يستعرض الكابتن السوري فجر الراشد (47 عاماً) من ذوي الاحتياجات الخاصة عبر هاتفه صور البطولات التي حقّقها مع منتخب مدينة الرقة خلال السنوات الماضية، واختياره واثنين من فريقه لتمثيل منتخب سورية بالبطولة الأفروآسيوية عام 2008، متحدين الإعاقة والتحديات المحدقة بها في سورية.
يقول الراشد لـ"العربي الجديد": "تحدّيت الإعاقة الحركية منذ فترة المراهقة والشباب، كانت رياضة كرة الطائرة الأنسب لوضعي كوني لا أمتلك أطرافاً سفلية، ثم شكلت برفقة زملائي من ذوي الاحتياجات الخاصة فريقاً في مدينة الرقة في عام 2003 وباشرنا التدريبات في الصالة الرياضية آنذاك".
ويتابع "بالعزيمة والإرادة استطعنا تمثيل مدينة الرقة في بطولة ذوي الاحتياجات الخاصة في دمشق وحمص وطرطوس، ونلنا في عام 2006 المركز الثالث، وفي العام الذي يليه المركز الثاني، ثم شاركنا في بطولة الجمهورية بكرة الطائرة التي أقيمت في مدينة الفيحاء الرياضية بدمشق، وجرى اختيار ثلاثة لاعبين من الرقة كنت من بينهم لبطولة الطائرة الأفروآسيوية 2007".
لم يقتصر نشاط تحدي الإعاقة على لعبة كرة الطائرة، بل أيضاً كانت هناك رياضات كمال الأجسام والسباحة، يضيف الراشد "كانت المواهب من ذوي الاحتياجات بالرقة تأتينا من كل حدب وصوب في مهارات إعجازية بمجالات عدة، لكن مع بداية الحرب في الرقة عام 2013 فقدنا ثلاثة من أعضاء الفريق، لم يتبق سوى ستة من أصل 12 لاعباً، ثلاثة ماتوا وثلاثة هاجروا".
ويوضح الراشد: "نجتمع في وقتنا الحالي بعد تحرير الرقة من تنظيم "داعش" في الحديقة المرورية كل يوم سبت، نستذكر أيام البطولات التي لعبناها، كوننا نفتقر حالياً لأي دعم رياضي أو اجتماعي، ونطمح لإعادة تشكيل فريق جديد بالرقة، لأني وزملائي المتبقين نستطيع التدريب والتأهيل في المجال الرياضي".
بدوره، يقول عبد الصمد سلامة النجم، وهو أحد أبطال فريق الاحتياجات الخاصة بالرقة سابقاً، في حديثه لـ"العربي الجديد": "لا نحظى بأي دعم أو حتى مقر للقاء، فنضطر للاجتماع في الحديقة المرورية، فضلاً عما يطرحه أيضاً الوصول إليها من إكراهات الطريق وعدم توفر وسائل مواصلات".
ويضيف: "لا تعوزنا الأفكار ولا المقترحات، لكن ليس هناك صوت يسمعنا أو يهتم بنا، نحتاج الدعم والرعاية في الصحة والولوجيات وغيرها، ومنحنا فرصة أيضاً للاندماج في المجتمع"، مناشداً الجهات المسؤولة لأخذ واقع ذوي الإعاقة بعين الاعتبار "نستطيع تقديم العديد والمزيد بالمجال الرياضي والثقافي، لكن الأمر مرتبط بتوفير البيئة المناسبة لنا".
صرخة النجم يقاسمها إياه محمد الهنداوي الذي يقول لـ"العربي الجديد": فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من أكثر المتضررين في المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بالوضع الصحي والمعيشي وتوفير الدعم النفسي والمعنوي، ورغم كل ذلك استطعنا سابقاً تحقيق إنجازات وبطولات، ومثّلنا مدينة الرقة، وكسرنا الصورة النمطية والاستضعاف ونظرة المجتمع لذوي الإعاقة، وأثبتنا أننا فاعلون.
ويتابع الهنداوي: نفتقد حالياً أدنى المقومات لإعادة إحياء المهارات والرياضات الخاصة بنا، فلا يوجد أي مركز أو ناد للتدريب واستقطاب المواهب من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون لرعاية طبية ودعم نفسي وجلسات معالجة فيزيائية، خاصة في ظل الواقع المعيشي الصعب، وعدم قدرة غالبيتهم على التنقل بسهولة، ونقص الاهتمام من قبل الجهات المسؤولة والمنظمات الإنسانية والدولية.
ويطالب الهنداوي باسم ذوي الاحتياجات الخاصة بالرقة، المؤسسات الرسمية والمنظمات العاملة في المجال، بتوفير جمعية أو مركز خاص بهم، وأن يجتمعوا فيما بينهم، ويناقشوا أوضاعهم، ويتابعوا كل ما يهم المعوقين رياضياً وثقافياً وفكرياً، إلى جانب التأهيل النفسي وتنمية المهارات وصناعة القدرات للجيل الجديد، خاصة بعد فترة الحرب السورية التي زادت من أعداد مبتوري الأطراف والمعوقين.
ويوضح "لدينا الإرادة لصناعة المستحيل، لكن المطلوب من القائمين على أمور البلد، تأمين أرضية وبنية تحتية خاصة بنا، كصالات رياضية، ومستلزمات، ومراكز للدعم النفسي والثقافي والمعالجة الفيزيائية، والتفريق بين الورشات الحوارية وبين العمل الجاد". ويبين "نحن كفريق سابق لدينا القدرة على التدريب والتأهيل، من خلال تجربتنا وخبرتنا السابقة التي حققنا فيها البطولات والحضور الفاعل في مجالات متعددة، والأمر لا يقتصر فقط على النشاط البدني، بل يتعداه إلى المجال الأدبي والثقافي والصحي والطبي".
أما الناشط المدني ورئيس لجنة الشباب والرياضة السابق بالرقة، أحمد الشريف، فيقول لـ"العربي الجديد": "لاحظت أن الفريق يفتقد لمقومات إعادة تفعيل مهاراتهم، ولا يمتلكون أبسط حقوقهم وهو مكان للقاء، أراهم يجتمعون في حديقة عامة ويفترشون الأرض والعشب، بالرغم من وضعهم الحركي الصعب، لكن إرادتهم في تحدي الإعاقة مذهلة".
ويُحمّل المتحدث الجهات المختصة، المسؤولية في إهمال ملف ذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة فيما يتعلق بالعمل على تأمين مراكز خاصة بهم ليستطيعوا إثبات قدراتهم بالمجتمع، "كون ما مر على الرقة على سبيل المثال لا الحصر، وسورية بشكل عام، يستحق الوقوف أمامه بمسؤولية وإنسانية، هم لا يطلبون سوى تأمين أشياء بسيطة ككيان أو مركز أو جمعية تعنى بأوضاعهم، وهم يستطيعون من خلال مهاراتهم وتجربتهم السابقة إدارتها".