صحة غزة.. الحرب الإسرائيلية تفاقم نزيف المستشفيات

08 أكتوبر 2023
القطاع الصحي في غزة يواجه تحدياً كبيراً وسط الحرب الإسرائيلية الأخيرة (محمد الحجار)
+ الخط -

لطالما كان القطاع الصحي هشاً في غزة، لا سيّما وسط الحصار الإسرائيلي المطبق. واليوم وسط الحرب الإسرائيلية التي يشنّها الاحتلال انتقاماً، يبدو هذا القطاع مهدّداً أكثر من أيّ وقت مضى، فأعداد الجرحى إلى تزايد والقدرات غير كافية.

بعد إطلاق عملية "طوفان الأقصى" وردّ الاحتلال الإسرائيلي بشنّ حرب على قطاع غزة، أوّل من أمس السبت، أُعلنت حالة طوارئ في مستشفيات غزة. يأتي ذلك في حين تعاني تلك المؤسسات الاستشفائية، منذ بداية العام الجاري، من أزمة غير مسبوقة، لا سيما مع نقص المعدّات والأدوية، ومشكلات أخرى لم تُحَلّ ذات صلة بغرف العلميات الجراحية وأقسام الطوارئ والمرضى أنفسهم.

ومساء السبت، اليوم الأوّل من تلك الحرب، برزت أولى المشكلات في مستشفيات قطاع غزة، بعد وصول أكثر من 1700 جريح تختلف إصاباتهم إلى المستشفيات الحكومية، وقد استدعت حالات عديدة تجهيزاً سريعاً لغرف العمليات، الأمر الذي دفع وزارة الصحة إلى وقف عمل العيادات الخارجية وتأجيل العمليات الجراحية المجدولة في إطار رفع الجهوزية والتأهب.

وتفيد البيانات الأخيرة لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، التي نُشرت عصر اليوم الأحد، بأنّ 2200 إصابة بجروح مختلفة سُجّلت بين الفلسطينيين في القطاع، في حين استشهد 370 فلسطينياً آخراً، منذ بدء التصعيد الإسرائيلي على غزة أمس السبت.

الصورة
القطاع الصحي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى 2 (محمد الحجار)
يُسجَّل استنفار في مستشفيات غزة مع تصاعد الحرب الإسرائيلية (محمد الحجار)

يقول المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أشرف القدرة لـ"العربي الجديد" إنّ "العمليات التي تُنفَّذ تبقى منقوصة وفي إطارها المحدود، من جرّاء الحصار الإسرائيلي الذي تسبّب في منع وصول المستلزمات الطبية. وحالياً، نواجه نقصاً حاداً في الأدوية بنسبة 44 في المائة، وفي المستلزمات الطبية بنسبة 32 في المائة، وفي مستلزمات المختبرات وبنوك الدم بنسبة 60 في المائة".

يضيف القدرة أنّ "ثمّة مئات من العمليات الجراحية كانت مجدولة وأنّ آلاف المرضى كانوا قد حجزوا مواعيد معاينات في المستشفيات، لكنّنا في هذه المرحلة نركّز على الأحداث الراهنة، فنحن أمام أزمة حقيقية لأنّ حالة الجهوزية تبقى محدودة". ويتابع أنّ "وزارة الصحة سمحت لإداريي المستشفيات الحكومية بفتح أقسام فيها لم تكن بعد منشآت طبية كاملة الجهوزية، من أجل استيعاب الحالات الطارئة".

في سياق متصل، طاول القصف الإسرائيلي "مستشفى الإندونيسي" شمالي قطاع غزة، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد أحد العاملين فيها وإصابة عدد من الموظفين والمواطنين، بالإضافة إلى تعطّل محطة الأوكسجين. كذلك لحقت أضرار بقسم الطوارئ في "مجمّع ناصر الطبي" بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، نتيجة القصف الإسرائيلي، فاستشهد عاملان فيه. يُضاف إلى ذلك تدمير خمس مركبات إسعاف حكومية وأهلية.

وإزاء استهداف الاحتلال المرافق الصحية، تطالب وزارة الصحة الفلسطينية المؤسسات والمنظمات الدولية والإنسانية باتخاذ كلّ الإجراءات التي تضمن حماية المؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية في خلال الطوارئ.

الصورة
القطاع الصحي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى 5 (محمد الحجار)
ثمّة نقص بالمستلزمات الطبية يُنذر بالخطر (محمد الحجار)

مرضى ممنوعون من العلاج وأزمة كهرباء

وثمّة تخوّف من تزايد الأعباء على القطاع الصحي في خلال هذه الحرب، لا سيّما في حال استمرّت لفترة طويلة وفقاً لتهديدات الاحتلال الإسرائيلي. يُذكر أنّ وزارة الصحة الفلسطينية في غزة كانت قد نظمت وقفات احتجاجية على تردّي أوضاع بعض المرضى في ظلّ استمرار الحصار الإسرائيلي ونقص المعدّات والأدوية في الشهرَين الماضيَين، في حين مُنع ما بين 40 و44 في المائة من مرضى قطاع غزة الذين يحتاجون إلى علاج في الخارج من تلقّي علاجهم في خلال هذا العام.

والمرضى المضطرون إلى تحويل للعلاج في خارج القطاع معنيّون بالأزمة المستجدّة، علماً أنّ عددهم 17 ألفاً و982 مريضاً. وعدد هؤلاء يتزايد سنوياً بنسبة 10 في المائة. وهم يحتاجون إلى تصاريح أمنية لتلقّي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس، لا سيّما في المستشفيات الإسرائيلية، من أجل الخضوع لعمليات جراحية ومتابعة العلاج بسبب نقص الإمكانيات في القطاع. لكنّ منح هذه التصاريح سوف يتأثّر بلا شكّ بالوضع الراهن.

كذلك تتفاقم أزمة مستشفيات قطاع غزة بعد قرار توقّف الجانب الإسرائيلي عن إمداد غزة بالتيار الكهربائي. فثمّة خطّ كهرباء يزوّد جزئياً غزة، منذ سنوات طويلة، بناءً على أوامر عسكرية إسرائيلية. والكهرباء ترتبط كذلك بالمحروقات الخاصة بتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، والتي يرتبط إدخالها إلى القطاع بحركة المعابر. ففي ظلّ تحكّم الجانب الإسرائيلي بمعابر القطاع وإدخال البضائع، من بينها المحروقات، فإنّ الأمر يبدو أكثر تعقيداً اليوم إذ إنّ القطاع الطبي لن يتمكّن من التزوّد بالكهرباء وفق حاجته لتسيير شؤونه، وبالتالي لا بدّ من وضع خطة طوارئ، بحسب ما يقول القدرة.

الصورة
القطاع الصحي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى 3 (محمد الحجار)
أقسام الطوارئ غصّت بالمصابين وبالأهالي (محمد الحجار)

13 مستشفى حكومياً في غزة فقط

تفيد بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة بأنّ 13 مستشفى حكومياً فقط في مختلف مناطق غزة مجهّزة للعمل، علماً أنّ ثمّة 35 مستشفى في قطاع غزة، عدد منها يتبع جمعيات خيرية، وهي تغطّي الحالات الطارئة بصورة نسبية فقط في خلال الاعتداءات الإسرائيلية.

ويخشى المعنيون من أن تتكرّر الأزمة التي سُجّلت في خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014، إذ سُجّل نقص كبير في عدد أسرّة المستشفيات في غزة، الأمر الذي دفع إلى إيداع المصابين في مرافق بديلة. وبحسب آخر المعطيات التي تعود إلى عام 2021، فإنّ ثمّة 13.2 سرير مستشفى لكلّ 10 آلاف نسمة.

ولفتت بيانات عام 2021 إلى 231 ألفاً و513 عملية استشفاء، شملت الطبابة والعمليات الجراحية والطوارئ، وهو ما مثّل حينها أكثر من 12 في المائة من سكان قطاع غزة. وتُعَدّ هذه نسبة كبيرة.

واليوم، يُقدَّر عدد الأسرّة المتوفّرة بنحو 2900 سرير، وهو لا يكفي لتغطية الحالات في حال ارتفعت أعداد الإصابات، علماً أنّها تخطّت في اليوم الأوّل 1700 جريح.

وتشير وزارة الصحة إلى أنّها تعتمد، في خلال الأزمات، على المستشفيات الأهلية والخاصة البالغ عددها 22 مستشفى في قطاع غزة، وهو ما يعين بعض الشيء في حال استمرار الاعتداءات الإسرائيلية لأيام. ويبقى أنّ أيّ اعتداء إسرائيلي ممتدّ لأيام يعني نزيفاً صحياً كبيراً في القطاع.

الصورة
القطاع الصحي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى 4 (محمد الحجار)
أُعلن عن 2200 إصابة في غزة حتى عصر اليوم الأحد (محمد الحجار)

أزمة علاج المصابين

في اليوم الأول للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أوّل من أمس السبت، وصل الجريح سامر العجل (35 عاماً) إلى "مستشفى الشفاء" وسط مدينة غزة، وهو أصيب في خلال استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية "برج فلسطين" وسط شارع الشهداء في مدينة غزة، على الرغم من أنّه كان على بُعد عشرات الأمتار من موقع القصف. بعد إصابته، نقله أحد أصدقائه في سيارته إلى المستشفى، وقد عالج جروحه أحد الممرّضين عند مدخل المستشفى، نظراً إلى امتلاء قسم الطوارئ حينها بالمصابين. وكان ذلك ممكناً، إذ إنّ إصابات العجل في ساقه ورأسه لم تكن بالغة.

يقول العجل لـ"العربي الجديد"، وهو في انتظار نتائج صور الأشعة، إنّ "في غزة، عندما يُصاب المرء بقصف إسرائيلي من دون إمكانية الاتصال بالإسعاف، فإنّه يُنقل في أيّ سيارة قريبة". يضيف أنّ "مركبات الإسعاف تُترَك للحالات الأصعب".

بدوره، أُصيب صديقه سعيد أبو نادي (39 عاماً) في ظهره، لكنّه رفض التوجّه المستشفى، وأُجريت له إسعافات أولية لتضميد جرحه. يقول أبو نادي لـ"العربي الجديد" إنّه يتشائم من دخول المستشفى في وقت الحروب، "فأنا أُصبت في خلال العدوان الإسرائيلي في عام 2021، ورافقت أسرة كاملة من المصابين واستشهد على يدي ربّ تلك الأسرة".

ويلفت أبو نادي إلى أنّ "كثيرا من الغزيين الذين يميلون إلى تلقّي العلاج في حالات الإصابة في خلال الحروب، من قبل طواقم الإسعاف، بعيداً عن المستشفيات، في حال كانت الإصابات طفيفة.

ولا يخفي أبو نادي أنّ ما حصل معه في عام 2021 "تسبّب لي في أزمة نفسية". ويخبر أنّه "عندما ذهبت إلى المستشفى أوقفني أحد الممرّضين ليقدّم لي العلاج وقد لاحظ دماء عليّ، لكنّني أخبرته أنّه سبق لي أنّ تلقّيت علاجاً"، مضيفاً "وعدت إلى الوراء ورحت أراقب ما يجري في المستشفى... جثث ومصابون وأطفال. وكان ثمّة مصابون على الأرض. لو استمرّت الحال على هذا المنوال، فإنّنا لن نبقى سالمين".

المساهمون