سكن الغزيين من "خوف إلى خوف"

18 ديسمبر 2021
الحي القديم غير صالح للعيش (محمد الحجار)
+ الخط -

يقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي في كل عدوان مناطق مختلفة في قطاع غزة، مع التركيز غالباً على تلك المحاذية للسلك الفاصل عن الأراضي المحتلة، ونقاط عسكرية تتواجد وسط مناطق ذات كثافة سكانية عالية، ما يتسبب في ارتكاب مجازر في حق السكان، أو في هروب الناجين منهم إلى مناطق أخرى.
ومن الملاحظ أيضاً عزوف هؤلاء الهاربين عن العودة إلى مناطقهم التي تصبح أماكن شؤم بالنسبة لهم، باعتبارها تعيد ذكريات القصف التي يحاولون نسيانها، رغم أنهم يدركون عدم وجود مكان آمن في غزة. ويخلق خيار عدم العودة مشكلة انتقال الكثافة السكانية إلى مناطق أخرى، والتي تؤثر على أراضٍ زراعية وترفع أسعار العقارات.

محاولة العيش بأمان
في السابق، عاشت أسر غزية كثيرة براحة في حي النصر، قبل أن يدمر القصف الإسرائيلي برج المجمع الإيطالي وبعض التجمعات السكنية فيه خلال عدوان عام 2014، ما دفع سكانه إلى مغادرته إلى مناطق استحدثوها ضمن أراضٍ زراعية، وبنوا مساكن فيها. وكان عديّ الحداد (37 عاماً) أحد المنتقلين من حي النصر إلى منطقة الزوايدة حيث حوّل مزرعة الى مسكن له ولعائلته التي تضم خمسة أفراد بعدما فضل الابتعاد عن منطقة القصف الإسرائيلي، وبعد العدوان الإسرائيلي هذا العام، انضم إلى عدي شقيقه بعدما تضرر منزله في بلدة جباليا شمال غزة.

الصورة
أمل بالشعور بأمان أكبر (محمد الحجار)
أمل بالشعور بأمان أكبر (محمد الحجار)

يتحدث الحداد لـ"العربي الجديد" عن أن أضرار العدوان الإسرائيلي المتتالي لا تستثني أي مكان في غزة. ويشير إلى أن القصف الأخير طاول مواقع قرب منزله، ما جعله يصاب بتشاؤم كبير، خصوصاً أنه عايش تجربة تعرض أطفاله لذعر واضطرابات نفسية خلال العدوان الثالث عام 2014، ويصرّ على أن يكبر أولاده في بيئة لا يتذكرون الحرب فيها.
ويقول: "من المعروف أن لا بيئة آمنة للحياة في غزة، وأنا لا أريد أن أبقى في منطقة تضررت من القصف وتضم كثافة سكانية عالية. وخلال عدوان العام الحالي قدم أشخاص كثيرون إلى المنطقة التي أقيم فيها قبل أن يصل القصف إليها. أريد فقط أن أعيش بأمان لسنوات قليلة".

الصورة
إطلالة على حي جديد (محمد الحجار)
إطلالة على حي جديد (محمد الحجار)

هروب بالفطرة
من جهته، اضطر نبيل حرز الله (50 عاماً) الى العودة إلى شقته في منزل والده قرب تلة المنطار التي تقع شرق حي الشجاعية، بعد تدمير مسكنه في بناية الداعور بشارع الوحدة (وسط)، حيث ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة شاهدها مع أبنائه الأربعة، ما ألحق ضرراً نفسياً كبيراً بهم.
يقول حرز الله لـ "العربي الجديد": "يترك الإنسان بالفطرة أي مكان تسبب في ضرر نفسي له وعاش فيه فترات حزن. تعدم الحرب أية ذكريات نحبها، وحين يرتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة وسط أحياء سكنية يجعل المنطقة في حالة مخيفة ويصعب البقاء فيها، علماً أن كثيرين يعتقدون اليوم بأن المناطق الحدودية المحاذية للسلك الفاصل عن الأراضي المحتلة أصبحت أكثر أماناً من وسط المدينة التي لا يمكن معرفة إذا كانت هدفاً لمخططات قصف الاحتلال الإسرائيلي أم لا".

الصورة
تستكشف المحيط الجديد (محمد الحجار)
تستكشف المحيط الجديد (محمد الحجار)

ورغم اعتبار بناء أبراج سكنية بين الحلول الاستراتيجية لمشكلة الكثافة السكانية في غزة، بات السكان لا يتقبلون فكرة المكوث فيها بعدما كرر الاحتلال الإسرائيلي قصفه لها خلال عدواني عامي 2014 و2021. وزادت رغبتهم في المكوث في شقق ذات علو منخفض تتواجد في عمارات لا تضم أكثر من خمس طبقات، علماً أن هذا الخيار يتأثر أيضاً بالانقطاع المستمر للتيار الكهربائي الذي لا يسمح باستخدام المصاعد.

يقول صاحب مكتب عقاري في غزة يدعى نبيل المدهون لـ"العربي الجديد" إن "الناس اتجهت في الفترات الأخيرة الى مناطق شبه زراعية لاعتقادها بأنها بعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي، علماً أن أسعار العقارات تدنت في المناطق الكثيفة بالسكان التي قصفت قرب المراكز الرئيسية في المدينة والشوارع العامة، ما يفسر حال التشاؤم من الأضرار التي خلفها العدوان، والإصرار على الابتعاد عن المخاطر".

ويتابع: "في السابق، صنفت منطقة تل الهوا بين الأفضل للعيش في القطاع، وضمت عشرات الأبراج السكنية، لكن العدوان الإسرائيلي الأول بين عامي 2008 و2009 فرّغها من السكان الذين انتقلوا الى مناطق أخرى. وتكرر عزوف الناس عن الإقامة في مناطق القصف بعد كل عدوان إسرائيلي. واليوم تواجه حلول السكن في غزة كارثة حقيقية بسبب انعدام بيئة الأمان بتأثير الظروف السياسية غير المستقرة، وفشل كل نماذج السكن الجماعي بسبب الحصار والعدوان والفقر".

المساهمون