صغار من البدون يعودون إلى الشارع لمساعدة عائلاتهم

16 يونيو 2021
يبيع الأزهار لمساعدة عائلته (سام تارلينغ/ Getty)
+ الخط -

أعادت حادثة وفاة الطفل البائع المتجول من فئة البدون جراح عايد الشمري (15 عاماً)، بعدما دهسته سيارة مسرعة أثناء بيعه الورود وسط العاصمة الكويت، قضية عمالة الأطفال من فئة البدون والفقراء من الوافدين في البلاد، إلى الواجهة. وتضطر بعض العائلات إلى دفع أطفالها إلى العمل بسبب ظروفها المعيشية الصعبة.
نقل الشمري إلى المستشفى الأميري وتوفي هناك. تقول عائلته إن ابنها كان يعمل كبائع متجول ليساندها في دفع بدل إيجار المنزل في منطقة الجهراء شمال البلاد، وقد انقطع عن الدراسة بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد، لـ "العربي الجديد": "وجّه البعض اللوم إلى عائلة الطفل البدون الذي تعرّض للدهس"، لافتاً إلى أن هذا اللوم "يأتي من منطلق الرفاهية التي تتمتع بها الغالبية في المجتمع، على عكس مجتمع البدون الذي يعاني مصاعب اقتصادية كبيرة". يضيف أن "نزول الأطفال إلى الشوارع يعد خياراً أخيراً بالنسبة لهذه العائلات".

في السياق، تقول أستاذة اللغة الإنكليزية في جامعة الكويت ابتهال الخطيب: "لا ينبغي لوم العائلات التي تدفع بأبنائها إلى العمل في الشوارع، بل الظروف السياسية التي أجبرتها على ذلك". وارتفعت نسبة عمالة الأطفال من فئة البدون في الكويت، في ظل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تفشي كورونا، وتسريح عدد كبير من الموظفين من الشركات والمؤسسات، أو قطع رواتبهم، كما يقول الناشط في قضية البدون أحمد الشمري، لـ "العربي الجديد". يضيف أن عمالة الأطفال البدون كانت رائجة في تسعينيات القرن الماضي، حين كانت معدلات الفقر مرتفعة بين هذه الفئة بشكل كبير جداً، لكنها انخفضت بعد تفعيل برامج حكومية وأخرى خيرية تولت دفع تكاليف تعليم أطفال البدون في المدارس منذ عام 2003. إلا أنها عادت لترتفع بعد سياسة التضييق التي انتهجها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (البدون) في الفترة الأخيرة، بالتوازي مع المصاعب الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

اضطر أحمد الفرحان (16 عاماً) إلى العمل كبائع لألعاب الأطفال عند مداخل الحدائق العامة في الكويت، لمساعدة أسرته في تأمين نفقات المنزل، بالإضافة إلى تأمين مصروفه الخاص. يقول لـ "العربي الجديد": "ما زلت أتابع دراستي في المرحلة الثانوية"، لافتاً إلى أن "الدراسة عن بعد سمحت لي بالعمل طوال اليوم وكسب مال جيد لمساعدة عائلتي، خصوصاً أن والدي متقاعد من الجيش الكويتي (تقاعد بلا راتب) منذ عام 2004. أما شقيقي الأكبر، وهو المعيل الرئيسي للعائلة، فكان يعمل في إحدى شركات التأمين، لكنه طُرد منها نتيجة لأزمة وباء كورونا".

 لا يملك بعض أطفال البدون رفاهية اللعب  (سام تارلينغ/ Getty)
لا يملك بعض أطفال البدون رفاهية اللعب (سام تارلينغ/ Getty)

ويساعد وليد خالد (14 عاماً) أحد أقربائه في بيع المكسرات في منطقة الجهراء، لتأمين مصروفه اليومي. يقول إن عائلته غير قادرة على إعطاء الأبناء مصروفاً يومياً أو ما شابه بسبب ظروفها الاقتصادية. "نعيش في بيت جيد ووالدي يتكفل بكل مصاريف العائلة الأساسية من مأكل ومشرب ولباس. لكن في حال أردت الخروج مع أصدقائي أو أقربائي ممن هم في مثل سني، يجب عليّ أن أعمل أياماً عدة في الأسبوع لتأمين ما بين 10 و20 ديناراً أستمتع بها في نهاية الأسبوع".
ويعمل سعود العنزي، وهو من فئة البدون، في شركة لبيع الخضار والفاكهة. يوضح أن ابنه الذي يبلغ من العمر 15 عاماً يعمل في بقالة متجولة في منطقة سعد العبدالله في محافظة الجهراء شمال البلاد. حاول سعود منع ابنه من العمل، لكن الأخير يصر على موقفه لمساعدة والده في تأمين احتياجات العائلة، على الرغم من المطاردات المستمرة من موظفي البلدية ووزارة الداخلية للباعة المتجولين، خصوصاً الأطفال. ويشير سعود إلى أنه تم استدعاؤه مرتين من قبل وزارة الداخلية، وقد تعهد بعدم إجبار ابنه على العمل، وإن كان لا يفعل. يقول لـ "العربي الجديد": "لا يفهمون معاناة الناس، ولا يريدون فهمها، ويتصورون أننا نجبر أبناءنا وفلذات أكبادنا على العمل في الحر أو البرد الشديدين. لكن هناك فرقاً كبيراً في الدخل بين المواطنين والبدون، هذا في حال حصل شخص من البدون على وظيفة محترمة".

ويشير ناشطون من البدون إلى أنّ الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الكويت والمتعلقة بعمالة الأطفال، وقانون حقوق الطفل الذي مُرر عام 2015، لا يمثل حماية للطفل البدون بل يعد اضطهاداً له لأنه يمنعه من العمل بحجة حمايته، لكنه لا يوفر ظروفاً معيشية مناسبة له. ويقول المحامي والخبير القانوني عمر العتيبي، لـ "العربي الجديد" إن "قانون حماية الطفل يمنع تشغيل الأطفال في الأماكن الرسمية مثل الشركات والمؤسسات، لكن البيع المتجول للأطفال يعد وفق قانون الأحداث تسولاً، ما يؤدي إلى استدعاء ولي الأمر وإيقاع عقوبات قانونية عليه، وفي حال كان وافداً فإنه يبعد من البلاد". يختم العتيبي: "أعتقد أن المشكلة تحتاج إلى حل اجتماعي وليس قانونيا".

المساهمون