زواج "الشراكة"... أردنيون وأردنيات في مراحل رشد عصرية

26 نوفمبر 2022
الزواج من شابات موظفات هدف الأردنيين (آرثور فيداك/ Getty)
+ الخط -

أصبح الزواج من شابة تشغل وظيفة هدفاً لعدد كبير من الشبان الأردنيين اليوم، بسبب اضطرارهم إلى الحصول على مساعدة من شركائهم في الحياة لتخطي عقبات الأوضاع الاقتصادية الصعبة المستمرة منذ سنوات، وغيّر ذلك واقع أن أبناء المجتمع من الأجيال القديمة فضلوا طوال عقود الارتباط بربات منازل للاهتمام بأعمال البيت والإشراف مباشرة على تربية الأطفال
ولا يخفى على أحد التغيّر الاجتماعي الحاصل في القيم بالأردن على صعيد الشروط التي يضعها الزوج أو الزوجة، والتي يشددن على ضرورة أن تتوفر لدى الطرف الآخر، فمؤسسة الزوجية تميل حالياً إلى الشراكة على حساب الطاعة، ومن الضروري أن توفر الزوجة مساهمة اقتصادية جيدة في موازنة الأسرة، في حين تمتنع فتيات عن الزواج للحفاظ على الاستقلالية في ظل إحساسهن بالاكتفاء، وعدم رغبتهن في تحمل مسؤولية أسرة بعدما حققن طموحاتهن العملية والمادية. 
وأظهرت دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) العام الماضي بعنوان "الطموحات الاقتصادية والاجتماعية للشباب في الأردن"، أن "عدم امتلاك الإمكانات المالية وصعوبة الحصول على فرص عمل، رفعا سن الزواج لدى الشبان الأردنيين الذكور والإناث على السواء عنها قبل نحو 5 سنوات، وجعلا نصف الرجال يتزوجون في سن الـ30، والشابات في سن الـ27".

وأوردت الدراسة أنه "في وقت تعتبر سن الـ 25 الأكثر تناسباً لزواج الشبان، يستطيع 25 في المائة فقط منهم فعل ذلك في سن 27، و50 في المائة فقط في سن الـ 30".
ولفتت إلى أن "الشبان الأردنيين يطمحون إلى بلوغ مراحل رشد عصرية تضمن لهم الاستقلال الاقتصادي والاستقرار في مساكن، علماً أن نسبة 80 في المائة من المتزوجين حديثاً يقطنون في مساكن خاصة، وليس مع عائلاتهم". 

محاولة فاشلة
يقول الشاب أحمد العبادي البالغ 33 من العمر لـ"العربي الجديد": "حاولت الارتباط بفتاة تعمل في شركة، لكنني أدركت بعدما تواصلت معها أنها تريد الحفاظ على استقلاليتها المالية، وعدم المشاركة في مصاريف المنزل، كما أصرّت على ممارسة استقلاليتها الاجتماعية، وإبقاء نمط حياتها بعد الزواج على صعيد الخروج مع صديقاتها إلى مطاعم ومقاه".  
يضيف: "تجعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة السائدة الرجل يفكر بزوجة تعمل، علماً أن مشاكل هذه الأوضاع تسببت في انهيار بيوت أصدقاء لي. وفي الأردن يتحمل الشبان تكاليف المهر وجميع تفاصيل حفل الزواج وتجهيز البيت، وهم يريدون في المقابل أن تشارك الزوجات في مصاريف البيت واحتياجاته، لكنهن لا يردن ذلك على غرار تقديم أي تنازلات".

الصورة
الأردنيات أكثر إحساساً بالكفاية اليوم (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
الأردنيات أكثر إحساساً بالكفاية اليوم (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

شابات يسألن: أي فائدة؟
وتقول أحلام علي، وهي موظفة في الـ 29 من العمر: "يرتبط تفكيري بالزواج بواقع جلبه إضافات في حياتي، بينما أرفض خوض هذه التجربة لإرضاء المجتمع. وعندما يصبح الزواج نتيجة فقط بهدف الإنفاق على زوج المستقبل، وتقديم خدمات التنظيف والغسيل وإعداد الطعام، فلا قيمة له".
وتعتبر أن "تضحية الزواج يجب أن تشمل شخصاً راقياً أرتبط معه بعلاقة ود غير عادية، أو شخصاً ينقلني إلى مستوى حياة أفضل، وأنا أعرف امرأة استولى زوجها على بطاقاتها المصرفية، فما فائدة وقيمة زوج يريد استغلال زوجته، والإنفاق على نفسه؟". 

شروط من الجانبين
ويرى أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التغيّر واضح في المجتمع الأردني، إذ باتت الفتيات لا يترددن في وضع شروط تتعلق بأزواج المستقبل، وبينها مساواتهن بالتعليم والثقافة على الأقل، ومراعاة المستوى الاقتصادي المطلوب لتوفير حياة لائقة لهن". 
يضيف: "في السابق كانت الفتاة تحقق طموحاتها عن طريق زوجها، أما الآن فباتت تستطيع فعل ذلك بنفسها بعدما أصبحت طبيبة ومهندسة ومحامية ومعلمة. ويبدو جلياً اليوم أن فتيات الجيل الجديد لا يردن شريكاً يتقبل أفكارهن ويحاورهن في إطار علاقة تجمعها وتبنى على التفاهم، فهن يردن أن يشاركن في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وفيما تعتبر أعباء الحياة كثيرة وكبيرة اليوم، تفضل بعض الفتيات مساعدة أهلهن على الزواج، خاصة إذا لم يتواجد شبان ذكور في الأسرة، وتكون الأسرة نفسها غير مقتدرة".

الصورة
التغيّر الاجتماعي واضح على القيم في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
التغيّر الاجتماعي واضح على القيم في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

أما بالنسبة إلى الشبان الذكور، فيوضح الخزاعي أن "ظروف الحياة الاقتصادية وتغيّرها، ورغبتهم في العيش في بيوت مستقلة بعيداً عن أسرهم جعلت تكاليف الزواج كبيرة، والتي لا يستطيعون أن يوفروها وحدهم، وقادتهم إلى البحث عن موظفات يتقاضين رواتب". 
ويلفت إلى أن "الشبان الذكور في المجتمع الأردني أصبحوا يتجاهلون فارق العمر لدى إعلان رغبتهم في الزواج، ويركزون على الوضع الاقتصادي الذي يحتم مشاركة الزوجات بالمسؤوليات وسط الأوضاع الاقتصادية القائمة".

اهتمام بالمال... وطلاق
ويرى أن "المجتمع الأردني أصبح يشهد تغيّراً في القيم الاجتماعية الخاصة بالزواج، والاهتمام بالمال بالدرجة الأولى قادنا إلى مزيد من حالات الطلاق التي بلغ عددها 28 ألفاً العام الماضي، ما يعكس وجود ندية كبيرة بين الزوج والزوجة، وتأثير الآراء والأفكار المتضاربة سلباً على استقرار الحياة الزوجية. وقد يقبل بعض الرجال هذا الواقع، لكن بعد سنوات من الزواج تتغير أفكارهم حول بعض القضايا المالية والاجتماعية، ما يهدد استقرار الأسر". 

ويشدد الخزاعي على أن "الأهم في الزواج هو التوافق الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، وعلى كل صغيرة وكبيرة قبل الزواج، خاصة في حال كانت الزوجة تشارك في تأمين المصاريف وإيجار البيت، ما يعني اضطرارها لمواصلة العمل. وبعض الرجال قد يطالبون زوجاتهم بترك العمل في حال رفضن مساعدتهم في مصاريف البيت". وهو ينصح المقبلين على الزواج بالاتفاق على كافة التفاصيل، كي لا تحدث خلافات في المستقبل، "فالطريق الواضحة هي التي تسير بها مركبة الزوجية إلى النهاية السعيدة".

المساهمون