يوماً بعد يوم، تزداد معاناة أهالي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوبيّ لبنان، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية. وتزيد البطالة المفروضة عليهم، والتي تمنعهم من العمل، من معاناتهم، إضافة إلى تقليص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الخدمات التي تمنحها لهم في شكل مستمر، بسبب أزمة التمويل التي تواجهها. لكن أهالي المخيم لم يعد يمكنهم تحمّل ما وصلوا إليه، فالعديد منهم أوقفوا اشتراكات مولدات الكهرباء التي باتوا لا يستطيعون تسديد فواتيرها، وتخلوا عن أمور أخرى كثيرة، ويستطيعون بالكاد تأمين متطلبات معيشتهم اليومية، حتى إن بعضهم عاجزون عن جلب خبز لإطعام أولادهم، وتلبية احتياجات أخرى ضرورية لاستمرارهم.
تقول الطفلة الفلسطينية وعد التي تقيم مع عائلتها في مخيم عين الحلوة، وهي في الصف السادس الأساسي لـ"العربي الجديد": "وصلنا إلى درجة صعبة جداً لا سابق لها من الفقر والعوز، إذ لا يستطيع أهلي تأمين عدد كافٍ من الدفاتر المدرسية لي، ما يحتم استعمالي دفترين لستّ مواد دراسية. وسبق أن طالبت أمي إدارة المدرسة التابعة للأونروا التي أتعلم فيها بالمخيم بتأمين دفاتر لي، لكن المدرسة رفضت، بحجة أن لا دفاتر لديها، وأبي طريح الفراش بسبب المرض، ولا يستطيع التحرك والعمل. وفي كل الأحوال، لا عمل يمكن أن يوفر لنا مدخولاً مناسباً لتأمين احتياجاتنا، ولا يمد أحد يد العون لنا. ونحن فعلياً لا نستطيع تأمين ثمن ربطة خبز، لذا أنام مع أخوتي وأهلي معظم الأيام جياعاً".
ويخبر الطفل الفلسطيني محمد، المقيم في المخيم "العربي الجديد"، أنه يعيش مع جدته وعمته في بيت واحد، و"وضعنا الاقتصادي سيئ جداً في ظل عدم تقديم أية مؤسسة خيرية عوناً لنا، وعدم وجود من يسأل عنا وفقداننا المال الذي لا نعلم كيف سنتمكن من إيجاده كي نصرف على أنفسنا. كذلك لا نجد أية لقمة أكل لنتناولها، ولا عمل، ولا من يطرق باب بيتنا كي يعطينا ربطة خبز أو كيلو ملح".
وعلى المنوال ذاته، يقول إبراهيم ميعاري لـ"العربي الجديد": "واضح أن تقليص الأونروا مساعداتها سببه سياسي بالدرجة الأولى، ونحن نعرف هذا الأمر كلاجئين، لكن ما يجب أن يعرفه الجميع أننا لن نتخلى عن المشروع الوطني الذي يؤكده جميع الفلسطينيين، وندرك أن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين تقلص خدماتها لاستهدافنا، فنحن لم نعد نقوى على تأمين لقمة عيش أولادنا، لذا نطالب القيادة السياسية الفلسطينية ومسؤولي الأونروا بإعلان حال الطوارئ لشعبنا بسبب الوضع الاقتصادي السيئ الذي أنهك أغلب الناس في المخيم. وندعوهم إلى التحرك بسرعة لإيجاد وسائل لتقديم مساعدات للاجئين الفلسطينيين، وإذا لم يحصل ذلك، فسنضطر إلى ممارسة ضغوط على الأونروا، ربما عبر اللجوء إلى العنف كي نحصل على حقوقنا".
أما أم أحمد المقيمة في مخيم عين الحلوة، فتقول لـ"العربي الجديد": "أريد أن يصل صوتي إلى كل المعنيين في الشأن الفلسطيني، وتحديداً إلى مسؤولي الأونروا. عندي أولاد متعلمون، لكنهم بلا عمل بسبب القانون اللبناني الظالم الذي يحرم الفلسطيني حق العمل، وأيضاً بسبب الوضع الاقتصادي السيئ الذي يحرم أولادي أيضاً أن يكونوا مجرد عمال في أي مكان. وأنا أوجه كلامي مباشرةً إلى مسؤولي الأونروا الذين يعرفون حجم معاناتنا، لكنهم يواصلون تقليص خدماتهم من طبابة واستشفاء، وتقديم المساعدات. ولولا وجودنا نحن ووجود الوكالة لأجلنا، لما توظف أي شخص في الأونروا".
ويشير أحمد، وهو أحد الناشطين في المخيم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن عدداً كبيراً من أهالي المخيم باتوا تحت خط الفقر. و"هذه الفئة من الناس مهمّشة لكونها لا تنتمي إلى أي فصيل، ولا تملك أي مدخول مادي. لذا ندعو منظمات حقوق الإنسان إلى الالتفات إلى هذه الفئة، والقيام بواجبها تجاهها، ونطالبها بأن تمارس عملها القانوني في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، والنظر إلى أحوالهم وأوضاعهم، ونريد أن تنفذ الأونروا واجباتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وتقدم راتباً شهرياً لأولئك الذين يعيشون في عسر شديد".
يضيف: "أوجه أيضاً رسالة إلى الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية التي صارت بعيدة كل البعد عن الناس، بأن تقوم بعملها، وتتواصل مع المعنيين في الأونروا لمعالجة تصرفاتها المقصرة تجاه الفلسطينيين. وأقول لمسؤولي الأونروا إننا تحمّلنا كفاية من فقر وبطالة، ونريد أن تتوافر لنا حياة لائقة، وأن تلقى العائلات المحتاجة المساعدات المناسبة لمساندتها في تدبير أمورها، علماً أن أغلب أهل المخيم يعيشون حياة قاسية".