سوريون إلى تركيا للعلاج نتيجة نقص في الخدمات

16 مايو 2022
في خلال عملية نقل مريض عند الحدود السورية-التركية (العربي الجديد)
+ الخط -

أدّت العمليات العسكرية في الشمال السوري إلى تضرّر القطاع الطبي بشكل كبير، وقد فاقمت الأمر حركات النزوح المتتابعة التي حصرت ملايين النازحين في بقعة جغرافية ضيّقة على مقربة من الحدود مع التركية. يترافق ذلك مع تقطّع أوصال المنطقة، ومنع المحتاجين إلى علاج من التوجّه إلى المدن السورية الكبيرة من أجل إجراء العمليات الجراحية الدقيقة، نتيجة إحكام النظام السوري سيطرته على محافظتَي دمشق وحلب. وقد اضطرّ الواقع الصحي القائم الأجهزة العاملة في المنطقة إلى إرسال مرضى القلب والسرطان وذوي الإصابات الحرجة إلى المستشفيات التركية من أجل تلقّي العلاج فيها. فالمستشفيات والمراكز الطبية في المنطقة تفتقر إلى الأجهزة الطبية الحديثة، وثمّة معاناة في الوقت نفسه ترتبط بتأمين الكهرباء وكذلك الأدوية والمستلزمات الطبية المختلفة.
سمر الشلح من بين هؤلاء المرضى السوريين، تخبر "العربي الجديد" أنّها دخلت إلى تركيا من معبر باب الهوى من أجل تلقّي علاج للسرطان، موضحة أنّ "طبيبي أعلمني بأنّ الأدوية لم تعد كافية وبأنّني في حاجة إلى علاج كيميائي، لذا أحالني إلى مكتب التنسيق الطبي عند معبر باب الهوى، فأجرت لي لجنة تركية فحوصات وحُدّد موعد لدخولي". تضيف الشلح أنّ "الخدمات الطبية في تركيا متطوّرة، لكنّني حزينة لأنّي لم أتمكّن من إدخال أطفالي الصغار، فأنا لا أعلم المدّة التي سوف أقضيها في تركيا بعيدة عن أولادي. وهذا أمر قد يؤثّر على تعافيّ، إذ نصحني الطبيب بالاهتمام بصحتي النفسية، لأنّ العامل النفسي مهمّ جداً لدى مرضى السرطان".

ويقول مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى الطبيب بشير الإسماعيل لـ"العربي الجديد" إنّ "المكتب يعمل على التنسيق بين المستشفيات ومندوبين عن وزارة الصحة التركية من أجل إدخال الحالات الطبية التي لا علاج لها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالإضافة إلى الإصابات الحربية الحرجة والحوادث التي تحتاج إلى العلاج على وجه السرعة".
ويشرح الإسماعيل أنّ "عملية تحويل الحالات الحرجة لا تتوقّف على مدار الساعة، فيُعرَض المريض على الفريق الطبي التركي الذي ينسّق بدوره مع المستشفيات التركية بحثاً عن سرير شاغر في إحدى المؤسسات الاستشفائية"، لافتاً إلى أنّ "عدد الحالات الحرجة يترواح ما بين 160 و200 شهرياً، وفي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام استقبلت المستشفيات التركية 535 مريضاً من ذوي الحالات الحرجة".
يضيف الإسماعيل أنّ "الجانب التركي يستقبل يومياً 30 حالة باردة بعد تحويل المريض من العيادات المعتمدة لأمراض القلب والسرطان. ويُشترط في الحالات الباردة ألا يكون لها علاج في الشمال السوري. وقد استقبلت المستشفيات التركية في خلال الربع الأول من العام الجاري 1138 مريضاً، بمعدّل 375 مريضاً شهرياً".

نقل امرأة سورية للعلاج في تركيا (جم غنجو/ الأناضول)
إلى تركيا لتلقّي العلاج (جم غنجو/ الأناضول)

في سياق متصل، بدوره يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في معبر باب الهوى مازن علوش لـ"العربي الجديد" إنّ "إدارة المعبر لا تسمح بدخول مرافقين مع المرضى تخطّت سنّهم ثماني سنوات، فهي لا تستطيع التدخّل في قرارات الأتراك. لكنّها وظّفت متابعين للمرضى الذين يدخلون في حالات طارئة في ولاية هاتاي (جنوبي تركيا) فقط، وهؤلاء يتابعون الحالات حتى عودتها إلى سورية". يضيف أنّ "إدارة المعبر تعمل على توسيع نشاطها لتتمكّن من متابعة المرضى الذين يدخلون بحالات غير طارئة".
ويشير علوش إلى أنّ "إدارة المعبر التركية تساهلت أخيراً مع المرضى الذين يحتاجون إلى مراجعة أطبائهم وسمحت لهم بالعودة إلى سورية ثمّ الدخول من جديد إلى تركيا للمراجعة الطبية. بالتالي لم تعد تدخلهم من ضمن المرضى المسموح لهم بدخول أراضيها يومياً، إذ كانوا في السابق يُحتسبون من ضمن الحالات الثلاثين التي يُسمح بدخولها يومياً". ويتابع علوش أنّ "المكتب الطبي يوفّر خدمة متابعة حالة المريض لعائلته ويؤمّن له الاحتياجات البسيطة من قبيل التنقل والترجمة".
تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من خمسة ملايين نسمة يعيشون في المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام، شمالي سورية، علماً أنّ أكثر من مليون ونصف مليون منهم يعيشون في مخيمات عشوائية تشهد واقعاً طبياً متردياً، وتنتشر على شكل شريط بالقرب من الحدود السورية-التركية، خصوصاً في ظلّ صعوبة تنقّل المرضى بين مناطق إدلب من جهة وحلب والرقة والحسكة من جهة أخرى، بالإضافة إلى الصعوبات الأخيرة التي طرأت على مسألة إدخال المرضى إلى المستشفيات التركية واقتصار ذلك على الأمراض الحرجة والحالات الساخنة.

ويعود تراجع الخدمات الطبية في الشمال السوري إلى طول سنوات الحرب بالإضافة إلى الأضرار التي خلّفتها العمليات العسكرية. وبحسب ما جاء في تقرير للجنة الإنقاذ الدولية، وهي نظمة غير حكومية تهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية، صادر في مارس/ آذار 2021، فإنّ العاملين في مجال الرعاية الصحية لم يسلموا من الهجمات كذلك. وبيّن أنّ 68 في المائة منهم كانوا في داخل منشآت صحية عند تعرّضها لهجوم، ونتيجة لذلك بات العاملون يخشون على أنفسهم، الأمر الذي دفع كثيرين منهم إلى مغادرة البلاد.

المساهمون