شكوك حول مدى فعالية "النسوية المعاصرة"

17 أكتوبر 2021
تظاهرة نسائية في لندن (تولغا آكمن/ فرانس برس)
+ الخط -

تدور خلال السنوات الأخيرة نقاشات حول ما إذا كانت تيارات النسوية المعاصرة قد ساهمت في تقدّم المرأة أم لا. وشهدت المجتمعات الغربية أربع موجات نسوية، بدأت الأولى في تسعينيات القرن التاسع عشر ونجحت في الحصول على حق المرأة بالتصويت، بينما ركزت الموجة الثانية على إنهاء عدم المساواة بين الجنسين في القوانين والسياسة ومكان العمل والمجتمع بشكل عام. على الرغم من ذلك، كثيراً ما تُتَّهم الموجة النسوية الثانية بكونها نخبوية، وقد تجاهلت النساء الملونات والمتحولات جنسياً لتركز على النساء من ذوات البشرة البيضاء والطبقة المتوسطة. 
واتجهت الموجة الثالثة نحو مكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل ودعم تبوء النساء مناصب قيادية. أمّا الموجة الرابعة الحالية التي اشتهرت بهاشتاغ  #MeToo (أنا أيضاً)، فركزت على قضايا التحرش الجنسي والتمييز ضد المرأة في أماكن العمل إلى جانب التمييز ضد البدينات واستغلال جسد المرأة في وسائل الإعلام. وتعتمد معظم أنشطتها على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وتواجه الموجة الأخيرة اختلافات في الرأي في ما يتعلق بالنسوية الحديثة التي تهدد بالانقسام بين الأجيال. فالمجموعة الأصغر سنّاً من النسويات تجادل بأن التدابير الوقائية ضرورية لحماية النساء من التحرّش الجنسي، بينما يرى الجيل الأكبر سناً منهنّ بأن الإجراءات الصارمة التي يطالبن بفرضها على "مغازلة" الرجل للمرأة تزيد من الذعر الأخلاقي حول سلامتها. 

وزادت جريمة خطف واغتصاب وقتل الشابة سارة إيفرارد، التي ارتكبها شرطي في مارس/ آذار الماضي في العاصمة البريطانية لندن، من الانقسامات بين النسويات اللواتي طالبن بفرض حظر تجول وقيود قانونية أكبر على الرجال، وأولئك اللواتي يطالبن بنهج أقل صرامة وسلبية والسماح بتحرير المرأة وحمايتها. في هذا الإطار، تقول مالغورزاتا (25 عاماً): "أعتقد أنّ الحركة النسوية الحديثة قد تلحق الضرر بما جاهدت النساء لتحقيقه من قبل. ويكمن خطأ النسويات المعاصرات في اعتقادهن بأنهن متفوقات على الرجال، وأن في إمكانهن العيش من دونهم. وهذا ليس ما ناضلت من أجله النسويات في القرن العشرين". 
بدورها، تقول جاستينا (23 عاماً): "قبل نحو خمس سنوات، كنت أعتبر نفسي نسوية انطلاقاً من إيماني بضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء. اليوم، أتردّد في تسمية نفسي واحدة منهن، لأنني أرى أنّ النسوية الحديثة تفتقر إلى هدف واضح. وغالباً ما تهاجم الرجال بوسائل غير عادلة. على مر التاريخ، تم إسكات أصوات العديد من النساء. واليوم، أتاح الإنترنت للنساء رفع أصواتهن عالياً وإيصالها إلى العالم، ورحن يمزقن الرجل بدلاً من الترويج للحب والتعاطف مع الجميع وتقدير الأنوثة. ما يحزنني هو أن المرأة القوية بنظرهنّ هي تلك التي تتصرف مثل الرجال". 

محتجة على قتل النساء في فرنسا (جيزفري فان در هاسلت/ فرانس برس)
محتجة على قتل النساء في فرنسا (جيزفري فان در هاسلت/ فرانس برس)

أمّا تينا (30 عاماً)، فتقول إنّ "حركة التحرير التي تعرف بالنسوية المعاصرة لا تؤيد في الواقع مستقبل المرأة ولا تخدمه بل تعمل ضده. وربما تكون حركة قائمة على رد فعل". تتابع: "برأيي، يجب على المرأة التأكيد على تفردها وما تتمتع به من ميزات وحدها دون الرجل". 
من جهتها، تقول أيدا (62 عاماً)، إنّ "اهتمام النسويات المعاصرات يقتصر على أنفسهن، إذ لا يمثلن القضايا التي تعاني منها جميع النساء في مجتمعات اليوم. اهتمامهن الوحيد ينحصر في خدمة أجندتهن الضيقة". أما ناديا (61 عاماً)، فتقول: "ناضلت المرأة لعشرات السنوات من أجل حقوقها، وقد حصلت على الكثير منها، وظهرت لاحقاً النسوية المعاصرة بتشددها وحولت المشاركة مع الرجل إلى حرب تهدف إلى قتل مفاهيم الرجولة فيه. أرفض هذه الحرب الخاسرة".
في المقابل، تقول رنا (43 عاماً)، المؤيدة للنسوية المعاصرة، إن "النساء في عالم اليوم يخضن تحديات كبيرة تشمل الجندرة والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى حقوق العائلة والكينونة والاستقلال الفكري والمادي، وخصوصاً في المجتمعات المنغلقة والمحافظة". تضيف أن "النساء في الشرق يكافحن على جبهات متعددة، وخصوصاً في المجتمعات المتشددة وتلك التي توغل في التشدد"، مؤكدة أنه "يتوجب على نساء الغرب الكفاح أيضاً في عالم يزداد توغلاً في المادية والفردية".

يشار إلى أن جولي بيندل، الكاتبة النسوية الإنكليزية والمؤسسة المشاركة في مجموعة الإصلاح القانوني باسم العدل للمرأة، هي من بين اللواتي يرين أن النسوية المعاصرة تضرّ بالمرأة أكثر مما تفيدها. وتقول إنّ العديد من الشابات اليوم لا يبالين بالحقوق التي حصلت عليها النساء الأكبر سناً بصعوبة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وبحسب ما أوردت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تقول بيندل إنّ هؤلاء النساء يواجهن الترهيب والتملق للقبول بمفاهيم لا معنى لها، وهي في أحسن الأحوال ساذجة وفي أسوأ الأحوال خطيرة للغاية". تتابع أنّ هؤلاء الفتيات يعتقدن أن "البغاء مهنة مثل أي مهنة أخرى، وأن المواد الإباحية مسألة تحرّر، ويناقشن إذا ما كان يحق للنساء المتحوّلات جنسياً المشاركة في الأماكن المخصصة للنساء فقط، مثل أجنحة المستشفيات أو ملاجئ العنف المنزلي". تتابع: "لا أعتقد أن هؤلاء النساء اللواتي يعتقدن أنّهنّ نسويات يدركن أنهن متواطئات في تقويض حقوقنا، لسبب بسيط أنهن لم يدرسن تاريخ النضال النسوي في الجامعات". 
 

المساهمون