في سوق رفح المركزي، حركة دراجات هوائية نشطة، أمّا مهمّة ركابها فتوصيل طلبات سريعة إلى أماكن قريبة من الشارع الرئيسي لمدينة رفح، وكذلك إلى المخيم والمناطق المحاذية. وكان أحد مكاتب خدمة التوصيل السريع أو الدليفري قد أعلن توفيره فرصاً للشباب الذين هم في حاجة ماسة إلى عمل ويملكون دراجات هوائية يريدون استثمارها في العمل.
قبل نحو عامَين، أنشأ عماد يوسف (26 عاماً)، الذي يعمل في مجال الإعلام الرياضي، مكتباً لخدمات التوصيل السريع في المدينة يغطّي جنوبيّ قطاع غزة. لكنّه كغيره من المشاريع يتضرّر بسبب الحصار الإسرائيلي على غزة، لا سيّما عندما تقع أعطال في الدراجات النارية المستخدمة أساساً في هذا المجال ولا تتوفّر قطع غيار لها. يُذكر أنّ تلك القطع ممنوعة من دخول القطاع منذ خمس سنوات، وسط رقابة مشددة عند المعابر. لكنّ بعضها يصل من خلال عمليات تهريب.
ويشير يوسف لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أسعار قطع غيار الدراجات النارية ارتفعت بالتالي، بنسبة تصل في بعض المرّات إلى 300 في المائة، مقارنة بسعرها الأصلي". يضيف أنّ عامل الدليفري على دراجة نارية يُضطر للأسف إلى تحمّل عبء جديد في حال طاول أيّ عطل دراجته النارية، "لذا فكّرت في بديل، خصوصاً أنّ عملنا يتأثّر في حال تعطّل دراجة أحدهم. فوجدت أنّه من الممكن استخدام الدراجات الهوائية لتوصيل الطلبات إلى المناطق الأقرب". ويتابع يوسف أنّه "في مرّات كثيرة، أجد صعوبة في تلبية الطلبات السريعة في أوقات الأزمات، لا سيّما في أزمة كورونا، في حال وقوع أيّ عطل، وفكّرت في إنقاذ نفسي من خلال الدراجات الهوائية. ودرست كم من الوقت تحتاج دراجة هوائية لتصل إلى مناطق معيّنة، حتى أقدّر الوقت المطلوب لتوصيل طلبية ما".
حسم يوسف أمره قبل نحو ثلاثة أشهر وأعلن عبر صفحة المكتب الإلكترونية عن فرص عمل لأصحاب الدراجات الهوائية والذين يرغبون في الالتزام بعمل يعيل أسرهم. تلقّى 83 طلباً من شبان، شغّل منهم خمسة أشخاص فقط في مرحلة أولى. ويشير يوسف إلى أنّ ثمّة فائدة بيئية من استخدام الدراجات الهوائية، ويطمح في خلال المرحلة المقبلة، عند عودة الحياة إلى طبيعتها بعد أزمة كورونا، إلى زيادة العاملين على دراجات هوائية.
أحمد أبو زايد (19 عاماً) واحد من هؤلاء الشبان الذين وظّفهم يوسف، وهو يعمل منذ 25 فبراير/شباط الماضي على دراجته الهوائية. لا يخفي أحمد سعادته، لأنّها المرّة الأولى التي يعمل فيها ويحصل على دخل يومي ليعيل أسرته المكوّنة من تسعة أفراد، علماً أنّ والده عاطل من العمل بعدما تعرّض إلى إصابة في قدمه أعاقت حركته. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه أكبر أشقائه، "كذلك لم أتمكّن من متابعة دراسة جامعية بسبب الظروف الاقتصادية إلى جانب حالة والدي". يضيف: "أمتلك دراجة هوائية منذ أكثر من عام، واشتريتها حتى تسهل عليّ التنقل ونقل بعض الأغراض، لكنّها اليوم تدرّ دخلاً عليّ وعلى أسرتي". ويتابع أحمد أنّ "عملنا يقتصر على الأماكن القريبة، ونحن قادرون على الدخول بسهول إلى أزقة المخيمات. وبالنسبة إليّ، من الممكن لهذه الطريقة أن تنتشر وتعود بالدخل على الكثيرين وتحسّن ظروف الشبان"، لافتاً إلى أنّها "تحتاج إلى جهد رياضي مع فائدة لنا".
من جهته، يخبر محمود أحمد عوض الله (24 عاماً) أنّه تخرّج من كلية العلوم والتكنولوجيا تخصّص تبريد وتكييف، لكنّه لم ينجح في الحصول على أيّ وظيفة. عمل في مهن كثيرة، لكنّه عاطل من العمل منذ عامَين. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أتصوّر أنّ دراجتي التي أملكها منذ عامَين سوف تصير مصدر دخل لي. في البداية، عندما شاهدت الإعلان، سخرت منه ثمّ فكّرت فيه ملياً، وبالفعل تقدّمت للعمل وتمّ قبولي للعمل". يُذكر أنّ محمود يعيش في أسرة مكوّنة من ستة أفراد، فيما والده متوفّ منذ سنوات. وهو بالتالي يتشارك مع شقيقه إعالة الأسرة. ويرى أنّ "مشاريع الدراجات الهوائية قد تنجح كثيراً في قطاع غزة إذا أديرت بطريقة متقنة"، إذ يسهل استخدام الدراجة الهوائية حيث الاكتظاظ.
يضيف محمود أنّ "الدراجة النارية بشكل عام هي أفضل في خدمة التوصيل، لكنّها قد تتعطّل فتصير عبئاً على صاحبها. بالتالي، فإنّ الدراجة الهوائية التي لا تعتمد على وقود أو قطع غيار كثيرة، تُعَدّ بديلاً جيداً". لكنّه يرى أنّ هذا العمل يتطلّب معرفة جيدة للعناوين والشوارع الفرعية، بالإضافة إلى التمتّع بأخلاق حسنة، لأنّ العامل فيها يصادف عدداً كبيراً من الزبائن.