يستخدم التونسيون وصف "سنة بيضاء" للدلالة على العام الدراسي الذي عاشته البلاد منذ أن فرض وباء كورونا أحكامه القاسية عليها وعلى سواها من دول العالم. ووصف السنة البيضاء ينطلق من أن التلامذة ما زالوا عبارة عن صفحات بيضاء لم يكتبوا عليها أي كلمة تغيِّر لونها، بالإشارة إلى خواء التجربة المحققة عبر التعليم عن بُعد.
وتونس أسوة بسواها كانت قد عمدت إلى تعليق الدراسة المباشرة، في ظل ندرة وسائل الاتصال الحديثة المتاحة في العملية التعليمية المدرسية، ما دفع التونسيين إلى إطلاق اللقب السابق الذي استفز وزير التربية محمد الحامدي الذي نفاه بشكل قطعي.
والواقع أنه منذ ظهور مشكلة تعطيل الدراسة، يتواتر الحديث الرسمي في وزارة التربية أنها "بصدد إعداد خطة عملية لتأمين الدروس عن بُعد، وذلك بالاعتماد على البث التلفزيوني للدروس بما يضمن التحصيل المعرفي للطلاب وحسن الاستعداد للامتحانات الوطنية". لكن مثل هذا الحديث مما يتكرر شبيها له في كل دول العالم الثالث وخصوصاً العربية منها لا يطمئن، إذ إن واقع الحال يشير إلى تردي أوضاع معظم المؤسسات التربوية من حيث البنية التحتية، واهتراء وسائل العمل، وغياب بنية اتصالية وعدم اتصال معظم المؤسسات التعليمية المدرسية بشبكة الإنترنت وما شابه من مشكلات.
ومثل هذا الوضع دفع بالأساتذة والمعلمين إلى اعتماد إمكاناتهم الذاتية لحل معضلات التعليم عن بُعد. وهكذا قام كل منهم، وخصوصاً أساتذة المراحل الثانوية بإعداد منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم لشرح الدروس. أما الخيارات الأخرى المطروحة والتي توصف بـ "الارتجالية"، فلا تضمن التحصيل المعرفي للطالب في ظل غياب التفاعل وعدم تأكد الأستاذ من مدى استيعاب الدرس.
وتونس مثلها مثل العديد من الدول العربية لم تألف معظم أسرها تكنولوجيا التواصل في العملية التعليمية – التعلمية، وفي حياتها اليومية كوسيلة تفاعل، وهو ما قاد ويقود إلى تعطل دور الأسرة عن القيام بدورها التعليمي، باعتبارها أصبحت ركناً لا يمكن نهوض العملية من دون حضوره. ولا يقتصر الأمر على دور الأسرة المفقود، بل يتعداه إلى الطالب والتلميذ، الذي اعتاد الأسلوب التعليمي المباشر عبر الحضور الصباحي إلى المدرسة بكل من وما تحويه من رفاق ومعلمين وأساتذة وإداريين وتجهيزات صفية ومكتبة وغيرها، وعليه فقد بدا متعذراً عليه بين عشية وضحاها، أن ينضبط ويكيِّف نفسه منزلياً مع الحضور الذهني المطلوب منه في درس يتلقاه عن بُعد. بالطبع المدارس الخاصة هي الأقل غربة عن التكنولوجيا الرقمية من القطاع العام.
ويتخوّف المعلمون والأساتذة من أن تقود الهوة الرقمية إلى تراجع معدلات تونس العالمية في المنافسات الدولية للطلبة والتلامذة معاً بفعل غياب وشح توافر التقنيات الحديثة في المنازل، فقد سبق أن احتلت تونس المرتبة الـ 84 عالمياً والسابعة عربياً في مؤشر "دافوس" لجودة التعليم العالي لعام 2019. لكن هذا الموقع قد يتعرض الآن للتعديل بفعل الجائحة والقصور عن مجاراة أحكامها تكنولوجياً، إذ المعروف أن تونس تفتقر البنية التّحتية الرقمية التي تُخوّلها المراهنة على التعلم عن بُعد إلى هذا الحد أو ذاك، علماً أن أحكام كورونا يمكن لها أن تكون المدخل الاضطراري نحو النقلة إلى التكنولوجيا وبالتالي الاستثمار في هذا القطاع.
(باحث وأكاديمي)