حوامل غزة... نساء يُجهِضن ويُواجهن مشاكل صحيّة

25 يوليو 2024
ولد الجنين من والدة استُشهدت (حسني نديم/ الأناضول)
+ الخط -

تواجه النساء الحوامل، في وسط قطاع غزة، معاناة يومية، في ظل التهجير المستمر، ونقص الغذاء والأدوية، الأمر الذي يجعلهن يواجهن مشاكل صحية، ولم يبقَ لهن غير مستشفى العودة.

استقبل مستشفى العودة في مخيم النصيرات بساعات الصباح الأولى من يوم السبت الماضي، شهيدة حاملاً في الشهر التاسع. عمد الأطباء إلى فتح بطن الشهيدة، وإخراج الجنين حياً، وسط أجواء من الفرح والبكاء في آن واحد. نُقل المولود الذي حمل اسم مجد إلى قسم الحضانة في مستشفى شُهداء الأقصى، تحسباً لانقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي عن الطفل في الحضانة الصغيرة في مستشفى العودة التي لا تستوعب سوى أعداد قليلة من المواليد الجدد. ويشار إلى أن مستشفى العودة هو الوحيد الذي يضم قسماً للولادة، وأقساماً لرعاية الأمومة.
كان مستشفى العودة في المخيم أحد أكثر المستشفيات المساندة طوال فترة العدوان، وخصوصاً لمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح. ومنذ بدء العدوان، أصبح الوحيد الذي يقدم الخدمات للنساء والمواليد الجدد في المحافظة الوسطى، والشاهد في الوقت نفسه على معاناة كبيرة جداً للنساء الحوامل والمواليد الجدد.
ليل الأحد، توجهت فاتن الجبري (34 عاماً) إلى المستشفى. كانت قد أصيبت بنزيف أثناء القصف الإسرائيلي المتواصل على مناطق وسط مدينة خانيونس خلال بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، ولم يكن أمام زوجها إلا نقلها على متن عربة إلى مستشفى شهداء الأقصى. كانت أعداد الجرحى تتزايد في المستشفى، ولم يكن بإمكان الطواقم الطبية التعامل مع الحالة وطلب تحويلها إلى مستشفى العودة. 
بعد حوالي ساعة ونصف الساعة، وصلت إلى مستشفى العودة وأدخلت غرفة العمليات ليجري إنقاذها وجنينها. وهي إحدى الحالات التي تصل يومياً إلى المستشفى، ضمن كثيرات يعانين من مشاكل قبل الولادة، كالنزيف نتيجة القصف المخيف والانفجارات المتكررة، وهو ما حدث مع الجبري، بحسب زوجها. 
في صالة الانتظار، كان الزوج عبد المجيد الجبري برفقة عدد من الرجال من مخيمات النصيرات وخانيونس ودير البلح والمغازي، وجميعهم لم يجدوا غير مستشفى العودة لتأمين الرعاية الطبية لنسائهم. ومن بين الحالات كانت ولادة جنين متوفى نتيجة ظروف التنقل المستمر للنساء والقصف المتكرر، ما سبّب حزناً بين الرجال المنتظرين. يقول الجبري لـ"العربي الجديد": "خلال الأسبوعين الماضيين، كنا نواجه صعوبة للوصول إلى المستشفى، علماً أنه الأمل الأخير بالنسبة إلينا. تنقلنا بسبب ظروف النزوح المتكرر وصولاً إلى مدينة خانيونس التي صدرت الأوامر بإخلائها بالتزامن مع ولادة زوجتي. القصف والانفجارات المتكررة ترعبني، فما بالك بحال زوجتي التي تحمل جنيناً في بطنها".

وبحسب بيانات وزارة الصحة في غزة، فإن نحو 50 ألف امرأة حامل حالياً في قطاع غزة، يواجهن نقصاً كبيراً في الأدوية التي تحتاجها الحوامل، بالإضافة إلى سوء التغذية والافتقار إلى المتابعة الدورية لصحة الجنين والحمل. وفي مارس/ آذار الماضي، قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الحوامل في قطاع غزة بنحو 52 ألف امرأة، وقالت إنهن معرضات للخطر بسبب انهيار النظام الصحي وسط الحرب المستعرة. وتشير طبيبة النساء والولادة سمية القاضي إلى أن معاناة التنقل المتكرر أدت إلى إجهاض بعض النساء الحوامل. 
تتابع القاضي حالات الحوامل والولادات بشكل مستمر في عدد من النقاط الطبية والمراكز الصحية وسط قطاع غزة. وتقول لـ"العربي الجديد" إن "معاناة الحامل تأتي في مرحلة ما قبل الولادة وما بعدها. تواجه النساء الموت الحقيقي، بسبب كثرة التنقل الذي يجبرن عليه، بالإضافة إلى نقص الغذاء والفيتامينات وغيرها من العناصر الأساسية. يستغرق وقت الولادة الطبيعية أكثر من العادة، فيما تشعر النساء بالألم خلال العمليات القيصرية". تضيف: "بعد الولادة، لا يحصل الجنين على حليب الأم، بسبب نقص الغذاء، وتبدأ مرحلة تأمين الحليب الصناعي". في هذا الإطار، تقول إن المواليد الجدد لا يحصلن على عناصر النمو الأساسية. أما النساء، فقد تواجه مشاكل صحية ما بعد الولادة. 
تخشى إسلام دياب (29 عاماً) على صحتها وصحة جنينها، وهي في الشهر الثامن من حملها في ظل نقص الغذاء. توجد على مقربة من مستشفى العودة خشية حدوث أي طارئ، علماً أنها تتلقى رعاية طبية وسط ظروف صعبة وازدحام شديد، بينما زوجها في إحدى الخيام المطلة على شاطئ البحر من دير البلح، وقد أبقاها مع شقيقتها النازحة في مخيم النصيرات حتى تلد الطفل. يقول الزوج محمد دياب لـ "العربي الجديد": "بعد حياة زوجية استمرت ثلاث سنوات، شاءت الأقدار أن تحمل زوجتي في الشهر الثاني من العدوان. نزحنا مراراً وتكراراً، ودمر منزلنا بمدينة غزة، وواجهنا ظروفاً صعبة. كنت أوفر الطعام لزوجتي حرصاً على غذائها وغذاء الطفل. أريد الطفل بأي ثمن. واجهت زوجتي صعوبات جراء حرمانها من الرعاية الصحية والفيتامينات. وأخشى أن تعاني من فقر الدم لاحقاً". 

داخل مستشفى العودة (إياد البابا/ فرانس برس)
داخل مستشفى العودة (إياد البابا/ فرانس برس)

أنشأ المستشفى نقاط علاج ميدانية على مقربة منه، وفي المنطقة الوسطى، سعياً للحفاظ على آلية العمل، واستقبال حالات الولادة والعناية بالحوامل، في ظل الضغط الكبير على مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح. ويعد المستشفى أمل الحوامل الأخير في منطقة تضم 4 مخيمات، هي مخيم النصيرات، والبريج، والمغازي، ودير البلح، وبلدة الزوايدة، وقرية المصدر. ويواجه مشاكل تتمثل بمنع دخول الأجهزة الطبية حتى ما قبل العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما يوضح رئيس قسم النساء والتوليد في مستشفى العودة الطبيب رائد السعودي. ويشير إلى أن المستشفى يشهد حوالي 50 حالة ولادة يومياً.
ومنعت قوات الاحتلال إدخال إمدادات الغازات الطبية (تشمل الأكسجين، وهواء طبياً (أكسيد النيتروز)، والنيتروجين، وثاني أكسيد الكربون، ومكنسة طبية، والتخلص من غاز التخدير العادم)، وأجهزة التخدير والتنفس، ونظام شفط متكامل، وآلات المناظير الجراحية والتصوير الطبي بالرنين المغناطيسي والأشعة، وغير ذلك. ويقول السعودي لـ"العربي الجديد": "نجري بعض العمليات بإمكانيات قد تكون معدومة، ونحصل على الدعم بكل صعوبة لناحية المعدات الطبية والأدوية. تجري الطواقم الطبية الكثير من العمليات على أصوات القصف، وخصوصاً في الأيام الأخيرة، مع تكثيف القصف على مخيم النصيرات. هناك حالات إجهاض وحالات ولادة فيها مشاكل ومضاعفات ما قبل الولادة، وبعضها لم نعهدها في تاريخ عملنا. لكننا لا نزال نعمل". 
ومستشفى العودة هو مستشفى أهلي غير حكومي، يتبع جمعية العودة الصحية، كان مركزاً صحياً قبل عام 2022، وطوّر ليصبح مستشفى يضم 141 موظفاً وموظفة، منهم 60 طبيباً وطبيبة من أصحاب الاختصاص، وأقساماً متكاملة تشمل العمليات والطوارئ وغرف المبيت والعيادات، مع التركيز على برامج الرعاية الصحية الأولية، وبرنامج الرعاية الصحية الثانوية والثالثية، وحماية المرأة والطفل. وكان عدد أسرته يبلغ 33، ليرتفع إلى 60 خلال العدوان.

والمستشفى كغيره من المستشفيات، استهدف ومحيطه في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كما استهدفت طائرات الاحتلال محيط المستشفى في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وقصفت قوات الاحتلال المستشفى مباشرة، وأصابت مرافقه، ومكتب المدير، ما دفعه للإعلان عن نفاد مخزونه من الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية وسيارات الإسعاف في اليوم التالي، ليعود للعمل بعد أيام. 
ومجدداً، قصف الاحتلال محيط المستشفى في 25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفي 19 مارس/ آذار هذا العام، عندما جرى استهداف المحيط بصاروخ من طائرة مسيرة. وفي 22 إبريل/ نيسان، استهدفت قوات الاحتلال بالسلاح المدفعي ألواح الطاقة الشمسية في المبنى الإداري للمستشفى. وفي 4 يونيو/ حزيران الماضي، أطلقت طائرات كوادكوبتر النار على محيط المستشفى.
وأثناء المجزرة الإسرائيلية بحق سكان المخيم، حين قام الاحتلال بتحرير الرهائن الأربعة الإسرائيليين في الثامن من يونيو/ حزيران 2024، اقتحمت القوات الخاصة الإسرائيلية محيط مستشفى العودة والسوق المجاور، وحاصرت القوة الخاصة بغطاء من الطيران الجوي، المباني بالقرب من مستشفى العودة، وألحقت أضراراً، وامتلأ المستشفى بأعداد كبيرة من الشهداء والجرحى خلال وقت قصير، وسط الأحزمة النارية الجوية والبرية.

المساهمون