكم بقراراتها، كما أن ربط أي نشاط بموافقة عميد شؤون الطلاب يجعله ينفذ دور الحاكم الإداري بالتضييق والمنع، وهكذا يقيّد النظام الجديد الحركة الطلابية في شكل أكبر". 
ويرى أن "النظام يتضمن مواد فضفاضة جداً تعطي عميد شؤون الطلاب صلاحيات فرض سطوته على الحركة الطلابية، وتهميش الطلاب غير الحزبيين، إذ ليس شرطاً انتماء طالب مهتم بالقضايا السياسية إلى حزب معيّن، وهناك كتل طلابية لا تنتمي إلى أحزاب، وتعبر عن مواقفها السياسية مما يجري في الجامعات والدولة، ما يجعل النظام قاصراً".
ويرفض نصار النظام الجديد بكل تفاصيله، "فأصلاً يجب ألا يكون هناك نظام لتنظيم العمل الحزبي في الجامعات، بل نظام أو اتفاق مع الكتل لتنظيم العمل الطلابي والحزبي الجامعي كتدريب للشباب على ممارسة العمل الحزبي في المستقبل، والانخراط فيه في شكل صحيح. ويجب عدم النظر إلى الطلاب بأنهم غير ناضجين ومدركين للعمل السياسي، فالطلاب كانوا أحياناً كثيرة قادة في مواجهة قرارات سياسية انعكست سلباً على الوطن والمواطن". 

الصورة
الأنشطة الحزبية في الجامعات قد تغدو بمستوى أندية طلابية (محمود شوكت/ فرانس برس)
الأنشطة الحزبية في الجامعات قد تغدو بمستوى أندية طلابية (محمود شوكت/ فرانس برس)

من جهتها، ترى شمس شديد، الطالبة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبية بمؤسسات التعليم العالي يوحي بعكس المعلن في ظل تغيب اتحادات الطلاب، وإصدار أنظمة ضد الحريات، وهو بالتالي أقرب لتوجيه نحو زيادة تقييد الحركة الطلابية". تضيف: "من الأجدر أن تملك الجامعات صوتاً ينبع من حنجرة الطلاب الفقراء للتعبير عن آرائهم والمشاكل التي يواجهونها في يومياتهم الجامعية، خصوصاً مع تنامي نهج الخصخصة على صعيد المؤسسات، وتبني سياسات تتجه نحو الإفقار في العقود الأخيرة".
أما محمد العبادي، الطالب في جامعة البلقاء التطبيقية، فيقول لـ"العربي الجديد": "لست مقتنعاً بصدق وجدية الحكومة في فتح المجال أمام الطلاب أو حتى المواطنين بممارسة العمل الحزبي الحقيقي إلا في إطار مزيد من مراقبة الطلاب ومتابعة تحركاتهم وتوجهاتهم السياسية، وخارج الجامعات نرى توقيف كثير ممن يخالفون سياسة الدولة وتوجهاتها". 
يضيف: "تجعلنا مشاهداتنا نفقد الثقة بالتوجهات الحكومية للإصلاح السياسي والاقتصادي، ومجلس النواب الضعيف يكشف واقعاً يختلف عن التصريحات والمواقف المعلنة. وتجربة نقابة المعلمين التي أجهضت، وملاحقة المعلمين بأرزاقهم والتضييق عليهم بعملهم بسبب مواقفهم النقابية والسياسية. كما أن الطلاب الذين يخالفون توجهات الحكومة بالانضمام إلى أحزاب معارضة يجري التضييق عليهم في الحصول على عمل".
ويعتبر منسق الحملة الوطنية لأجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" الدكتور فاخر دعاس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "أول إشكالات نظام تنظيم الأنشطة الحزبية في مؤسسات التعليم العالي هو عنوانه، فاسم نظام تنظيم ممارسة الأنشطة وليس ممارسة العمل الحزبي في الجامعات يعني أن النية هي تقزيم العمل الحزبي ليصبح مجرد تنظيم لنشاط يشبه التجاري، وينتهي بترك مكان تنظيمه بلا أثر حقيقي. وفي ظل القراءة التاريخية لما يحدث في الأردن، نتوقع دائماً عند الحديث عن إصلاح أن يأتي بنتائج عكسية على  صعيد تقييد الحريات والمساهمة في تراجع ظروف ممارسة العمل السياسي، وزيادة الضغوط على الأحزاب والنقابات وباقي الأطراف المعنية". وحول الأجواء في الجامعات بعد إقرار النظام الجديد، يوضح دعاس أن "غالبية القوى الطلابية أبدت رفضها لبنوده، باعتباره يعيق ممارسة العمل السياسي".

المساهمون