رمضان الفلسطينيين... بهجة مقيّدة بالواقع والمتغيّرات

08 ابريل 2022
استعدت كلّ الأسواق لشهر رمضان (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

تزينت مدينتا رام الله والبيرة وسط الضفة الغربية لاستقبال شهر رمضان. جرى نصب فانوس كبير وقطع زينة قرب دوار الشهيد ياسر عرفات وسط رام الله، لكنّ حفل إضاءته الخميس الماضي تأجل حداداً على سقوط عدة شهداء من جنين والخليل. وتزينت المنازل بأضواء يحبها الأطفال، وكذلك مآذن المساجد، وبدأ كُثر ينتظرون بفارغ الصبر أن يوفر لهم الشهر الفضيل فرصة الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، لكن الاحتلال الإسرائيلي منع في بيان أصدره يوم الثلاثاء دخول الفلسطينيين الرجال دون سن 40 عاماً، وإخضاع من هم بين سني 40 و50 عاماً لتصاريح تصدرها سلطات الاحتلال، في حين سمح للرجال فوق سن 50 عاماً وللنساء من كل الأعمار والأطفال دون سن 12 عاماً بالدخول بلا تصاريح.
وأعلن ما يسمى منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة وغزة غسان عليان هذه الإجراءات في بيان صحافي صدر بعد عقد اجتماع لتقييم الأوضاع الأمنية، وأشار إلى أن تقييماً آخر للأوضاع سيجري الأسبوع المقبل.
وعموماً، لا يسمح للفلسطينيين طوال أيام العام بالوصول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى إلا بتصاريح محدودة تمنح عادة لأسباب تجارية أو العمل أو العلاج، بينما يشكل شهر رمضان فرصة لفلسطينيي الضفة لزيارة القدس في أيام الجمعة وليلة القدر فقط، لكن وفق إجراءات أمنية مشددة على حواجز الاحتلال، وشروط تقييدية.

شكاوى من الأسعار
وفيما يستعد الجميع لرمضان في الأسواق، يتشارك التجار والبائعون والمتسوقون الشكاوى من الأسعار والمخاوف من ارتفاعات جديدة. ويرى المتسوقون أنّ رمضان هذا العام يختلف عن سابقاته. أم فيصل تخبر "العربي الجديد" أنّها خرجت إلى السوق من أجل ما أسمته "الروتين العادي لرمضان المتمثل في تجهيز الصحون والأغراض الخاصة بإعداد الإفطارات"، لكنها وجدت سلعاً كثيرة غالية الثمن، واضطرت إلى شراء بدائل للحم الدجاج الذي لا تملك ثمنه. وتقول: "كلّ الخضروات والمواد التموينية ارتفعت عن رمضان الفائت".
ويقول المواطن جواد ضيف الله لـ"العربي الجديد": "يضطر الجميع للاستعداد لرمضان سواء الفقير أو الغني، لكنّ الوضع الاقتصادي صعب"، في حين يعتبر المواطن محمود طه، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "الظروف العالمية أثرت على فلسطين كما باقي العالم، ويشعر المواطنون بالغلاء الذي أتوقع أن يزيد".

ارتفعت أسعار كل الخضروات والمواد التموينية عن رمضان الماضي (العربي الجديد)
ارتفعت أسعار كلّ الخضروات والمواد التموينية عن رمضان الماضي (العربي الجديد)

فرص 
في البلدة القديمة بمدينة البيرة المجاورة لرام الله، يؤكد محمد الزين في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ روتين عمله الطبيعي في المطعم الشعبي الذي يملكه تغيّر بحلول أول يوم في رمضان، "فبدلاً من أن أغلق أبواب المطعم الساعة الثانية عصراً، سأفتح حتى وقت قريب من أذان المغرب". 
وفيما من البديهي أن يشكل رمضان فرصة اقتصادية جيدة لقطاع المطاعم ومحال المأكولات الشعبية، مثل الحمص والفول والفلافل التي تعتبر مكونات رئيسة في موائد كثر، يرى الزين أن "هذه الفرصة ستكون محدودة بسبب ارتفاع أسعار مواد أساسية كثيرة". يضيف: "تحضرنا في شكل جيد لرمضان، لكن الأسعار مرتفعة، وبينها تلك الخاصة بالحبوب والمواد البلاستيكية التي نستخدمها في تعبئة منتجاتنا التي زادت قيمته في شكل مبالغ، وكذلك الخضار والوقود والزيوت التي ارتفعت أسعارها أكثر من غيرها".

المخللات تزين الإفطارات
في السوق الرئيسية وسط مدينة البيرة، وقف معاذ السراج خلف عربة جديدة ألحقها منذ أيام فقط بمحله التجاري المتخصص في بيع المواد التموينية، وعرض عليها أنواع مختلفة من المخللات التي يزيد استهلاكها في إفطارات رمضان، والتي أحضرها مثل غيره من التجار من أجل الاستعداد للشهر الفضيل، باعتبار أن الباعة يستحدثون أعمالاً مؤقتة أو يجدون على غرار آخرين فرص عمل لا تتاح خلال الأشهر العادية.
يقول السراج لـ"العربي الجديد": "أنشأت هذه البسطة قبل أيام من أجل رمضان، وأعرض فيها مخللات يبحث عنها الناس في رمضان. هذه فرصة لنا ولغيرنا، وهناك عاطلون عن العمل يبحثون عن فرص في رمضان، مثل بيع مصابيح للإضاءة وفوانيس ومخللات وعصائر، علماً أن هذا العام يشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار سلع كثيرة مثل الزيت والسكر والأرز وأمور أخرى".

مطاعم ومحلات ستفتح أبوابها حتى آذان المغرب (العربي الجديد)
مطاعم ومحال ستفتح أبوابها حتى أذان المغرب (العربي الجديد)

بدورها، تنتظر محال الحلويات رمضان باعتباره موسماً مهماً لأعمالها. ويقول شداد الحجة الذي يملك محل حلويات لـ"العربي الجديد": "يمنحنا رمضان فرصة جيدة لبيع منتجاتنا، خصوصاً البقلاوة والحلويات الناشفة، لذا نجهّز أنفسنا بتغليف المنتجات، ونتوقع أن يكون البيع أفضل من رمضان السابق، لكن منتجات كثيرة ارتفعت أسعارها، رغم أننا نأمل في أن تعود الى ما كانت عليه لتعزيز أعمالنا".

أزمة أوكرانيا
ولا يخفى أنّ أسعار الزيت والطحين تحديداً ارتفعت في شكل كبير مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، ما ترك أثراً ملحوظاً على الأسعار في السوق الفلسطينية. ويخبر تاجر الجملة فيصل درس "العربي الجديد": "عجز تجار عن استيراد الزيت والطحين من روسيا وأوكرانيا، وتوجهوا إلى أسواق أخرى رفعت الأسعار".

أثرّت الظروف العالمية على فلسطين كما باقي العالم (العربي الجديد)
أثّرت الظروف العالمية على فلسطين كما باقي العالم (العربي الجديد)

لكنّ ارتفاع الأسعار بين رمضان الماضي والحالي لم يرتبط فقط بأزمة أوكرانيا، بل أيضاً بجائحة كورونا ومشاكل سلاسل الاستيراد، في حين أنّ الوضع مستقر على مستوى توفر البضائع في الأسواق.

وفي منتصف مارس/ آذار الماضي، أعلنت وزارة الاقتصاد بعد رفع الأسعار العالمية للدقيق مع بدء أزمة أوكرانيا أنّ خلية الأزمة التي تضم ممثلين لها ولوزارة المالية إلى جانب آخرين في القطاع الخاص والغرف التجارية واتحاد الصناعات، قررت إعفاء كل مبيعات الطحين المغلف بأكياس بسعة أكثر من 25 كيلوغراماً من ضريبة القيمة المضافة، وإعفاء كلّ المخابز من ضريبة القيمة المضافة عن أشهر مارس/ آذار الماضي وإبريل/ نيسان الجاري ومايو/ أيار المقبل لضمان بقاء أسعار الخبز على حالها".

المساهمون