حوادث غرق متكررة تقتل شباب أفغانستان

12 اغسطس 2024
يتكرر غرق شبان أفغان خلال اللهو في الأنهار (جافيد تانفير/فرانس برس)
+ الخط -

كان الشاب الأفغاني محمد عوض، يحلم أن يصبح طبيباً، وينتظر إنهاء الثانوية كي يلتحق بكلية الطب في أي جامعة حكومية كي يكون جراحاً، لكنه لقي حتفه غرقاً مع صديق له في مياه نهر كابول، والذي نزل إليه مع عدد من رفاقه للهو رغم أنه لا يعرف السباحة، ليتم البحث عنه وعن رفيقه لمدة ثلاثة أيام، قبل العثور على جثمانيهما، ودفنهما.
يقول شقيقه الأكبر شبير لـ"العربي الجديد": "كان أخي طالباً ذكياً نابهاً، وإنساناً هادئاً، وكان كل همه الاجتهاد من أجل الوصول إلى هدف أن يكون طبيباً، كان يقرأ الكتب ليل نهار، ويبحث دائماً في المواقع العلمية بحثاً عن كل ما يخص طلاب الطب، على أمل أنه سيكمل دراسته وسيصبح جراحاً شهيراً. لكن مع الأسف حدث ما لم يكن في حسبان أحد. كنت خارج المنزل في زيارة لأحد الأقارب، ولم أكن أعرف أن أخي سيذهب مع أصدقاء له، وفجأة تلقيت اتصالاً هاتفياً من المنزل يبلغني بأن أخي مفقود في المياه، فدخلت في حالة من الحيرة، ولم أكن أستوعب". 
يضيف: "مرت أيام ثلاثة على أخي العزيز المدلل مفقوداً داخل المياه، وكانت من أصعب أيام حياتي. كنت مع جميع الأقارب نبحث عن الجثمان، وبعد مرور اليوم الأول فقدنا الأمل في العثور عليه حياً، وبعدها أصبح حلمنا الوصول إلى الجثمان، فالأسرة كانت تخشى عدم العثور على جثمانه كما حصل مع كثيرين سابقاً، ومن ثم تدخل في متاهة جديدة، وفي حالة نفسية صعبة، لكننا تمكنا بعد ثلاثة أيام من العثور على الجثمان، ودفناه في قريتنا القريبة من مدينة جلال أباد شرقي أفغانستان". 
سيد محمود شاب آخر تعرض للمصير نفسه، فقد أصيب في طفولته بشلل الأطفال، لكنه رغم ذلك حاول تعلم السباحة، ومع تقدمه في العمر تعلم قيادة السيارات. تزوج  قبل ستة أعوام بابنة عمه، وأنجب ابنتين، وكان ينتظر إنجاب ولد، لكن شاء الله أن يغرق في نهر كنر شرقي أفغانستان، تاركاً وراءه زوجته وابنتيه وأمه من دون معيل. 
كان محمود يعمل على سيارة أجرة، ويشتغل في الوقت نفسه مع أحد أقاربه في بيع الأراضي والمنازل وشرائها، وكان طموحه أن يصبح تاجراً كبيراً، لكنه غرق في النهر، وغرقت معه كل أحلامه. تقول أمه راضية محمود لـ"العربي الجديد": "أنا أرملة فقدت زوجي في عام 2005 نتيجة قصف أميركي استهدف منزل قائد ميداني في طالبان، وكان المنزل المستهدف بجوار منزلنا، ما أدى إلى انهيار المنزل، ووفاة زوجي، وإصابتي بجروح. كانت كل آمالي تدور حول مستقبل طفلين أنجبتهما، أحدهما وليد الذي سافر إلى بريطانيا بطريقة غير شرعية، وكان يرسل إلينا بعض المال شهرياً، وابني الثاني سيد الذي ظل يعمل ويدخر حتى بنى لنا منزلاً صغيراً مكوناً من غرفتين بعد أن كنا نعيش في منزل مؤجر".

غالبية الغرقى لا يعرفون السباحة (صنع الله صيام/فرانس برس)
غالبية الغرقى لا يعرفون السباحة (صنع الله صيام/فرانس برس)

تضيف: "بعدها تزوج ابني سيد ابنة عمه، وكنت أحب أن ينجب لي حفيداً، لكن شاء قدر الله أن ينجب حفيدتين، وكنت أظن أن أمامه عمراً طويلاً، وما كنت أفكر يوماً أنه سيقضي غرقاً في نهر كنر، والآن أنا أعاني فقده، وابني وليد ما زال يرسل إلي المال، ويطلب مني أن آكل جيداً وأن أرعى زوجة أخيه وابنتيه، لكني لا أشعر بأي متعة للحياة. كنت أقول لسيد دائماً أن لا يذهب إلى السباحة لأنه يعاني شلل الأطفال في رجله، كما أنه لا يجيد السباحة، غير أنه كان يحب السباحة، ولو سمع كلامي ما خسرته". 
ولا توجد إحصائية دقيقة لأعداد ضحايا الغرق في أفغانستان، لكنهم بالمئات سنوياً، والغالبية العظمى من الشباب، وكل شاب يخلف وراءه حكاية، ويترك لأهله مأساة، ما يجعل القلق يتفشى في المجتمع، وهو ما جعل شباناً يطلقون حملة توعية في شرقي أفغانستان، يدعون خلالها رفاقهم إلى عدم السباحة في الأنهار، خاصة إن لم يكونوا يجيدون السباحة.

يعمل الشاب كامران جميل خان على بث الوعي المجتمعي حيال تكرار الغرق، وهو يوزع لافتات وأوراقاً مكتوبةً عليها شعارات تطالب الشباب بعدم النزول إلى الأنهار الكبيرة التي تعرف بسرعة التيار، والتي عادة ما يغرق فيها كثير من الشبان سنوياً. 
يقول كامران لـ"العربي الجديد": "عندما أسمع عن حادثة غرق شبان أقلق كثيراً، والمشكلة أنه لا يوجد لدينا أي برامج لتعليم السباحة، وعادة ما يذهب الناس للهو في مياه نهر كنر أو نهر كابول، وغيرهما من الأنهار الخطيرة، من ثم يغرق كثيرون، ولا توجد أي جهة للبحث عنهم، ويتولى المواطنون البحث بأنفسهم، وعادة يعثرون على الجثث بعد أيام، لذا أدعو الجميع إلى توخي الحذر، كما أدعو الحكومة إلى وضع آلية للتعامل مع تكرار تلك الحوادث القاتلة". 

المساهمون