استمع إلى الملخص
- العواقب الإنسانية للصراع مدمرة، مع آلاف القتلى والجرحى، وملايين اللاجئين والنازحين الذين يواجهون الجوع ونقص الغذاء، بالإضافة إلى تعرض الناجين لإعاقات دائمة وانعدام الخدمات الأساسية.
- تأثير الحرب لم يقتصر على البشر فقط بل امتد إلى البنية التحتية والموارد الطبيعية، مع توقف العمليات التعليمية وتدمير البنى الصناعية، واستمرار تصدير الموارد مثل الذهب والنفط رغم الأزمة، مما يعكس استمرار الاستغلال وسط الدمار.
للحروب روائح، وأرواح تصعد، ولا يهبط إلا القدر. إذا لم يمت الإنسان رمياً بالرصاص أو دهساً أو اختناقاً، فإنه لا محالة ميت بسبب قلة الحيلة أمام ما يشهد من قصف وقذف وأكاذيب. وما على الجرحى والمرضى سوى أن يموتوا مع استمرار الحرب في السودان. فقد هجمت كل أنواع الأسلحة والأوبئة من الكوليرا وحمى الضنك، وتفاقمت الأمراض المستوطنة، في ظل توقف ما لا يقل عن مائة مستشفى عن العمل في ولاية الخرطوم، والتي تقول إحصاءات إن 70 منها جرى تدميرها ونهبها. كما طاول الخراب مراكز أبحاث ومختبرات.
إنها أشهر قليلة في عمر الحروب التي عرفناها، لكنها أكثر بكثير بما فقدناه ونفقده كل ساعة، فهناك آلاف القتلى والجرحى، وبينهم من سيعيشون مع إعاقات دائمة، فضلاً عن ملايين اللاجئين والنازحين. كما يتهدّد الجوع ملايين يواجهون صعوبة في الحصول على غذاء، بحسب تصنيف المنظمات الأممية.
انهيار المنظومة الصحية بسبب الحرب له من الآثار ما يصل إلى درجة الكارثة، فمن يصدّق أن يرمي جنود إحدى القوات المتحاربة جثث مئات في آبار منزلية وفي النهر والشوارع الخلفية في العاصمة المنكوبة، لأن لا وقت لديهم لدفن موتاهم، أو أنهم يقصدون تضخيم الأثر البيئي للحرب.
يشكو من بقي من سكان العاصمة الخرطوم على قيد الحياة من انعدام كافة الخدمات الصحية. وتمتد آثار الحروب إلى من هجروا بيوتهم من أصحاب الأمراض المزمنة والذين يحتاجون إلى أدوية دائمة. وما يُحزن أن البعض يعرض الأدوية المسروقة في الأسواق العشوائية التي نشأت في ظل الحرب في العاصمة وبعض المدن، على الأرض وتحت الشمس، ويبيعها من دون وصفات طبية.
وفي الأرياف البعيدة عن الحرب يموت عشرات من المزارعين والرعاة البسطاء بسبب التعرض للدغات ثعابين وعقارب، إذ لا توجد أمصال، ولا مؤسسات صحية قادرة على مقابلة هذا الاحتياج، كما كان الحال قبل الحرب.
قدرنا في السودان أن نفقد مواردنا الطبيعية في فترات السلم والحرب. وفي أحيان كثيرة يكون الفاعل نفسه، من يملك سلطة القول والفعل والسلاح، فهم لا يفعلون إلا ما يرونه صحيحاً، ولا يقولون إلا ما يزيد اليقين على أن المفسد لا قدرة له على الإصلاح. دعك من الموارد الضخمة التي تنهب يومياً، ففي ظل توقف كل شيء لم تتوقف عمليات تصدير الذهب والنفط والثروة الحيوانية. فهل تحصل العمليات بذات معايير زمن السلم؟
موجة أسى أخرى إثر توقف أكثر من 20 ألف مؤسسة تعليمية، صمتت أجراسها، وتشرّد طلابها (أكثر من ثمانية ملايين)، وفقد معلموها والعاملون فيها أشغالهم. كما دُمّرت البنى الصناعية تدميراً كاملاً، وتوقفت مؤسسات الخدمات الأخرى.
(متخصص في شؤون البيئة)