يستمر انقطاع مياه الشرب والاستخدام المنزلي في معظم محافظة السويداء، جنوبي سورية، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، في ظل عجز حكومة النظام عن إيجاد حلّ للأزمة التي تسبب مشكلات للمواطنين على مختلف الأصعدة، وخصوصاً المعيشية والاقتصادية، إذ إن كلفة شراء المياه باتت مرتفعة وتزيد يوماً بعد يوم.
ويحتاج كل منزل يومياً إلى ألف لتر من المياه، إلا أن تأمينها ليس سهلاً في ظل ارتفاع أسعار الصهاريج، إذ يتجاوز سعر الصهريج الواحد بسعة أقل من 10 آلاف لتر 50 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يعد ثروة بالنسبة للمواطن، كما يقول محمد صعب، وهو من سكان المدينة.
ويوضح صعب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تأمين المياه أمر مرهق، والعائلة تحتاج لما يزيد عن 150 ألف ليرة سورية شهرياً لتوفير حاجتها من المياه فقط، تكون صالحة للاستخدام المنزلي والشرب إلى حد ما"، مضيفاً أن "مبلغ تأمين المياه يعادل راتب موظف في الدولة على رأس عمله، لكن المشكلة في الوقت الحالي هي أن أصحاب الصهاريج عاجزون عن التحرك بسبب عدم توفر الوقود".
من جهته، يؤكد ريان أبو خليل، وهو من أبناء مدينة السويداء، لـ"العربي الجديد"، أن "المشكلة ليست فقط في تأمين المياه بالنسبة للأهالي، بل أيضاً عدم وجود صهاريج تنقل المياه بكلفة معقولة، علماً أن نقل الصهريج من مكان لآخر يتطلب مبالغ إضافية، الأمر الذي يزيد أزمة الناس"، ويلفت إلى أن المعاناة تزيد بالنسبة لمحدودي الدخل والمتقاعدين والمستبعدين من الدعم الحكومي.
ويقول أبو خليل إن بعض الصهاريج الصغيرة تنقل المياه كونها تعتمد على الأحصنة، وتبيع المياه الصالحة للشرب بكميات قليلة، ومن خلالها يمكن للبعض تأمين مياه الشرب فقط، ويلفت إلى أن هذه الصهاريج الصغيرة غير قادرة على ضخ المياه إلى الأعلى.
بدوره، يؤكد مصدر في المنطقة، لـ"العربي الجديد"، أن المياه تنقطع بشكل كامل عن 15 منطقة في السويداء، وبقية المناطق بشكل جزئي، بسبب عدم توفر الوقود بشكل كاف لتشغيل مضخات الآبار، وعدم توفر الوقود أيضاً لتشغيل صهاريج نقل المياه وإمداد المنازل.
ويقول المصدر إن "المنطقة لا تعاني من أزمة جفاف، والمياه الجوفية متوفرة بكمية كبيرة، لكن المشكلة تتمثل في عدم وجود المحروقات وعدم تأمين النظام لها"، مضيفاً أن "هناك إهمالاً ربما يكون متعمداً للسويداء من قبل حكومة النظام. فأزمة المياه غير موجودة بهذا الشكل مثلاً في درعا أو في دمشق".
ويلفت المصدر إلى أن "عموم مناطق النظام تعاني من أزمات على مختلف الأصعدة، لكن هناك مناطق مثل السويداء باتت فيها الأزمة لا تطاق، ويأتي محافظ النظام ليقول للناس إنه غير راضٍ عن الحلول، وإنه مستاء".
وبدأت الأزمة في السويداء منذ مارس/ آذار الماضي، أي قبل ثلاثة أشهر وحتى اليوم، وما من حلول. وكان النظام يبرر انقطاع المياه عن مناطق في السويداء بوجود أعطال في شبكة النقل أو تعرض بعضها للتخريب. حينها، لم يتدخل لمساعدة السكان في نقل المياه، وحتى الشاحنات التابعة للهلال الأحمر توقفت عن العمل ولم تساعد السكان في نقل المياه.
من جهة أخرى، أعلن فريق "منسقو استجابة سورية"، في بيانٍ، اليوم الثلاثاء، أن أزمة المياه الصالحة للشرب ما زالت مستمرة في مناطق الباب وجرابلس وتادف والقرى المحيطة بها، والواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "درع الفرات"، شمال شرقي محافظة حلب، والتي يتجاوز عدد سكانها 320 ألف نسمة، وسط غياب أي نوع من الحلول الجذرية التي تخفف معاناة المدنيين.
وأشار بيان الفريق إلى أنه على الرغم من تدخل العديد من المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة والسلطات المحلية، "إلا أنها لم تقدم حلولا كافية لإنهاء أزمة المياه في تلك المناطق مع مخيماتها"، مؤكدةً أنه "وصل سعر برميل المياه إلى 11 ليرة تركية (نحو نصف دولار) في المنطقة، عدا عن الاعتماد على مياه الآبار غير المعقمة".
وأوضح الفريق أن "الاعتماد على مياه الآبار أدى إلى جفاف معظمها وتلوث أخرى، وانخفاض واضح في منسوب المياه الجوفية في المنطقة، الأمر الذي يعرضها إلى خطر الجفاف بشكل أكبر"، وحذر كافة الجهات المعنية من استمرار أزمة المياه في ظل تفاقم الظروف المعيشية للأفراد وارتفاع أسعار مياه الشرب في العديد من المدن والأرياف، مشدداً على أن "هناك نسبة كبيرة من السكان لا تحصل على مياه الشرب النظيفة بشكل منتظم، والتي ستشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان في أماكن وجودهم، أو ستجبرهم على النزوح إلى أماكن أخرى بحثاً عن الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه بجودة مقبولة".
وطالب الفريق "كافة المنظمات العاملة في مناطق ريف حلب الشمالي بالعمل على توحيد الجهود بشكل كامل وإيجاد حل جذري لتلك القضية من خلال العمل على نقل مياه الشرب من مناطق نهر الفرات إلى تلك المناطق وإنشاء محطات لمعالجة المياه".
من جهته، قال ناشط من سكان مدينة الباب في حديث لـ"العربي الجديد": "سبب أزمة المياه في المدينة ومحيطها هو أنه كانت تتم تغذية المدينة بالمياه من المحطة التي تبعد عنها حوالي 15 كيلومتراً، وتسيطر عليها حالياً قوات النظام. وبالطبع، لن يضخ النظام المياه إلى سكان مدينة الباب".
وأضاف: "أستطيع تأمين مياه الشرب، لكن أسعارها أصبحت مرتفعة جداً"، مؤكداً أن "سعر الـ5 براميل يبلغ نحو 50 ليرة تركية"، وتابع: "عائلتي صغيرة جداً مكونة من أربعة أشخاص، وأحتاج شهرياً إلى 20 برميل كحد أدنى بسعر 200 ليرة تركية. فكيف الحال بالنسبة للعائلات الكبيرة التي تحتاج شهرياً إلى 50 برميلاً وأكثر؟".
وأشار إلى أن "الحلول ضئيلة لتفادي أزمة المياه في منطقة الباب ومحيطها، أحدها استجرار المياه من الفرات إلى المنطقة. لكن هذا الأمر صعب جداً كونه مشروعاً مكلفاً جداً، الأمر الذي يأتي في سياق إعادة الإعمار ولا يتم السماح به أو تنفيذه حالياً".
وأكد أن "مياه الشركة تصل إلى أحياء قليلة في مدينة الباب وتحتاج إلى اشتراك، وتأتي على فترات زمنية بعيدة نوعاً ما"، مضيفاً أن "منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية (IYD) كانت تعمل على تأمين المياه الصالحة للشرب لبعض العائلات"، لافتاً إلى أن "هناك العديد من العائلات النازحة والمقيمة التي تحتاج إلى مساعدة في تأمين مياه الشرب وغيرها بسبب الوضع المعيشي وارتفاع نسبة البطالة وتدني الأجور".