حذّرت لجنة تحقيق دولية من إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم في ظل الأوضاع الحالية، في وقت لا يفوت فيه النظام مناسبة للادعاء أنه يُسهّل عودتهم، ويساوم المجتمع الدولي على رفع العقوبات الاقتصادية للبدء بعملية إعادة الإعمار، بذريعة تذليل العوائق أمام عودتهم، في حين يواصل بطشه وانتهاكاته الأمنية مع غالبية من يعود إلى مناطق سيطرته، الأمر الذي يدفع كثيراً من السوريين إلى الفرار رغم الأخطار الكبيرة التي تهدّد حياتهم في رحلة اللجوء القاسية.
وقال رئيس لجنة التحقيق المعنية بالجمهورية العربية السورية التابعة للأمم المتحدة باولو بينيرو محذرا المجتمع الدولي: "إنه فيما يظن البعض أن الصراع في سورية على وشك الانتهاء، فإن الحقائق على الأرض ترسم صورة مختلفة".
ولفت بينيرو، في كلمة سابقة ألقاها أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أن "هذا ليس الوقت المناسب ليظن أحد أن سورية آمنة وأنه يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم، لا بل نشهد تصاعدا في القتال والعنف".
وأوضح أنه "بينما نتحدث الآن، لا يزال ملايين المدنيين مضطرين لمواجهة الحرب والإرهاب والحزن. والعديد من النازحين وجدوا ممتلكاتهم مدمرة أو استولت عليها الحكومة أو الجماعات المسلحة أو الجماعات الإرهابية، ولم يتبق لهم سوى القليل للعودة إليه وآفاق ضئيلة لكسب معيشتهم".
من جانبه، قال زياد.م (40 عاما)، وقد تحفظ على اسم عائلته لأسباب خاصة، وهو لاجئ مع عائلته في إحدى الدول الأوروبية، لـ"العربي الجديد": "من سيعود إلى الجحيم بقدميه؟ النظام ما زال يهدد أمن كل سوري في الداخل وفي الخارج، مغيبا حتى القانون والدستور اللذين وضعهما بنفسه، وما زال في أقبية أجهزته الأمنية يغيب عشرات آلاف المدنيين، وهناك من يفقدون حياتهم جراء سوء الرعاية الصحية أو التعذيب أو أحكام المحاكم الخاصة، مثل محكمة الإرهاب والمحكمة الميدانية العسكرية القاضية بإعدام المناهضين له".
وأضاف: "أحد أقاربي عاد إلى سورية منذ أربع سنوات، ورغم أنه كان خارج البلاد قبل الثورة، ولا يتعاطى السياسة، راجع العديد من المرات الأفرع الأمنية للتحقيق معه حول السوريين الذين كانوا معه وداعمين للثورة".
من جانبه، قال فراس رضوان (43 عاما)، وهو لاجئ مع عائلته إلى إحدى الدول الأوروبية: "يومياً هناك شباب يفرون من سورية قاصدين أوروبا جراء تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية وانعدام الأمل في المستقبل، في حين بدأنا نحن نشعر بالاستقرار. أبناؤنا في المدارس ونحن نعمل، ونحلم بالحصول على الجنسية لكي نمارس المواطنة الكاملة. هنا نشعر بالأمان الأمني والاقتصادي".
وأضاف: "العودة إلى سورية أمر مستبعد لكل من يعيش في أوروبا، حتى من يعيشون في مخيمات لا تصلح لحياة البشر في لبنان والأردن، وحتى السوريون في تركيا، يستبعدون العودة للعيش في ظل سطوة النظام، على الأقل في تلك المخيمات يشعرون بالقليل من الأمان، أما في سورية فالنظام يستبيح كل حقوق المواطنين، ويسرقهم ويحرمهم من أبسط مقومات الحياة بسبب الفساد المستشري في مفاصله".
مواطن سوري: من سيعود إلى الجحيم بقدميه؟ النظام مازال يهدد أمن كل سوري في الداخل وفي الخارج، مغيبا حتى القانون والدستور الذي وضعهم بنفسه
وفي الوقت الذي يتحدث النظام عن عودة اللاجئين، حزم فؤاد.ن (25 عاما)، طلب عدم الكشف عن اسم عائلته، أمره قبل أيام، وخرج من سورية عبر طرق غير شرعية، ترافقه زوجته وطفلاه، قاصدا الوصول إلى أوروبا عبر ركوب البحر مغامرا بحياته وحياة عائلته، قائلا لـ"العربي الجديد": "أصبح البقاء في سورية يعادل الموت، لذلك قررنا السفر، فإما يكتب لنا أن نعيش بكرامتنا وأضمن مستقبل أطفالي، وإما أن نموت في البحر، ونكون قد حاولنا".
من جانبه، قال عقيد متقاعد طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد": "نهاية الأسبوع المقبل، سأتوجه مع ابني المهندس وشقيقي إلى أوروبا، عبر السفر إلى إحدى دول شرق أوروبا، ومن ثم نكمل الطريق سيرا إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي"، معربا عن اعتقاده بأن "الوضع في سورية يتجه إلى الأسوأ، والنظام سيستمر بتدمير سورية مقابل بقائه على رأس الحكم فيها، في وقت لم يعد في البلد أي من مقومات الحياة".
وأضاف: "كل شخص يستطيع تأمين تكاليف رحلة اللجوء لا يفكر قبل أن يأخذ قرار اللجوء، فما دامت سورية عالقة من دون حل، سيستمر نزيف السوريين، وواضح رأي السوريين بالعودة، فأي دولة تطرح إعادة السوريين تجدهم يعتصمون ويقدمون العرائض لإلغاء هذا التوجه، واليوم في البلد العشرات يخرجون يوميا عبر طرق شرعية أو غير شرعية، في حين ينتظر الآلاف الحصول على جواز سفر، جراء الضغط على استخراجه، للخروج إلى أي بلد يشعرون فيه بالأمان".
وكان وزير الخارجية والمغتربين في حكومة النظام فيصل المقداد تحدث خلال لقائه مع المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في الـ17 من الشهر الجاري، بحسب وكالة "سانا" التابعة للنظام، عن "مجالات التعاون بين الحكومة السورية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (..) وأهمية استمرار وتعزيز التعاون بين الحكومة السورية والمفوضية السامية للاجئين، مستعرضا الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية لتسهيل عودة المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم".
وزعم أن النظام "حريص على التعاون مع المفوضية في هذا المجال، على أساس الحفاظ على سيادة واستقلال ووحدة سورية أرضا وشعبا، بعيدا عن محاولات بعض الأطراف استخدام هذا الملف لأهداف سياسية تتناقض مع مصلحة السوريين ومع الطابع الإنساني له".
من جانبه، أكد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان له نشر على موقع الأمم المتحدة الرسمي، مجددا، دعم المفوضية الفئات الأكثر ضعفا في سورية، كما حثّ على توسيع نطاق المساعدات الإنسانية في البلاد، بما في ذلك المساعدات المقدمة للأشخاص الذين اختاروا العودة إلى ديارهم بعد أعوام من النزوح داخل بلدهم وخارجه، قائلا "إنهم مواطنون سوريون، وهي مسؤولية الحكومة أن تضمن الأمان لهم".
وأكد التواصل مع حكومة النظام السوري لتسليط الضوء على مخاوف اللاجئين المتعلقة بسلامتهم وحقوق الملكية، وسبل عيشهم، قائلا: "نحتاج أيضا إلى مساعدة المجتمع الدولي لتوفير الموارد الأساسية، لكي يتمكن الناس أيضا من إصلاح منازلهم المتضررة والحصول على المياه والرعاية الصحية، وإرسال أطفالهم إلى المدرسة"، لافتا إلى أن "العودة المستدامة" تتطلب تعاونا من جميع الأطراف المعنية، وأنه "يجب علينا أيضا أن نضمن الدعم القوي والفعال للاجئين والدول المضيفة".
وبحسب المفوضية، اضطر أكثر من 13 مليون سوري للنزوح خلال السنوات العشر الماضية، نحو 6.7 ملايين منهم داخل البلاد، و5.5 ملايين شخص تستضيفهم خمس من دول الجوار في المنطقة.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت، في الـ20 من الشهر الجاري، تقريرا نشرته على موقعها الرسمي، أكدت فيه أنه رغم أن بعض أجزاء سورية لم تشهد أي أعمال عدائية منذ 2018، فإن سورية ما زالت بلدا غير آمن.
وبينت أن هذا التقرير، الذي يستند إلى 65 مقابلة مع لاجئين سوريين عادوا إلى بلادهم من الأردن ولبنان، أو مع أقارب لهم، يوضح لماذا سورية غير آمنة للعودة، ويوثق الانتهاكات الخطيرة والواقع الاقتصادي القاسي الذي يواجهونه عند العودة، ويشرح لماذا بعضهم يقرّر العودة رغم هذه الصعوبات.
ووجد التقرير أنّ العائدين يواجهون الكثير من الانتهاكات نفسها التي دفعتهم إلى الفرار من سورية، ومنها الاضطهاد والاعتداءات، والاعتقال التعسفي، والاحتجاز غير القانوني، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختطاف، وتفشي الرشوة والابتزاز على يد أجهزة الأمن السورية والمليشيات التابعة للحكومة.
إلى ذلك، تؤكد وكالة الأمم المتحدة المعنية بتوفير الحماية الدولية والمساعدات الإنسانية للاجئين – "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" (مفوضية اللاجئين) – أن سورية "بلد غير آمن"، وأنها لن تُسهّل عمليات العودة الجماعية إليه في غياب شروط الحماية الأساسية، لكنها ذكرت أنها ستساعد اللاجئين الأفراد الذين يقررون العودة طواعية.
كما ذكّر قرار برلماني، صادر عن الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2021، الدول الأعضاء بأنّ "سورية ليست آمنة لعودة اللاجئين".