ما زال كبار السن الفلسطينيون الذين خرجوا من بلادهم صغاراً، يتذكرون النكبة، ويروون للأجيال التي ولدت في اللجوء حكاياتهم حتى لا تنسى. خرجت زهرة إبراهيم دباجة من فلسطين محمولة على الأيدي. كانت في الشهر الرابع من العمر عندما هجم الصهاينة على قريتهم وأحرقوا منازلهم. ومنذ ذلك الوقت تعيش كلاجئة في لبنان. وتروي قصتها مع اللجوء نقلاً عن ذاكرة أمها.
تقول زهرة، المتحدرة من قرية الكابري المهجرة في الجليل: "لم أكن أعي ما يحدث حولي بفلسطين عندما خرجت منها. هجم الصهاينة على بلدتنا وأحرقوا البيوت، فاضطررنا للخروج إلى قرية قريبة من بلدتنا، ولم نعرف شيئاً عن أبي ولا هو عرف عنا شيئاً. بعد مرور خمسة أيام على الحادثة، عاد أبي إلى الكابري ليبحث عنا من دون نتيجة. ثم أخبره بعض النساء والرجال أن كل من كان في البلدة توجه إلى بلدة أبو سنان (منطقة الجليل)، فتوجه إليها ليجد عدداً من النساء والرجال والأطفال على مقربة من نهر، وهم تحت تهديد العدو الصهيوني. استطاع أن يهرب إلى مكان آخر برفقة جدته، ثم صارا يسيران ليلاً ويختبئان نهاراً حتى وصلا إلى قرية بنت جبيل (من قرى قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية جنوب لبنان)".
تتابع: "اعتقدت أمي أن والدي قد مات. وبعد خمسة عشر يوماً من الحادثة، بدأ الناس يخرجون من البلاد، فتوجهنا جميعاً إلى بنت جبيل، ثم انتقلنا إلى قرية شمع في قضاء صور (جنوب)، ثم إلى بلدة القاسمية (جنوب)، وبقينا في القاسمية حتى صرت في السابعة من عمري. بعدها جئنا إلى مخيم برج البراجنة لأن أخي أراد أن يتعلم، وما زلت أعيش فيه".
تضيف: "بدأت العمل مذ كنت في الحادية عشرة من عمري، وبقيت أعمل حتى صرت في الخامسة والعشرين من عمري في معامل عدة، وتوقفت بعدما تزوجت".
تتابع زهرة: "أنجبت ثلاثة صبيان وأربع بنات، لكننا في لبنان نعيش من قلة الموت، فالفلسطيني ممنوع من العمل في العديد من المهن. يعمل أحد أولادي في مجال الديكور، فيما هاجر ابني الثاني إلى كندا، والثالث عاطل من العمل. أما ابنتي فقد تعلمت إلا أنها تبحث عن عمل. أولادنا يتعلمون ويتعبون ولا يجدون عملاً في النهاية. فكيف سيعيش الفلسطيني هكذا؟".
تختم زهرة قائلة: "ليتني أعود إلى فلسطين. فنحن عندما نذهب إلى الحدود الجنوبية مع فلسطين، أبكي عندما أرى بلادي. أقول إن هذه بلادنا وهذه أرضنا وهذا زرعنا الذي لا يشبه أي زرع آخر. الحياة في فلسطين جميلة. باختصار، فلسطين بلدنا وفيها أراضينا التي حرمنا منها".