استمع إلى الملخص
- رغم سقوط نظام الأسد، لا تزال بعض المليشيات موجودة، مما يثير قلق السكان. الوضع الخدمي والمعيشي في ضواحي دمشق لا يزال سيئاً رغم بعض التحسن في أسعار السلع الأساسية.
- تعتمد الحكومة على عناصر محلية لضبط الأمن في المناطق التي لا تستطيع إرسال عناصر أمنية إليها، وتدعو إلى تسليم السلاح بشكل طوعي لتجنب الفوضى.
رغم سيطرة "إدارة العمليات العسكرية" على محافظتي دمشق وريفها، فإنّ مناطق الضواحي والريف لا تزال غير مضبوطة أمنياً، ويتولى تأمينها متطوعون ولجان شعبية.
تركز السلطة الجديدة في سورية عملها الأمني على مراكز المدن، ومن بينها العاصمة دمشق، فضلاً عن المراكز الحيوية والاستراتيجية، فيما يُترك أمن بقية المناطق على عاتق متطوعين من أبناء تلك المناطق الذين كانوا منضوين في فصائل المعارضة وبعض اللجان الشعبية التي كانت قائمة في أيام النظام السابق، وآخرين تطوعوا لحماية مناطقهم في غياب أي تنسيق بينهم، ومن دون معرفة الأهالي بصلاحيات هؤلاء المسلحين الذين يتولون أدوار قوى الأمن الداخلي.
ما إن تعبُر المتحلق الجنوبي لدمشق باتجاه طريق السيدة زينب، حتى تصادفك بقايا حواجز عسكرية جرت إزالتها من الطريق الرئيسي نحو ريف دمشق، والتي أخبرنا سائق التاكسي الذي أوصلنا إلى المنطقة، عبد المجيد ماضي، أنها كانت تسد الطريق قبل انهيار النظام. موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية التي كانت موجودة في المنطقة قبل سقوط النظام قطعت الطريق بواسطة تلك الحواجز، وحولت السير إلى طريق المطار. أصبح الوضع مختلفاً بين ليلة وضحاها، إذ تلاشت كل الحواجز، واختفت حشود العساكر المدججين بالسلاح، ليحل محلهم أشخاص يرفعون علم الثورة، ويهنئون السكان بالنصر".
في حي المشتل التابع لمنطقة السيدة زينب، تتناثر القمامة في الشوارع الضيقة التي لم تعبّد منذ سنوات، والتي تحيط بها بنايات عشوائية غير متجانسة، جدرانها متسخة أو غير مكتملة، وتظهر على بعضها آثار دمار، فيما معظم ساكنيها يعيشون تحت خط الفقر. لكن ما إن تعبر سيارة فيها مسلحون يحملون علم الثورة، حتى يبادرون برفع شارات النصر أمامهم، تعبيراً عن تأييدهم لسقوط نظام الأسد.
يقول الستيني وليد عبدو، وهو صاحب بقالة في حي المشتل، لـ"العربي الجديد": "يعيش في الحي خليط من السكان ينتمون إلى عدة محافظات سورية، ومن مختلف الطوائف، إضافة إلى الفلسطينيين السوريين. أنا من محافظة إدلب، وأقيم هنا منذ نحو ثلاثين سنة، وفي اللحظة التي سقط فيها النظام شعرت أنني بدأت التنفس من جديد، لكننا نعيش مخاوف حقيقية، فالسلاح الذي كان يملأ الشوارع والمستودعات، والذي كان يشكل مصدر رعب للسكان، اختفى فجأة حين هرب الأسد، لكنه في الحقيقة لا يزال موجوداً، وإذ لم يُتخذ إجراء لسحبه سيظل يشكل هاجساً لدى السكان، ويمكن أن يستعمل في زعزعة الأمن".
لا يزال الوضع الأمني في ضواحي دمشق سيئاً رغم تحسّن الخدمات
يضيف عبدو: "سقط نظام الأسد، لكن الشبيحة وعناصر المليشيات الإيرانية من السوريين لا يزالون بيننا، وسلاحهم معهم، وهم يشاهدوننا نحتفل بالانتصار عليهم. صحيح أن هناك دعوات للتسامح والعيش المشترك، لكننا نعيش فترة عصيبة وسط عصابات كانت قبل أيام فقط تمارس كل أنواع الإجرام. لم تحضر حتى الآن أي قوة من الأمن العام التابع للحكومة، بل تُركت المنطقة لبعض الشبان من أبنائها الذين شكلوا لجاناً لضبط الأمن، كما حضر بعض عناصر فصائل المعارضة الذين كانوا يسكنون الحي قبل الثورة، والذين تم الاستيلاء على بيوتهم من قبل عناصر المليشيات، وقد عادوا لاستعادة بيوتهم بالقوة، ونصبوا بعض الحواجز باسم الفصائل، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة في حال حصلت صدامات بينهم وبين عناصر المليشيات".
ولا يزال الوضع الخدمي والمعيشي في ضواحي دمشق سيئاً رغم تحسّن بعض الجوانب، ومن بينها انخفاض أسعار بعض السلع الأساسية مثل السكر والأرز، إذ يحتكر التجار بعض السلع، ويرفعون الأسعار بشكل لا يتناسب مع تراجع سعر صرف الدولار.
تعيش سميرة النميري في حي حجيرة التابع لمنطقة السيدة زينب، وتعبّر عن مخاوفها من استمرار تردّي الأحوال المعيشية، وتقول لـ"العربي الجديد": "في يوم سقوط نظام الأسد قفز سعر الدولار من 14 ألف ليرة إلى أكثر من 30 ألف ليرة، فارتفعت الأسعار ارتفاعاً جنونياً، ولم نعد نقوى على شراء أبسط احتياجاتنا، لكن بدأ بعدها التراجع التدريجي إلى أن وصل سعر الدولار اليوم إلى نحو 11 ألف ليرة، لكن الأسعار لم تنخفض بما يوازي التحسن في سعر الصرف".
تضيف النميري: "هناك خشية عامة لدى الموظفين من عدم استلام رواتبهم في الوقت المحدد، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع المعيشية المتدهورة أصلاً، كما نخشى من زيادة حالة الفلتان الأمني ما لم تُتخذ إجراءات سريعة لتسيير شؤون المواطنين وتأمين الخدمات لهم. خدمات النظافة والكهرباء والماء لا تزال في أدنى مستوياتها، وسمعنا أن موظفي بعض المؤسسات الخدمية الأساسية مثل موظفي المخابز الحكومية ومؤسسات الكهرباء والمياه، فرضت عليهم العودة إلى ممارسة أعمالهم بعد زيادة رواتبهم خمسة أضعاف، من نحو 20 دولارا إلى 100 دولار، ونتمنى أن تشمل هذه الزيادات كل موظفي الحكومة".
في مدينة داريا بضواحي دمشق الغربية، ينتشر على المداخل وبعض الطرقات مسلحون من أبنائها يشرفون على ضبط الأمن وحماية الممتلكات العامة من السرقة، ما حمى المدينة من أي فلتان أمني. يقول محمد شربجي (55 سنة) لـ"العربي الجديد": "هجّرنا النظام السابق قبل 13 سنة إلى الشمال السوري، وعدنا إلى داريا بعد سقوطه. شعورنا لا يوصف باستعادة بيوتنا، وإن كانت مدمرة، لكن الوضع الخدمي سيئ، ويحتاج إلى بعض الوقت كي يتحسن. نعيش حالياً نشوة الانتصار، ولا نريد تحميل الحكومة الجديدة أكثر مما تحتمل".
وحول الوضع الأمني، يبين شربجي أن "من يضبط الأمن في المدينة هم أبناء داريا الذين كانوا يقاتلون في صفوف فصائل المعارضة المختلفة، وقد عادوا إلى مدينتهم لضبط الأمن فيها بالتنسيق مع غرفة عمليات ردع العدوان، وهم يحرصون على عدم حصول فوضى، لكن نتمنى الإسراع في تحسين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ونظافة".
ويؤكد مصدر من الهيئة السياسية لحكومة الإنقاذ، فضل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتصريح، أن الحكومة تعتمد حالياً في ضبط الأمن على عناصر من أبناء المناطق التي لا تتمكن من إرسال عناصر أمنية إليها بسبب عدم كفاية عناصر الأمن العام، والذين لا يتجاوز عددهم الكلي 7000 عنصر.
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا العدد من العناصر يستحيل أن يكفي لضبط الأمن في عموم سورية، لذا تم تكليف العناصر بالانتشار في مراكز المدن، وبعض المراكز الحيوية في البلد، والاعتماد على عناصر محلية من سكان المناطق، معظمهم كانوا عناصر سابقين في الفصائل، وذلك كإجراء مؤقت ريثما يتم إعادة ترتيب قوى الأمن الداخلي، والتي ستنهي كل هذه المظاهر المسلحة بالتدريج. الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، ويتطلب تعاوناً من الأهالي لإنجاحه".
وحول احتمالات حدوث صدامات بين من يتولى ضبط الأمن، ومن لا يزال يمتلك سلاحاً من أفراد المليشيات التي كانت تقاتل مع النظام، يقول المصدر الحكومي: "ندرك خطورة هذا الأمر، وأعطينا مهلة لمن يمتلك سلاحاً كي يبادر إلى تسليمه، لكننا لسنا بوارد القيام بخطوات استفزازية قد تؤدي إلى أي نوع من أنواع الانفلات الأمني، ونحاول قدر المستطاع تجنب إراقة الدماء، وتجنب الفوضى كي نعبر ببلدنا إلى بر الأمان، وهذا يتطلب الكثير من الوعي من المواطنين من كلّ الطوائف والقوميات والتيارات الفكرية".