ما زالت قوات النظام السوري تفرض حصاراً خانقاً على مخيّم الركبان للنازحين، الواقع على الحدود السورية الأردنية، منذ نحو 60 يوماً، الأمر الذي أدّى إلى نفاد معظم المواد التموينية والأدوية وحليب الأطفال، بسبب منع المهرّبين من إدخال تلك المواد، وذلك من أجل فرض مزيد من التضييق على السكان الذين يرفضون التوجّه إلى مناطق سيطرة النظام.
ونتيجةً لطول هذا الحصار وتعذّر إيجاد حلول من قبل الأمم المتحدة أو غيرها من الأطراف، غادرت، أمس الخميس، خمس عائلات تتألف من أكثر من 30 شخصاً مخيّم الركبان، واتّجهت إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، على الرغم من احتمال اعتقال أفراد منها، بحسب ما يفيد مدير مكتب العلاقات العامة في المجلس المحلي لمخيّم الركبان محمد الفضيل "العربي الجديد".
ويقول الفضيل الذي يقيم في المخيّم إنّ "شهر يونيو/ حزيران الماضي شهد مغادرة 20 عائلة، معظم أفرادها من النساء والأطفال وكبار السنّ الذين لم يعودوا قادرين على تحمّل الظروف المزرية، إذ فُقد من محال المخيّم وصيدلياته حليب الأطفال الذي بيع أخيراً بـ35 ألف ليرة سورية (نحو 14 دولاراً أميركياً)، وكذلك أدوية الأمراض المزمنة، في حين باتت الأغذية المتوفّرة تُباع بأسعار باهظة لا تستطيع العائلات كلها شراءها".
يضيف الفضيل أنّ "ثمّة مزيداً من العائلات التي تنوي المغادرة، إذ لم تعد المساعدات الإنسانية تدخل إلى المخيّم منذ عام 2019، علماً أنّ المواد التي كانت تصل كانت تُباع للسكان، والأمر يشمل ما حملته الشاحنات التي دخلت من الأردن قبل أكثر من أسبوعَين".
ويتابع الفضيل أنّ "المياه لم تعد متوفّرة بشكل كافٍ بعد تخفيض منظمة يونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) المخصصات في الشهر الماضي، الأمر الذي أثّر على السكان كما على الخضراوات المزروعة والمواشي التي تُعَدّ أهم مصدر غذائي لسكان المخيّم". ويوضح أنّ "الثروة الحيوانية ما زالت في تناقص بسبب نقص المياه وارتفاع أسعار العلف، يُضاف إليها سوء الأوضاع المعيشية. وقد بيع أخيراً كيلوغرام اللحم في المخيّم بـ27 ألف ليرة (نحو 11 دولاراً)، وكيلوغرام لبن الغنم بـ9000 ليرة (نحو 3.5 دولارات).
في سياق متصل، يقول أحد سكان مخيم الركبان وقد فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعيشة في المخيم باتت لا تُطاق. بالإضافة إلى التجويع والحصار، تتزايد العواصف الرملية هذا العام، ولا يكاد السكان يتنفسون هواءً نقياً بعد عاصفة ما إلا وتأتيهم الثانية، خصوصاً أنّ المخيّم يقع في منطقة صحراوية خالية من المساحات الخضراء".
ويؤكّد النازح السوري نفسه ما قاله الفضيل، متحدّثاً عن "العائلات التي تتحضر للمغادرة، خصوصاً في غياب أيّ جهة تهتمّ بالنازحين، وقد قرّرت مواجهة الاعتقال والتوقيف من قبل قوات النظام السوري، هرباً من الموت جوعاً في صحراء نائية".
وفي يونيو/حزيران الماضي، دخلت المخيّم شاحنات كبيرة محمّلة بمواد مختلفة، لا سيّما الطحين والسكر والأرزّ والزيت والغاز، بعد أن أجرى أحد التجار اتفاقاً مع الجانب الأردني، وقد بيعت للنازحين في المحال التجارية.
وفي الآونة الأخيرة، راحت عائلات في مخيم الركبان تغادره على فترات متقطعة، إمّا متوجّهة إلى مناطق سيطرة النظام السوري وإمّا إلى مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) عبر طرق التهريب، وذلك على خلفية الحصار الخانق المفروض من قبل قوات النظام وروسيا على المخيّم، من دون توفّر أيّ ضمانات أمنية لهذه العائلات بعدم تعرّض أفرادها للاعتقال من قبل أجهزة النظام الأمنية.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كلّ الأطراف المعنية إلى التحرك العاجل لتقديم الدعم الإغاثي للنازحين السوريين في مخيّم الركبان، في ظل اشتداد الأزمة الإنسانية ونفاد المواد الأساسية. وأوضح المرصد، في بيان، أنّ نحو ثمانية آلاف نازح سوري في المخيّم يعانون من ظروف معيشية سيّئة جد، بسبب حصار قوات النظام السوري، وإغلاق الجانب الأردني من الحدود، وامتناع قوات التحالف الدولي عن تقديم أيّ مساعدة إنسانية.