سوريون يتخلّون عن مواليدهم

05 مارس 2021
أسباب عدة تدفع للتخلي عن الأطفال معظمها مرتبط بالحرب (نزار الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

بات أمراً معتاداً أن يعثر سكان محافظة إدلب، شمال غربي سورية، الخاضعة لسيطرة المعارضة، على طفل حديث الولادة، ملقى في أحد شوارع مدن وبلدات المحافظة، وقد كتبت إلى جانبه وصية تدعو من يعثر عليه للاهتمام به، ومعاملته بالحسنى، لكن في كثير من الأحيان يفارق هؤلاء الأطفال الحياة، بسبب تدني درجات الحرارة والجوع.
الحصيلة الأكبر شهدها أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ عثر الأهالي على أربعة أطفال، توفي اثنان منهم قبل العثور عليهم. ولم تقتصر المسألة على إدلب، بل امتدت إلى ريف محافظة حلب، الخاضع لسيطرة فصائل الجيش الوطني السوري المعارض، خصوصاً ريف مدينة عفرين التي استقبلت مئات آلاف النازحين من وسط وجنوب سورية.
في هذا الإطار، يقول مدير فريق "منسقو استجابة سورية" محمد حلّاج، لـ"العربي الجديد"، إنّ الفريق وثّق العثور على 76 طفلاً منذ مطلع عام 2020، كان آخرهم قبل أيام في مدينتي دركوش وأريحا بريف إدلب. يشير إلى أنّ هؤلاء الأطفال يتخلّى عنهم أهاليهم لأسباب تعود إلى انتشار الفقر في الشمال السوري، وغلاء الأسعار وصعوبة تربية الأطفال، خصوصاً في كنف العائلات التي فقدت مصادر دخلها خلال سنوات الحرب الطويلة. 
يتابع أنّ هناك أمراً أخطر، هو زواج سوريات من مقاتلين أجانب، وتخلّي هؤلاء الأزواج عن زوجاتهم، ما يضطّر الزوجة للتخلّي عن مولودها حتى لا يلحق بها العار في مجتمعها ولا تكون للأمر تبعات قانونية في المستقبل قد تضطّرها للتخلي عنه بعد أن تكون قد تعلّقت به. ويلفت إلى أنّ جميع الحالات التي جرى توثيقها بقي فيها الأطفال مجهولي النسب، ولم توثّق أيّ حالة عاد فيها الطفل إلى عائلته الأصلية، لكن، هناك كثير من العائلات التي كانت تبادر إلى تبنّي هؤلاء الأطفال قبل وصولهم إلى مراكز الشرطة المنتشرة في المنطقة والمحاكم.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

الصحافي المهتم بقضية الأطفال اللقطاء وابن محافظة إدلب محمود بكّور، يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك أمهات يضعن أولادهن الذين لا تتجاوز أعمارهم ساعات أو أياماً قليلة، أمام المساجد وفي الحدائق العامة أو إلى جوانب الطرقات ويغادرن، كي يعثر عليهم المارة والسكان فيضمونهم إلى رعايتهم، وحينها يلجأ كثير من العائلات إلى تبنّي هؤلاء الأطفال ما لم تحضر فرق الدفاع المدني والشرطة. يؤكّد أنّ هناك مركزاً للأيتام يتبع لحكومة الإنقاذ (التابعة لهيئة تحرير الشام)، في مدينة إدلب، ينقل إليه هؤلاء الأطفال في حال لم يرغب أحد بتبنّيهم. ويلفت إلى أنّ المشكلة الكبرى هي باستخراج وثائق رسمية لهؤلاء الأطفال، بالإضافة إلى المشاكل النفسية الأخرى التي ستلاحقهم بعد أن يكبروا ويتعرّفوا إلى تفاصيل ما حدث لهم، فهم ضحية فترة حرب وأخطاء مجتمعية تتحمّلها كلّ السلطات، ومنها سلطات الأمر الواقع، على حدّ قوله.
أما القاضي حسين حمادة، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ هؤلاء الأطفال يسمّون بـ"اللقطاء" قانوناً، كما ينصّ القانون على أنّ لأمين السجل المدني أن يطلق على "اللقيط" اسماً وكنيةً هو يختارها، وهذا منصوص عليه في قانون الأحوال المدنية، في "باب أمين السجل المدني". وفي خصوص الناحية القانونية للتبنّي، يشير حمادة إلى أنّ القانون السوري والشريعة الإسلامية التي تعتبر مصدر التشريع في سورية يحرّمان التبني، ولا يمكن تسجيل هؤلاء الأطفال باسم أيّ عائلة أخرى، ويؤكّد على أنّ قضية التبني ستخلق مشاكل قانونية ومجتمعية كثيرة مستقبلاً.
من جهتها، سجّلت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" العثور على ما لا يقلّ عن 40 طفلاً حديث الولادة كان ذووهم قد تخلوا عنهم، خلال 2018 والنصف الأول من 2019، ورجّح الباحثون الميدانيون لدى المنظمة أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير، لا سيما أنّ هناك حالات حدثت في أماكن بعيدة، وواجهوا صعوبة في توثيقها.

وفي إحصائيات غير رسمية، بلغ عدد سكان إدلب أكثر من أربعة ملايين نسمة، من بينهم مليون و43 ألفاً و689 نازحاً يقطنون في 1293 مخيماً، تتوزّع على شكل شريط قرب الحدود السورية - التركية، ومعظم قاطنيها من محافظات وسط وجنوب البلاد التي شهدت ارتفاعاً في حدة الصراع، وعمليات تهجير أشرفت عليها روسيا. 
وولد منذ بداية الحرب، بحسب إحصائيات للأمم المتحدة، نحو ستة ملايين طفل سوري، ولا يعرف هؤلاء الأطفال سوى الحرب والنزوح، بينما يتعرض للقتل في سورية ما معدله طفل واحد كلّ 10 ساعات بسبب العنف. وحذّرت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، في يونيو/ حزيران الماضي، من أنّ سورية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، إذ يفتقر أكثر من 9.3 ملايين شخص إلى الغذاء الكافي، في وقت قد يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا الجديد بالبلاد. وقال برنامج الأغذية العالمي إنّ عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة الماضية.

المساهمون