تحوّل الطريق الذي كان ذات يوم أكثر الطرق ازدحاماً في غزة إلى ممر يفزع إليه سكان القطاع النازحون من شمال القطاع إلى جنوبه عبر طرق توصف بـ"ممرات الموت"، على إثر الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
في طريقهم إلى الجنوب، سيراً على الأقدام أو على عربات تجرها الحمير، روى أبناء القطاع الذين فرّوا للنجاة بحياتهم أنهم أجبروا على رفع أيديهم والتلويح بالأعلام البيضاء لتجاوز دبابات الاحتلال الإسرائيلي على طول الطريق السريع ذي الحارات الأربع.
وذكر البعض أن جنود الاحتلال الإسرائيليين أطلقوا النار عليهم، بينما شاهدوا في طريقهم جثثاً متناثرة على طول الطريق.
لم يحمل كثير من النازحين سوى ما يرتدونه. وكانت إحدى النساء مغطاة من الرأس إلى أخمص القدمين بحجاب أسود ورداء، تحتضن طفلاً صغيراً وتمسك بحقيبة يد سوداء، ورجل يسير إلى جانب عربة مغطاة يجرها حمار تنقل عائلته، وعلى ظهرها تكدّست مراتب للنوم.
في شمال قطاع غزة، تحاول قوات الاحتلال البرية، مدعومة بغارات جوية متواصلة، تطويق مدينة غزة، في محاولة لتقسيم القطاع إلى نصفين، وسعوا خلال ذلك إلى طرد الفلسطينيين من شمال القطاع.
ومنذ بداية الحرب، التي دخلت شهرها الثاني، حثّ الاحتلال المدنيين على التحرك جنوباً، بما في ذلك الإعلان عن فترات زمنية قصيرة لما قال إنه سيكون ممراً آمناً وسط الجيب المحاصر، لكن عشرات الآلاف من المدنيين ما زالوا في الشمال، ولجأ العديد منهم إلى المستشفيات أو مرافق الأمم المتحدة.
ويقول أولئك الذين رفضوا مغادرة مناطقهم إن اكتظاظ مناطق الجنوب، وشح إمدادات المياه والغذاء، واستمرار الغارات الجوية الإسرائيلية في مناطق يفترض أنها آمنة، تمنعهم من المخاطرة بالتوجه جنوباً، خاصة بعد روايات مسافرين آخرين عن تعرضهم لإطلاق النار.
ورفض المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أمس الاثنين، العروض الإسرائيلية الخاصة بالممر الآمن، ووصفها بأنها "ليست سوى ممرات موت"، مشيراً إلى أن الجثث ملقاة على الطريق منذ أيام، ودعا اللجنة الدولية للصليب الأحمر لمرافقة سيارات الإسعاف المحلية لانتشال القتلى.
وخلال فترة الإخلاء التي استمرت أربع ساعات، الأحد الماضي، تحرك أقل من ألفي شخص، تبعهم حوالي 5 آلاف يوم الاثنين، وفقا لمراقبي الأمم المتحدة، وكان عدد من هؤلاء من سكان مدينة غزة ومخيم الشاطئ للاجئين، والذين فرّوا يوم الاثنين بعد القصف الإسرائيلي العنيف هناك خلال الليل.
أمل، شابة رفضت الكشف عن اسم عائلتها بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، تقول: "الليلة الماضية كانت صعبة للغاية"، إذ خرجت ضمن مجموعة تتألف من 17 شخصاً في رحلة نزوح نحو الجنوب، يوم الاثنين، مشيرة إلى إطلاق دبابات الاحتلال النار بالقرب من المجموعة، ثم أمر الجنود الجميع برفع أيديهم والأعلام البيضاء قبل السماح لهم بالمرور.
"رحلة مخيفة استمرت لساعات"، هكذا وصفت نور ناجي أبو ناصر (27 عاماً) رحلتها إلى مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، والتي وصلتها يوم الأحد الماضي، قائلة: "أطلقوا النار من حولنا. أرادوا إخافتنا"، مشيرة إلى أنها شاهدت جثثاً ملقاة على طول الطريق خارج مدينة غزة.
بمجرد وصول الفارين من الشمال إلى الجنوب، يقدم سكان مخيم البريج للاجئين على طول الطريق السريع المياه، وهو مورد نادر في غزة في زمن الحرب، إلى من تم إجلاؤهم.
وأدت الحرب المستمرة منذ أربعة أسابيع إلى نزوح نحو 1.5 مليون شخص في أنحاء غزة، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.
ورغم دعاية جيش الاحتلال بشأن استجابة الآلاف لأوامره بالتحرك جنوباً، لكن مراقبي الشؤون الإنسانية التابعين للأمم المتحدة قالوا إن آلاف الأشخاص الذين تم إجلاؤهم عادوا إلى منازلهم في الشمال بسبب استمرار القصف ونقص الملاجئ في الجنوب.
وتقول وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين إن أكثر من 530 ألف شخص يحتمون في منشآتها في جنوب غزة، والتي باتت الآن غير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد، مضيفة أن العديد من النازحين لجأوا إلى النوم في الشوارع بالقرب من ملاجئ الأمم المتحدة بحثاً عن الأمان.
(أسوشييتدبرس، العربي الجديد)