استمع إلى الملخص
- تعتبر صيدنايا من أقدم المناطق المأهولة في سوريا، وتشتهر بمعالمها الأثرية والدينية مثل "دير السيدة"، الذي يُعتبر من أهم الكنائس في الشرق الأوسط.
- رغم ارتباط اسمها بسجنها الشهير، تظل صيدنايا مثالاً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وتستقبل الآلاف من الزوار في المناسبات الدينية.
تضم مدينة صيدنايا السورية العديد من المعالم الطبيعية والتاريخية التي تشتهر بها منطقة القلمون الغربي في ريف دمشق، وهي مدينة الكنائس والأجراس، والتعايش بين الأديان، لكن كل ذلك كاد أن يدمره السجن الذي يحمل اسمها، والذي يعتبره السوريون مسلخ نظام الأسد البشري.
عاد الباحث السوري نور الدين عقيل، ابن منطقة القلمون، إلى منطقته بعد سنوات من التهجير القسري، ويقول لـ"العربي الجديد": "تقع صيدنايا على منحدرات جبلية في شمال الهضبة الثانية من هضاب القلمون، وتحيطها الجبال من ثلاث جهات، وتنفتح باتجاه الجنوب لتشرف على سهل فسيح يحمل اسمها، وتقع على بعد نحو 25 كيلومتراً شمال شرق العاصمة دمشق، وتعتبر من المناطق القديمة التي استوطنها الإنسان منذ العصور الحجرية، وتم اكتشاف بعض الأدوات الأثرية فيها".
ويضيف عقيل: "تضاربت الآراء حول أصل تسميتها، فثمة من يقول إن لفظة (صيدنايا) آرامية الأصل، مثل نظائرها من أسماء القرى والبلدات والمزارع في بلاد الشام، ومنها صحنايا وداريا وجمرايا وتلفطايا ومعلولا، ويرى آخرون أن اسمها مشتق من (صيدون)، وهو إله الصيد عند الفينيقيين، وذلك لوجود هيكل قديم لهذا الإله على مقربة من دير السيدة، وآخرون يطلقون عليها اسم (صيد نايا) أي مكان الصيد، والبعض يقولون إن اسم صيدنايا ورد في كتاب (الفلسفة في الشرق) لمؤلفه بول مارسون أورسيل، والذي ضم اسم أحد الفلاسفة القدماء، وكانت كنيته (الصيدناوي)، بينما يقول المطران يوسف داوود إن الاسم يعني (محل الأدوية) أو المشفى نسبة إلى طيب هوائها".
ومن أسماء صيدنايا وفق عقيل، في قول بعض كتبة الكرسي الأنطاكي (دافانا) أو (دافايا)، كما أشار إلى ذلك خوسياس ليزلي بورتر في كتابه (خمس سنوات في دمشق) نقلاً عن البطريرك مكاريوس الحلبي. وأطلق عليها البعض اسم (دانايا) كما ورد في المجمع المسكوني المنعقد في خلقيدونية بالأناضول سنة 451 ميلادية، ما يشير إلى أن تاريخ دخول المسيحية إلى صيدنايا يعود إلى القرون الأولى للميلاد.
وزادت شهرة صيدنايا بعد بناء "دير السيدة" بها. ويؤكد نور الدين عقيل، أن الدير أعطاها شهرة عظيمة في العالم المسيحي، خاصة بعد انتشار أخبار "المعجزات" التي تداولها الناس عنه، والحكايات عن أيقونة السيدة العذراء، وكانت "كنيسة السيدة" تعتبر من أهم الكنائس في الشرق الأوسط بعد كنيسة بيت لحم وكنيسة طور سيناء، لذا كان الملوك والأمراء المسيحيون إذا استأذنوا للحج وزيارة بيت المقدس يطلبون زيارة صيدنايا أيضاً.
والمعالم الأثرية في صيدنايا كثيرة، وأغلبها حصون وكهوف ومعابد وكنائس، وبعضها يعود إلى العصور الآرامية واليونانية والرومانية، ومنها ما هو أحدث من ذلك، وقد ذكر الرحالة حبيب باشا الزيات ثلاثاً وعشرين كنيسة عامرة وخربة، إضافة إلى أكثر من سبعة معابد تحدث عنها مؤرخون وعلماء آثار وسياح في صيدنايا، وأهمها "دير السيدة" الذي شيد على قمة صخرة تكثر فيها الكهوف والقبور، خاصة في طرفها الشرقي، ويعتقد المؤرخون أنها كانت حصناً قديماً تحول إلى معبد وثني، ثم تحول إلى كنيسة ودير مسيحي، وقد تضاربت الآراء حول تاريخ بنائه، فالبعض يزعم أن من بناه سيدة بيزنطية من دمشق، هجرت الدنيا وأوقفت نفسها للعبادة في هذا المكان، وآخرون يقولون إن "أوذوكسيان" زوجة الإمبراطور البيزنطي "تاودسيوس الثاني" هي التي بنته عندما زارت القدس في عام 438 ميلادية. وفي القرن السادس الميلادي ساد رأي مغاير يشير إلى أن الدير أسسه الإمبراطور البيزنطي يوستنيان، والذي كان يصطاد في هذا المكان، فلاحق ظبية إلى مكان الدير، فتحولت الظبية إلى امرأة جميلة، وأمرته أن يبني لها ديراً في هذا المكان. ومن أشهر مقتنيات الدير "أيقونة العذراء" التي رسمها القديس لوقا، وقد رويت عنها الكثير من الأساطير والمعجزات.
وتضم صيدنايا أيضاً كنيسة بطرس اللولبة، وهي عبارة عن بناء مربع الشكل يعتقد أن أصله حصن مبني بحجارة منحوتة، ومدخلها باب صغير يؤدي إلى درج لولبي يصعد من خلاله إلى السطح، وهي من الآثار الرومانية القديمة. ودير "مار توما"، وهو بناء روماني يقع على مرتفع مشرف على شمال منطقة صيدنايا، وبالقرب منه العديد من الكهوف والقبور القديمة. ودير "الشيروبين" الذي يقع على قمة ارتفاعها نحو 1900 متر فوق سطح البحر، ويشرف على غوطة دمشق وسهول حوران، ويعتبر من أهم آثار المدينة، وقد تم تجديده في عام 1982.
ويستشهد الرحالة حبيب باشا الزيات ببعض الكتب التي قال واضعوها إن سكان البلدة آراميون وأورام، وقد انضم إليهم بعد الفتح العربي بعض بطون قبيلة "كلب" العربية وغيرهم، وكانت قبيلة كلب معروفة بأنها مسيحية.
وزار صيدنايا العديد من السياح والرحالة، ومنهم رحالة روسي زارها في عام 1725، وقال إن عدد سكانها يبلغ 1748 نسمة، وليس فيهم مسلمون، كما مر بها رحالة ثان عام 1825، وذكر أن عدد سكانها حوالي 3000 نسمة، وليس فيهم من المسلمين سوى 40 شخصاً.
وصيدنايا من أجمل مصايف سورية، وهي تستقبل في عيد ميلاد السيدة العذراء الآلاف من مسيحيي العالم والأقطار العربية، خاصة مسيحيي لبنان.
يرى السوري مجد الأمين أن صيدنايا واحدة من أجمل مدن العالم. ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك عدة مدن شبيهة ذات أصول مسيحية، مثل معرة صيدنايا، ومعلولا، لكن أشهرها صيدنايا. المدينة يتعايش فيها أبناء الديانتين، الإسلام والمسيحية، منذ ما قبل وصول عائلة الأسد إلى الحكم، وهي منطقة سياحية، سواء السياحة الخارجية أو الداخلية، وتمتد على طول السهل مطاعم مشهورة، وفي الصيف يزورها الآلاف من المحافظات السورية، ومن خارج سورية".
يضيف الأمين: "سجن صيدنايا الذي بناه حافظ الأسد، هو وصمة سيئة للمنطقة، وقد تحول إلى مقبرة لكل من يعارض، والوتر الطائفي الذي لعب عليه نظام الأسد البائد تسبب بتشكيل لجان شعبية في المدينة، وارتُكبت فيها بعض الفظائع بدعم من جيش النظام، لكن الشعب كان يرفض هذه التجاوزات. كان في صيدنايا على مر التاريخ تعايش، وعند دخول الثوار إلى القلمون طمأنوا ذويها أن التعايش سيستمر، وبلدات القلمون ليس فيها أي وجود عسكري".