سوريون يخشون خصخصة مرافق القطاع الصحي

05 ابريل 2024
داخل أحد مستشفيات دمشق (كريم صاحب/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزير الصحة السوري، حسن الغباش، أعلن عن خطة لجعل المستشفيات الحكومية هيئات عامة مستقلة لتحسين الخدمات الصحية، مؤكدًا على استمرارية الخدمات المجانية ونفيه لنية بيع القطاع العام.
- مديرو المستشفيات يشددون على أهمية إيجاد حلول لتمويل الخدمات الصحية المجانية مع الحفاظ على جودتها، مشيرين إلى نجاح بعض المستشفيات في تحقيق التوازن بين الخدمات المدفوعة والمجانية.
- النقاش حول خصخصة القطاع الصحي يثير قلق السوريين بسبب الإهمال والفوارق الطبقية، مع تحذيرات من تقليص الخدمات المجانية وزيادة الفوارق الطبقية، مما يستدعي تدخل المجتمع المدني لضمان العدالة في الرعاية الصحية.

أعلن وزير الصحة السوري حسن الغباش مؤخراً أنّ الوزارة تتجه نحو تحويل جميع المستشفيات إلى هيئات عامة مستقلة لها خصوصيتها الإدارية والمالية، معتبراً أن الخدمات المجانية بالمطلق تتيح للمقتدرين الحصول عليها وأخذ فرصة من يستحقها فعلاً. جاء حديث الغباش في ندوة أقامتها جامعة دمشق بعنوان "الاستثمار في الصحة"، نافياً بيع القطاع العام أو إلغاء الخدمات المجانية.
وبدأ عامة السوريين يقرؤون توجه الدولة نحو خصخصة المؤسسات الحكومية تحت شعارات التشاركية أو العقود بعيدة الأمد، أو الاستثمار في القطاع العام، كما يستشعرون البدايات من خلال الإهمال المدروس والمتعمد للمؤسسات الخدماتية. 
ويتحدث مدير مستشفى المواساة الجامعي في دمشق عصام الأمين، عن ضرورة إيجاد الوسائل التي تساعد الحكومة على تحمل أعباء الطبابة المجانية، دون المساس بالشريحة التي تتلقى العلاج المجاني في القطاع العام، مشيراً إلى العبء الكبير الذي تتحمله المستشفيات في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وازدياد الحاجة إلى تلقي الخدمات المجانية، مؤكداً أن الدولة تهدف إلى تحسين الخدمات المجانية من خلال الاستثمار في المستشفيات الحكومية.
وتقول ميس أبو زين الدين، وهي موظفة في مستشفى الأسد الجامعي، لـ "العربي الجديد": "ساهم المردود المادي لأقسام الجراحة والعناية الخاصة في إبقاء مستشفى الأسد في مقدمة المستشفيات الحكومية الناجحة والمتميزة، واستطاع التوفيق بين الخدمة الخاصة والتعليم والخدمات العامة المجانية للمواطنين. وهذا مثال ناجح لوزارة التعليم العالي الذي تتبع له المستشفى ويُقتدى به إذا ما سعت وزارة الصحة للتشاركية في عمل المستشفيات بين القطاع الخاص والقطاع العام، ولكن على الوزارة أن تضبط أجور الخدمات الخاصة بما يتلاءم مع الوضع الاقتصادي للناس، ورفع الجهوزية لناحية التجهيزات والعناية والكادر الطبي وصولاً إلى تقديم خدمات مجانية". 

أجرة السرير الخاص تبدأ من 50 ألف ليرة سورية لليوم الواحد

وفي الإضاءة على عمل مستشفى الأسد الجامعي باعتباره الجهة الأكثر وضوحاً ونجاحاً للعمل التشاركي بين الخاص والعام، نجد أن أجرة السرير الخاص تبدأ من 50 ألف ليرة (الدولار يساوي حوالي 13.850 ليرة سورية) لليوم الواحد بحسب آخر نشرة أسعار صادرة عن المستشفى في شهر يناير/ كانون الأول عام 2023، والسلفة التي تدفع مسبقاً للقبول الخصوصي لقسطرة القلب والجراحة العامة والأمراض الداخلية هي 100 ألف ليرة سورية، وترمم لاحقاً بعد إنهاء العمل الجراحي والإقامة. أما أجور العيادات الخارجية والاستشارات الطبية والمتابعة فتتراوح ما بين ألف و 3 آلاف ليرة، وهذا بمجمله يُعتبر سلفة مقدمة قبل التكاليف اللاحقة للاعمال الطبية. 
وكتب المحامي سامر رضوان في نوفمبر/ تشرين الأول عام 2021 على موقعه الإلكتروني، أن مريضة أرادت إجراء عملية المنظار في المعدة في مستشفى الأسد الجامعي، بعدما دفعت 400 ألف ليرة سلفة الجراحة، وكانت قد أحضرت معها كبسات معدنية بمبلغ 900 ألف ليرة الخاصة بالعملية، فحصل خطأ طبي أدى إلى قطع الوريد المغذي للمعدة ونقلت المريضة إلى قسم العناية المشددة، ليتم فتح بطن المريضة جراحياً، ومتابعتها مدة أسبوع في المستشفى، ولتخرج بعدها من دون إجراء الجراحة المفترضة، لكن حجزت بطاقتها الشخصية لتغطية أجور العمل الجراحي الناتج عن خطأ الأطباء. 
ويقول العديد من المرضى إن مستشفى الأسد الجامعي التابع لوزارة الصحة بأقسامه العامة وضع في خدمة العلاقات الخاصة للمسؤولين والأطباء والجانب التعليمي لطلاب الجامعة وطلاب الاختصاص من الخريجين، في حين يعجز معظم المرضى عن حجز دور قريب في أي عمل جراحي مُستعجل أو إسعافي دون معرفة أو وساطة أو دفع رشوة. 

هذا الأمر يظهر بصورة أكثر سوءاً في القسم الخاص لمستشفى المجتهد في دمشق، وتختلف التسعيرة المحددة من وزارة الصحة عما يدفعه المريض بعد إجراء العمل الجراحي بذريعة التكاليف الاضافية، فيما يعاني مرضى الأقسام المجانية الإهمال والتأجيل، فضلاً عن دفع تكاليف معظم الأدوية والفحوصات المخبرية خارج المستشفى. 
ويقول الطبيب فضل قنطار لـ "العربي الجديد" إنه من "خلال سير عمل القطاع الصحي العام خلال السنوات القليلة الماضية، يتضح أنه يتجه نحو الخصخصة، فقد أُهملت المستشفيات الحكومية وتراجع دورها وانحصرت خدماتها في العمليات الجراحية الإسعافية والباردة بحسب الدور، وبعض خدمات التصوير الشعاعي والتحليل المخبري"، ويضيف أن "تحويل المستشفيات إلى هيئات عامة مستقلة، يتطلب ظروفاً وقواعد واضحة للعمل التشاركي الخاص في ظل المحافظة على الخدمات المجانية، وهذا الأمر غير ممكن لأسباب أهمها عدم القدرة على منافسة المستشفيات الخاصة ومراكز التصوير الشعاعي والتحاليل الطبية، إلا بإمكانيات وأجور موازية. وهذا الأمر لا يمكن أن يخدم الأقسام الأخرى مجاناً"، ويسأل قنطار عن الجهة المسؤولة عن تقييم وضع المريض المادي لإدخاله وعلاجه في القسم المجاني، وتدخل الواسطة والسلطة والعلاقات الخاصة بين الطبيب والمريض ومن ثم الرشوة والفساد. 
ورغم أن الصورة العامة لاستقلالية المستشفيات تبدو مشرقة لناحية توفر الاهتمام والنظافة، لكن سرعان ما تتضح للمريض الفوارق الشاسعة بين المأجور والمجاني، والفوارق الطبقية. ومن الواضح أن هذا القطاع يسير باتجاه الخصخصة كما حال بقية مؤسسات الدولة، وعلى المجتمع المدني أن يتهيأ لحلول تعتمد على العمل الإغاثي والخيري ومنظمات العمل الإنساني.

المساهمون