"السّْبيبة" هي أحد طقوس إحياء ذكرى عاشوراء التي تقام جنوبي الجزائر، وتحديداً في مدينة جانت، ضمن عادات خاصة بجماعات الطوارق التي يتكلم أفرادها اللغة الأمازيغية (اللهجة الطارقية)، وتقام ضمن أجواء تغمرها الفَرحة والفُرجة.
ويتضمن التقليد السنوي لـ"السّْبيبة" التي تعني حطّ الرحال، في مدينة جانت التي تبعد مسافة 2300 كيلومتر جنوبي الجزائر العاصمة، مراسم خاصة بمناسبة يوم ذكرى عاشوراء تمثل تظاهرة تراثية تتزامن مع حلول اليوم التاسع والعاشر من شهر محرم بحسب التقويم الهجري.
تعيش مدينة جانت خلال فترة مراسم "السّْبيبة" على وقع مشاهد رقصات جماعية يؤديها رجال يرتدون أزياء المحاربين، ويتبارزون ويتنافسون في ما بينهم، وتترافق مع إيقاعات موسيقية ناتجة من الدق على الطبول والدفوف. ويجرى ذلك ضمن مساحات مفتوحة، في أجواء تعكس مشاعر الاطمئنان والتآخي بين المجموعتين المتبارزتين. وتنتهي مشاهد المراسم باتفاق المجموعتين على التعاون لدرء المخاطر المحدقة، وتجديد عهد التآلف بينهم.
وتعد طقوس "السّْبيبة" من أهم المناسبات المحلية العريقة الخاصة بمجتمع الطوارق، وتعود مراسمها إلى قرون سابقة حين أبرمت قبائل الطوارق جنوبي الجزائر الصلح والسلم مع سكان القصرين العتيقين "أزلواز" و"الميهان"، ثم باتت تقليداً يعبّر عن أهمية الأمن والاستقرار السائدين في ربوع المنطقة.
يعتبر عضو مؤسسة سفراء شباب الجزائر، أحمد بالتو المتحدر من مدينة جانت، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن طقوس "السّْبيبة" دينية وثقافية وسياحية خاصة بمنطقة جنوب الجزائر. ويقول: "تضم التظاهرة السنوية مهرجان المنافسة بين مجموعتين تجمع الأولى سكان قصر أزلواز شمال واحة جانت، والثانية سكان قصر الميهان جنوب هذه الواحة. ويطلق على المهرجان اسم تيمولاوين الذي يعني المدح والثّناء من خلال الإيقاعات التي تصدرها آلة موسيقية تعرف باسم قانقا (الدفّ) باللغة الأمازيغية، وأصوات النساء اللواتي ينشدن أغاني خاصة ولوحات الرقص التي يؤديها الرجال. ويجرى في هذه المراسم اختيار أفضل مستخدمي آلات الطرق والمغنيات والراقصين من كلا المجموعتين، وكذلك أفضل ضاربي السيوف التي تدرج ضمن لوحات العروض الممتعة للمشاركين والمشاهدين معاً".
وبعد اختيار أفضل العروض الفنية للمشاركين، استناداً إلى المهارات التي يظهرونها وتنال إعجاب الجميع، سواء في العزف أو الرقص أو المبارزة التي تشمل عناصر المجموعتين، يجري تحضير المراسم العامة للمناسبة من خلال ارتداء المشاركين لباساً حربياً يطلق عليه اسم "تكمبوت"، حيث تتبعهم خلال المراسم مجموعة من النساء والمنشدات والطارقات على الدف.
وعلى هامش المراسم تحتضن الساحة المخصصة للمهرجان معارض تقليدية يطلق عليها اسم "تكْمسِين" أو "عرض الأزياء الخاصة بسكان المنطقة، حيث يرتدي مشاركون مختلف الصناعات التقليدية الخاصة بمدينة جانت، ويحملون أسلحة تقليدية متنوعة.
وتتضمن المراسم أيضاً طقس "أغلاي نأوتاي" (تجديد السنة)، الذي يشهد تنفيذ مشاركين جولة في المكان الذي يقع على حدود حدائق الجماعتين، والنقر على السيوف الذي يترافق مع إيقاع "قانقا"، وأغاني تؤديها نساء وأهازيج يطلقها الأطفال.
وتحمل طقوس "السّْبيبة" قدسية في قلوب الجزائريين عموماً وسكان جنوب البلاد خصوصاً. وجميعهم توارثوا جيلاً بعد جيل مراسمها التي تختلف بين مدينة وأخرى وأجواءها التنافسية التي تضمن الفرجة الممتعة، وتعكس تقليداً اجتماعياً يوثّق العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد.
ويخبر الباحث في الأنثروبولوجيا بجامعة أدرار جنوبي الجزائر عبد الله عماري، "العربي الجديد"، أن "الأماكن المخصصة لاحتفالات عاشوراء في المنطقة هي ساحات دغ الزاوية وخايلة". ويلفت إلى أن اختيار مكان العروض يرمز في حدّ ذاته إلى السلم والتضامن واللحمة الاجتماعية السائدة في المنطقة.
ويوضح أن "المناسبة ذات الأبعاد الإنسانية تعبّر عن السلام بين قبائل طوارق جبال الهقار في مناطق جنوب الجزائر"، مشدداً على أهمية رموز المراسم التي تتزامن مع ذكرى عاشوراء، ورفض التفرقة بين سكان الصحراء. وتشكل المناسبات والأعياد الدينية والمحلية في الجزائر هوية ثقافية يحرص عليها السكان لضمان التماسك الاجتماعي. وقد أدرجت طقوس "السّْبيبة" وما يرافقها من عادات وتقاليد مرتبطة بها كحدث تاريخي يترافق مع إبراز قيمة الأزياء الرسمية والأسلحة التقليدية للطوارق، والحلي والآلات الموسيقية، ضمن قائمة "اليونسكو" للتراث العالمي غير المادي عام 2008 بعنوان: "طقوس ومراسم السّْبيبة في واحة مدينة جانت بالجزائر".
وتتنوع في الجزائر المراسم الخاصة بإحياء ذكرى عاشوراء، إذ تتمسك العائلات في مختلف المناطق بعادات أهمها ما يعرف باسم " الوزيعة" التي تعبر عن التضامن والتكافل بين أفراد المنطقة الواحدة، وتشهد ذبح المواشي وتقسيمها وتوزيعها على الفقراء.
وعلى غرار إحياء سكان مدينة جانت مراسمها الخاصة بذكرى عاشوراء، من خلال طقوس "السّْبيبة"، تقام في مناطق كثيرة ولائم جماعية تحمل اسم "الوعدات"، وهي عادة تتلخص في طهي طبق "الكسكسي باللحم" وتحضيره بكميات كبيرة في جو تعاون عائلي، ويجرى تقاسمه مع الفقراء لترسيخ عادات ترمز إلى تماسك المجتمع الجزائري. كما تحيي عائلات جزائرية يوم ذكرى عاشوراء من خلال طهي الأطباق التقليدية التي ترمز إلى الخير، وتحتوي مكوناتها على دقيق ولحم وحمص وخضار مختلفة. وهكذا تتفنن النساء في طبخ ما لذّ وطاب من طبق "التريدة" و"الشخشوخة"، ما يشكل فرصة جيدة لاجتماع العائلات، والاحتفال بعشاء ذكرى عاشوراء، وتقديم الزكاة.