سرطان الثدي... سودانيات ضحية ضعف القطاع الصحي والوصمة الاجتماعية

13 ديسمبر 2020
تستعد لاجراء فحص التصوير الشعاعي للثدي (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

من بين ثماني سودانيات، تصاب امرأة بسرطان الثدي. نسبة تشير إلى مدى معاناة السودانيات مع هذا المرض، ما يستدعي بالإضافة إلى ضرورة تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية للعمل على الحدّ من انتشاره وتوفير العلاج.
لمياء متوكل، وهي إعلامية تعمل في الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، كانت قد أجرت حواراً تلفزيونياً مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أدى إلى ردات فعل كبيرة على الصعيدين السياسي والإعلامي.
ولمتوكل تجربة مع مرض سرطان الثدي قبل ثلاث سنوات. إلا أنها خاضت معركتها وتمكنت من الانتصار عليه. بعدها، شاركت في الكثير من المبادرات التوعوية حول مخاطر المرض وأهمية الدعم النفسي للمصابات به. وتقول متوكل لـ "العربي الجديد" إنها، وبعدما أخبرها الطبيب بإصابتها بالمرض، شعرت بالصدمة واليأس وأنها تقترب من النهاية. ثمّ استجمعت قواها وعزمت على مقاومته بكل ما تملك من إصرار وعزيمة. توجهت إلى العاصمة المصرية القاهرة، واستجابت كما تقول، للعلاج الصعب والطويل وسط دعم من أسرتها وأصدقائها وزملائها في العمل. وتؤكد أن هذه التجربة زادت من تمسكها بالحياة، وقدرتها على الصبر وخوض هذه الحرب.  
وتتذكّر متوكل اللحظات الصعبة التي عاشتها، حين كانت تنظر إلى نفسها في المرآة وقد تساقط شعر رأسها ورموشها بسبب العلاج الكيميائي. وأرادت توثيق هذه المرحلة من خلال التقاط مجموعة صور لنفسها نشرت بعضها على وسائل التواصل الاجتماعي، متحدية النظرة السلبية في المجتمع. وتقول إنّها خرجت أكثر قوة وصلابة وفخراً من التجربة، وأكثر إيماناً بالابتلاء واليقين بحقيقة الموت. خلال هذا الوقت، راحت تفكّر في علاقاتها مع الآخرين لتعيد ترتيب أولوياتها في الحياة، وعرفت أنها تريد أن تكون أكثر نشاطاً في الحيّز العام، وإطلاق مبادرات توعوية حول المرض. 

متوكل تتحدث أيضاً عن الوصمة الاجتماعية ونظرة المجتمع السلبية للمصابات بمرض سرطان الثدي، وعدم قدرة بعض الأطباء على إبلاغ النساء بحقيقة مرضهن بمجرّد التأكّد من ذلك. كما تسمع المريضة الكثير من الحكايات عن مصابات لقين حتفهن نتيجة إصابتهن بالمرض، بدلاً من تعزيز الإيجابية لديهن من خلال التذكير بقصص ناجيات. وترى أن هناك ضعفاً في التوعية والتثقيف داخل المجتمع، بالإضافة إلى قلة وضعف مراكز الدعم النفسي وضعف القطاع الصحي ومراكز العلاج الحكومية المتخصصة في علاج مرضى السرطان. يضاف إلى ما سبق غلاء أسعار إجراء الفحوصات وغيرها، وازدحام المستشفيات المتخصصة، بالإضافة إلى اعتقاد كثيرين بأنه لا يمكن الشفاء من المرض.  
بعد انتهاء العلاج وعودتها إلى بلادها، صارت متوكل تتبع نظاماً غذائياً صحياً، وصارت تنصح الآخرين بضرورة اتباع غذاء صحي للوقاية من الأمراض. وتوضح أنها جندت نفسها تماماً للمساهمة في حملات التوعية والتثقيف، مستغلة عملها في المجال الإعلامي والبرامج التي تقدمها والتي يستمع إليها نحو 35 مليون سوداني داخل وخارج البلاد وعبر الإنترنت، للحديث عن مخاط سرطان الثدي والتشديد على أهمية الكشف المبكر والدوري.

يشكو المعنيون بعلاج سرطان الثدي ضعف الميزانية التي تقدمها الدولة

 

أكثر من ذلك، لجأت إلى إعطاء محاضرات في الجامعات والمدارس، وسافرت إلى ولايات دارفور في أقصى الغرب، وإلى ولاية كسلا في أقصى الشرق وولايات أخرى بهدف التوعية. وترى أن التوعية في المناطق الريفية أكثر إلحاحاً لأسباب عدة. تضيف أنها في كل عام، تختار شعاراً لحملتها وحملاتها. خلال العام الأول، اختارت شعار "بالوعي نناهض السرطان"، وفي الثاني "بنك لحياتك". أما هذا العام، فقد اختارت شعار "الكشف المبكر قصة حياة".
متوكل واحدة من بين آلاف النساء اللواتي أصبن بسرطان الثدي. وبحسب إحصائيات رسمية، فإن متوسط الإصابات الجديدة بالسرطان استناداً إلى أرقام المستشفيات تصل إلى ألف حالة شهرياً. وفي مقابل كل حالة مكتشفة، هناك 3 حالات غير مكتشفة. ويُشكّل سرطان الثدي ما نسبته 30 في المائة من مجمل الإصابات بالسرطان. وتصل غالبية الحالات إلى المستشفيات بعد تفاقم المرض، ما يؤدي غالباً إلى استئصال الثدي.  

نساء في السودان
يجب أن تحرص النساء على إجراء فحوصات دورية (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)

قبل 20 عاماً، أصيبت مي بسرطان الثدي. وكونها معالجة نفسية، عمدت إلى إعداد رسالة الماجستير عن سرطان الثدي، بدعم كبير من أسرتها الصغيرة والكبيرة. كما تطوعت للتوعية حول المرض، وذلك في عدد من المبادرات، لافتة إلى أن التوعية هي الطريق الأمثل للعلاج الفعال.
وتقول البنا لـ "العربي الجديد" إنه من خلال عملها، لاحظت أن المرض بات ينتشر حتى بين فتيات صغيرات. لذلك، حرصت في إطار عمل جماعي، على التوعية أكثر حول أهمية الفحص المبكر والدوري، وتقديم الدعم النفسي للمريضات لتجاوز نوبات القلق والاكتئاب، وحثهن على الغذاء السليم لتقوية جهاز المناعة، ما يقلل من الآثار السلبية ويساهم في نجاح العلاج.
وتشدد البنا على ضرورة أن تقوم الدولة بزيادة مراكز العلاج المتخصصة، خصوصاً في الولايات التي تغيب فيها مثل هذه المراكز تماماَ. وغالباً ما تصل المريضة إلى الخرطوم العاصمة في وضع حرج. كما تطالب بزيادة عدد الكوادر الطبية المؤهلة، مشيرة إلى أنه في بعض الحالات قد يكون الطبيب أو الممرض جزءاً من المشكلة بسبب تقصيره في تقديم الدعم النفسي. وترى أن حملات التوعية غير كافية في الوقت الحالي، ولا بد أن تلعب الجهات الرسمية دورها في هذا الإطار. 

هناك ضعف في التوعية والتثقيف وقلة مراكز الدعم النفسي


من جهته، يقول الطبيب هيثم محمد لـ "العربي الجديد"، إن أعداد الإصابات بسرطان الثدي المسجلة والمعلنة قد لا تعكس الأعداد الحقيقية، لافتاً إلى أنها أكثر من ذلك بكثير. ويطالب الدولة بإجراء فحوصات للفتيات والنساء ما بين 20 و40 عاماً، ودعم علاج سرطان الثدي في مختلف المراحل، كإجراء الفحوصات وتوفير العلاج المجاني، بالإضافة إلى دعم الأبحاث حول أمراض السرطان وأسباب زيادة نسبتها، وخصوصاً سرطان الثدي الذي يصيب الرجال أيضاً.  
ويشكو المعنيون في مكافحة وعلاج سرطان الثدي وغيره من أمراض السرطان من ضعف الميزانية التي تقدمها الدولة، وتأثير الفقر على المجتمعات المحلية، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاج، وافتقار الأرياف للخدمات الصحية، بالإضافة إلى عدم وجود مستشفى حكومي واحد لتشخيص وعلاج مرضى سرطان الثدي. ويوجد في السودان 3 مراكز لعلاج سرطان الثدي، وذلك في العاصمة الخرطوم، ومدينة شندي شمال السودان، وودْ مَدَني وسط السودان.

المرأة
التحديثات الحية

وفي عام 2010، افتتح أول مركز غير حكومي وغير ربحي لمتابعة وعلاج مرضى سرطان الثدي، هو مركز الخرطوم للعناية بالثدي، والممول من القطاع الخاص. ومنذ إنشائه، استقبل 35 ألف حالة تعاني من أمراض تتعلق بالثدي، منها 4500 مصابة بسرطان الثدي.
ويؤكد أحد أطباء الأورام في السودان بأنّ الأخير ما زال بعيداً عن المعدّل المقبول لعدد الإصابات بسرطان الثدي، وهو إصابة من كل 100 ألف، مشيراً إلى أن ذلك يعود لأسباب عدة، منها عدم وجود أجهزة كشف كافية في البلاد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن حملات التوعية التي تقوم بها الدولة والمنظمات ليست متواصلة، وتقتصر على شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام. لذلك، يجب العمل على إطلاق حملة تبدأ من القاعدة أي في الأحياء والقرى، وإنشاء مراكز للرعاية الأولية، على أن يرافق ذلك دورات تدريبية مكثفة تشمل الطالبات اللواتي ما زلن على مقاعد الدراسة والآباء والأزواج، ووضع نظام علاج متكامل. ويوضح أن الدولة توفر العلاج مجاناً للمصابات بسرطان الثدي وأمراض السرطان الأخرى. إلا أن المستشفيات الموجودة غير كافية في ظل ارتفاع أعداد المصابين، منبهاً إلى تراجع دور منظمات المجتمع المدني في هذا الإطار، لناحية تنظيم حملات توعية أو تقديم دعم مالي ومساعدات.

المساهمون