يتعرّض الأطفال في مناطق النزاع في الشرق الأوسط إلى خطر القتل والإصابة والتجنيد، واستخدامهم دروعاً بشرية وإجبارهم على خوض المعارك. ولا يعرف بعض الفتيان والفتيات سوى العنف والتشرد والجوع والقهر ونقص التربية والتعليم والرعاية الطبية، وسط ظروف حياتية خطرة تحرمهم من حق العيش بهناء بعيداً عن الألم والمشاكل المتنوعة التي تؤثر على مستقبلهم.
تؤكد تقارير أن ملايين من أطفال الشرق الأوسط لا يعرفون إلا الحرب والإرهاب والجوع وسوء التغذية الذي يقزّم نموهم، ويتعرضون إلى صدمات نفسية بسبب الهجمات بالقنابل وموت أهلهم وأقاربهم أمام أعينهم، وعدم التحاقهم بالمدارس.
وتكتب مجلة تاغس شبيغل الألمانية أن "هذه الأوضاع السيئة لا تجلب الكوارث للأطفال وحدهم، إذ قد تتسبب في عواقب اجتماعية واقتصادية طويلة الأجل مع تأجج الصراعات وعدم الاستقرار في البلدان المعنية"، علماً أن منظمات الإغاثة تكرر تحذيراتها من أن احتياجات اليوم تغذي حركات اللاجئين غداً، في إشارة إلى نمو جيل ضائع في الشرق الأوسط.
ويتحدث نائب المدير الإقليمي لمساعدات الأمم المتحدة الإنسانية في سورية مارك كوتس، لـ"تاغس شبيغل"، عن مواجهة الأطفال نتائج العنف والحرمان والفقر المدقع، وفقدان بعض من أصيبوا في معارك أو غارات جوية بصرهم وأطرافهم، وتأثرهم نفسياً بمقتل آبائهم وأشقائهم، وطردهم من ديارهم والعيش في خيم أو تحت أنقاض بيوت مدمرة، في ظل أسوأ أزمة نزوح في القرن الحادي والعشرين.
وتفيد الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأنّ حوالى 30 ألف طفل قضوا في سورية خلال أكثر من 10 سنوات من الحرب، بينهم 181 وقعوا ضحايا لعمليات تعذيب. فيما تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى مقتل وجرح أكثر من 10 آلاف طفل في اليمن الذي يشهد حرباً أهلية منذ عام 2015، وحاجة أكثر من 11 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، ومعاناة مليونين من سوء التغذية، وسط مخاوف من موت حوالى نصف مليون شخص من الجوع إذا لم يحصلوا على مساعدات عاجلة.
إلى ذلك، يتعايش حوالي 15 مليون طفل تراوح أعمارهم بين 5 أعوام و14 عاماً في العراق وليبيا وغزة مع غياب التعليم، بحسب ما توثقه تقارير أصدرها البنك الدولي و"يونيسف" ومنظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونيسكو)، والتي تشير أيضاً إلى أن اثنين من كل ثلاثة أطفال في منطقة الشرق الأوسط لا يجيدون القراءة بشكل صحيح، علماً أن نحو 60 في المائة من الأطفال في شمال غربي سورية لا يذهبون إلى المدرسة.
وتقول "يونيسف" إن وضع الأطفال في منطقة الشرق الأوسط زاد سوءاً مع تفشي وباء كورونا، وحوالى 40 مليوناً غير قادرين على الوصول إلى أجهزة كمبيوتر وهواتف ذكية وإنترنت، بخلاف ما يحصل في دول متقدمة مثل ألمانيا حيث يتلقى مراهقون دروسهم عبر الإنترنت. وتحذّر المنظمة من أن انتشار الجهل يجعل القاصرين يقعون فريسة سهلة في شباك المتطرفين، علماً أن معهد "بروكينغز" للبحوث يعتبر أن الأجر الشهري المقدر بحوالي 400 دولار لطفل محارب مغرٍ جداً.
وفيما تقدّر منظمات دولية إجمالي الأضرار التي لحقت بمنطقة الشرق الأوسط بنحو 900 مليار يورو، تكتب "تاغس شبيغل" أنه "حتى لو استطاع الأطفال الوصول إلى فصول الدراسة فوراً، لن يضمن ذلك توفير مستقبل جيد لهم، لأن العديد منهم لن تسنح لهم فرص نيل مداخيل جيدة حين يصبحون بالغين"، وتشير إلى أن "أنظمة التعليم في دول شرق أوسطية عدة قديمة، وتخدم مصالح أركان السلطة الذين يريدون استبعاد الأفكار المستقلة التي تنتقد قراراتهم وأفعالهم".
نقص الدعم الدولي يفاقم أزمات اللاجئين والنازحين
يقول كوتس إن "الأمم المتحدة لم تفعل الكثير للاجئين حتى الآن، في ظل غياب المساعدات المالية الطويلة الأمد، واستثمارها في تحقيق المصالح الذاتية للدول المانحة بدلاً من ربطها بمشاريع تجلب السلام والاستقرار، ما حتم تزايد عدد الناس الذين غادروا بلادهم، في ظاهرة لا تزال مستمرة".
في السياق، يشكو مدير مركز برلين للعمل الإنساني الذي يحلل نقاط القوة والضعف في المساعدات الإنسانية الممنوحة رالف زودهوف من نقص الموارد المالية المطلوبة لتوفير المساعدات العاجلة، ويوضح أنه جرى توفير نسبة 30 في المائة فقط من المساعدات اللازمة للاجئين السوريين في المنطقة عام 2021، في حين يصف الالتزام المالي الذي أطلقته الحكومة الاتحادية الجديدة في برلين بشأن اللاجئين بأنه "مثير للإعجاب، لكنه لا يكرّس الأساس السياسي المطلوب لمعالجة الأزمات".
وقدمت الحكومة الألمانية نحو 700 مليون يورو للسوريين والدول المضيفة للاجئين في منطقة الشرق الأوسط خلال العام الماضي. وتوقعت "تاغس شبيغل" أن تقدم برلين مبلغاً مماثلاً هذا العام، فيما كشفت وزارة التنمية والتطوير الألمانية أنها وفرت حوالي 7.4 مليارات يورو للسوريين والدول المجاورة لها بين عامي 2012 و2020، ونحو 1.07 مليار يورو هذا العام، بينها 118 مليون يورو لليمن.
ودعا الزعيم المشارك لحزب الخضر أوميد نوريبور في وقت سابق إلى إخضاع المساعدات لمراقبة ميدانية شاملة، وضمان عدم وصولها إلى أطراف متحاربة، والضغط على الحكومات لتحسين الظروف المعيشية للناس، تمهيداً للحدّ من مخاطر زعزعة الاستقرار، وإعطاء الجيل الضائع فرصة.
"ألعاب قذرة" على أبواب أوروبا
وأعلنت منظمة العفو الدولية أخيراً رصد أدلة جديدة على تعرّض مهاجرين بينهم أطفال لعمليات ابتزاز وتعذيب وإساءة معاملة على أبواب أوروبا، بينها استدراج 75 شخصاً إلى بيلاروسيا بين يوليو/ تموز ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، بوعود كاذبة بالوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي من دون مواجهة مشاكل، قبل أن يتوقف مسار لجوئهم على الحدود الشرقية لأوروبا بين بيلاروسيا وبولندا.
ونقلت شهادات مروعة عن تعرّض أطفال للضرب بعصي وأعقاب بنادق على أيدي قوات الأمن في بيلاروسيا، ومهاجمة كلاب حراسة لهم. وتحدث الأمين العام لمكتب منظمة العفو الدولية في ألمانيا ماركوس بيكو عن "محاصرة سياسيين بلا ضمير الناس على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، ووقوعهم ضحايا لانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ترتكبها سلطات الدولتين التي تمارس ألعاباً قذرة معهم، خصوصاً الأطفال والمراهقين الذين يعانون من الجوع والبرد. وبدلاً من تقديم مساعدات لهؤلاء الناس، يهاجمهم رجال الأمن في البلدين بوحشية مروعة تشكل تمادياً واضحاً ضدهم وانتهاكاً لواجبات حمايتهم تنفيذاً لاتفاق جنيف الخاص باللاجئين.
ويطالب بيكو الاتحاد الأوروبي بالتراجع عن إعلان دعمه غير المشروط لبولندا في التعامل مع اللاجئين، واتخاذ إجراءات لضمان المراقبة الفعّالة لحقوق الإنسان وسيادة القانون على حدوده الخارجية، والضغط على بولندا لرفع حال الطوارئ من أجل السماح بوصول منظمات الإغاثة والمراقبين المستقلين بلا عوائق، كما يدعو وارسو إلى تقديم مساعدة فورية شاملة للمحتاجين.
وفي السياق، تشير تقارير إلى أن الأطفال الموجودين في مخيمات اللجوء باليونان يعانون من الجوع، لأن أثينا تؤخر منذ فترة دفع أموال منحها الاتحاد الأوروبي لأهلهم رغم المناشدات المستمرة من منظمات الإغاثة.
ذكرت صحيفة دي تسايت أخيراً أنه وخلال العام الماضي كانت هناك زيادة كبيرة في طلبات اللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أنه تم تسجيل 648 ألف طلب في الدول الأعضاء، وهو أعلى بمقدار الثلث مما كان عليه في العام 2020، إذ كانت أكبر كتلة من المتقدمين من سورية بحوالي 117 ألف طلب، وأفغانستان 102 ألف طلب، وقد منحت السلطات في الدول الأعضاء حق اللجوء لحوالي 118 ألف طالب لجوء، ومنحت 64 الفاً حق الحماية الذي شمل قاصرين غير مصحوبين بذويهم.
وتلقت ألمانيا معظم طلبات اللجوء في العام 2021 وبلغ عددها 190.816 طلباً تليها كل من فرنسا وإسبانيا وايطاليا. وفي النصف الأول من العام الحالي تلقى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في البلاد 58.383 طلباً أولياً و12.666 طلب متابعة بهدف الحصول على حق اللجوء، توزعت معظمها في كل من ولايات شمال الراين فستفاليا وبافاريا وساكسونيا السفلى.
ويشكل المهاجرون الآتون من أفغانستان وسورية ثلثي الذين قدموا طلبات لجوء، يليهم المهاجرون من باكستان والعراق.